"نحن نسجل" تكشف تفاصيل مجزرتي العقرب والإعدامات في مصر

الاثنين 12 أكتوبر 2020 07:31 م

في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفذت السلطات المصرية حكم الإعدام في 15 معتقلا، كان 13 منهم محتجزين في نفس العنبر الذي حدث به حادثة مقتل 4 من المعتقلين و4 من أفراد الشرطة، في 23 سبتمبر/أيلول الماضي.

حادثة مقتل الضباط والمعتقلين، زعمت وزارة الداخلية، أنها كانت محاولة لهروب 4 معتقلين من داخل السجن، أدت إلى مقتلهم، وهي الواقعة التي أثارت علامات استفهام كثيرة، خاصة أنها كانت في سجن العقرب الحصين جنوبي القاهرة.

لم تمض عدة أيام، حتى أعلنت السلطات المصرية، إعدام 15 معتقلاً، على ذمة 3 قضايا هي "أحداث مكتبة الإسكندرية"، و"اقتحام قسم شرطة كرداسة"، و"أجناد مصر 1"، لتثير مزيداً من علامات الاستفهام حول طريقة تعامل السلطات المصرية مع الحادث.

منصة "نحن نسجل"، الحقوقية، استمعت لشهادات 5 أشخاص، ممن كانوا شهوداً في تلك الفترة بشكل منفصل مع مقارنتها ببعضها للتحقق من تطابق الروايات، وكانت الرواية كالتالي:

البداية

في الساعة السادسة مساء يوم الأربعاء، 23 سبتمبر/أيلول 2020، أعلن الموقع الإلكتروني لجريدة "اليوم السابع"، مقتل "ضابطين وفرد شرطة خلال تصديهم لـ4 مسجونين محكوم عليهم بالإعدام حاولوا الهروب من سجن طره.. ومصرع المجرمين الأربعة خلال الاشتباك مع ضباط وأفراد الشرطة والجهات المختصة تتولى التحقيق".

ثم بعدها بما يقارب النصف ساعة، أعلنت مواقع أخرى مثل "الشروق"، و"أخبار اليوم" الخبر.

ويلاحظ أن جميع المواقع المصرية نقلت الخبر عن مصدر أمني من وزارة الداخلية، مكتفية بذكر مصرع ضابطي شرطة و4 من المحكوم عليهم بالإعدام وهم "السيد السيد عطا محمد"، و"عمار الشحات محمد السيد"، و"حسن زكريا معتمد مرسي"، و"مديح رمضان حسن علاء الدين".

وفي اليوم التالي، ازداد عدد القتلى من أفراد الشرطة ليصبح 4 أفراد، بعد وفاة مجند متأثراً بجراحه.

ورغم أن الحادث هو الأول من نوعه من حيث عدد الضحايا من الطرفين، لكن وزارة الداخلية المصرية لم تقم بإصدار أي بيان رسمي حول الحادثة، وبالمثل صمتت النيابة العامة والنائب العام عن إجراء أي تحقيق في ملابسات الحادثة.

وذكرت بعض الصحف المصرية، أنه قد فُتِحَ تحقيق عاجل للوقوف على ملابسات الحادث، وأن فريق التحقيق قد شُكِلَ للاستماع إلى أقوال رجال الشرطة بالسجن وبعض النزلاء وفحص كاميرات المراقبة.

ووفق "نحن نسجل"، فإن رواية الداخلية "مبهمة"، في ظل "غياب بيان رسمي"، في ظل عدم ذكر اسم السجن الذي وقعت به الحادثة، والاكتفاء بذكر أن الحادثة في مجمع سجون طره.

وحرصت وسائل الإعلام المصرية على تأكيد أن القتل تم أثناء اشتباك نتج عن محاولة هروب فاشلة تصدت لها قوات الشرطة، دون ذكر كيفية حدوث اشتباك مسلح، حيث يحظر على الضباط وأفراد الأمن التواجد بأي سلاح ناري داخل مباني السجن.

كما يلاحظ حرص وزير الداخلية على زيارة مكان الحادث، وتشكيل فريق تحقيق، والأهم أن هناك كاميرات للمراقبة قد سجلت كل ما حدث.

مسرح الحادث

وبمراجعة أسماء المعتقلين الذين تم الإعلان عن مقتلهم، تم التوصل إلى أنهم جميعا محتجزون داخل سجن طره، شديد الحراسة 992، والشهير بـ"سجن العقرب 1" (سيئ السمعة)، فالسجن كالقلعة الموحشة التي تقشعر الأبدان لذكرها، ويقع ضمن منطقة مجمع سجون طرة.

ويضم السجن ما يزيد على 320 زنزانة، مقسمة على عدة عنابر أفقية، تأخذ شكل حرف (H)، ويبلغ ارتفاع سور العقرب 7 أمتار، بها العديد من أبراج الحراسة بالإضافة إلى بواباته المصفحة.

وبمراجعة الروايات المتداولة، فالرواية الحكومية، لم تخرج عن نص مكرر في جميع المواقع يوحي بحدوث اشتباك مسلح ما بين المعتقلين وقوة من السجن.

أما عن المواقع الإخبارية المعارضة للنظام المصري، فقد ذكرت إحداها رواية تؤكد أيضًا حدوث اشتباك ناري بين الطرفين، ولكن برواية مختلفة تفيد أن المعتقلين الأربعة سيطروا على عنصر الحراسة الذي كان يشرف على عودتهم لعنابرهم، بعد فترة التريض الصباحية، واقتادوه بعيدًا وحصلوا على سلاحه وطعنوه وقتلوه، وهي رواية تم إسنادها إلى مصادر أمنية، قبل أن تشير المعلومات لاحقا عن خطئها.

أما حقيقة ما حدث، فوفق توثيقات "نحن نسجل"، من شهود عيان على الواقعة وأدلة، فإن الأحداث بدأت عند وصول قوة لمبنى (H4) في سجن العقرب.

وتكونت القوة من مأمور السجن "تامر حامد"، ورئيس مباحث سجن طره "محمد متولي"، وضباط الأمن الوطني العقيد "عمر عبدالمنعم"، والمقدم "يحيى زكريا"، ورائد المباحث "محمد عفت"، وعدة أفراد من أمناء الشرطة وبضعة عساكر.

وكان هدف القوة القيام بحملة إعادة تسكين "تغيير أماكن السجناء"، لعنبر الإعدام داخل مبنى (H4)، حيث سيتم نقل المحكوم عليهم بالإعدام من عنبر رقم 2 (Wing2) إلى عنبر رقم 4 (Wing4)  في نفس المبنى.

وبدأت القوة الخاصة بحملة التسكين بنقل عدد 20 معتقلاً من المحكوم عليهم بالإعدام من عنبر رقم 2 إلى عنبر رقم 4، وسط انتهاكات نفسية وجسدية.

وكانت القوة الأمنية مسلحة فقط بالعصي "هِراوات"، حيث إنه لا يُسمح بدخول السلاح إلى داخل مباني السجن.

رغم أن زنازين سجن العقرب، صُمِمت كي تكون انفرادية، لا يوجد بداخلها سوى سجين واحد، لكن زنازين عنبر الإعدام، كانت مكدسة بعدد من المعتقلين في كل زنزانة.

وعندما جاء دور نقل الأربعة المعتقلين محل الواقعة، فتحت زنزانتهم لبدء نقلهم لتفاجأ القوة بهجوم الأربعة شباب عليهم، وهم يصيحون بعبارات تضمنت أنهم لا يقبلون الإهانات التي تحدث من مصلحة السجون ضد أسر المعتقلين.

ولم يحدث اشتباك ناري، ولكن المعتقلين الأربعة قاموا باستخدام أدوات معدنية بسيطة استطاعوا قطع بعضها من سلك وُضِعَ خلف شباك زنزانتهم، بهدف التضييق عليهم.

ورغم فارق القوة العددية لصالح قوة السجن، لكن مأمور السجن ومقدم الأمن الوطني "يحيى زكريا"، كانوا من أوائل الفارين من العنبر، تاركين خلفهم العقيد "عمر عبدالمنعم"، والرائد "محمد عفت"، ومفتش المباحث "محمد العادلي"، وأمين الشرطة "عبدالمجيد عبدالفتاح"، وعسكري شرطة.

واستطاع مفتش المباحث "محمد العادلي" الهروب، ليقوم الأربعة معتقلين بغلق الباب الخارجي للعنبر عليهم، لعلمهم باستحالة الفرار من السجن.

جاءت قوة خاصة للشرطة وقامت باقتحام العنبر، حيث أطلقت في البداية قنبلة غاز ثم قامت بالدخول وإطلاق الرصاص الحي والخرطوش على الأربعة معتقلين، بغرض التصفية الجسدية بشكل مباشر، وهو ما يعد مخالفة للقانون الذي ينص على محاولة القبض على منفذي مثل هذه الحوادث وهم أحياء.

وقامت القوة الخاصة بعد مقتل الأربعة معتقلين بالتمثيل بجثامينهم بشكل انتقامي، عبر إطلاق الرصاص الحي على رؤوسهم وأجسادهم عدة مرات.

ويظهر ما سبق ذكره، كذب الراوية الرسمية للنظام المصري من حدوث اشتباك ناري، أثناء محاولة الفرار أدت لمقتل الأربعة المعتقلين، حيث لم يحاول المعتقلون الأربعة الفرار كما تكشف صيحات المعتقلين قبل مقتلهم عن دوافعهم لهذا الهجوم، في ظل الانتهاكات التي يعانيها السجناء وأسرهم.

وليس من المستغرب استهانة قوة السجن بالقانون، وضربها به عرض الحائط عبر تنفيذ إعدام ميداني للمعتقلين الأربعة داخل عنبر الاحتجاز.

ولكن المستغرب، حسب المنصة الحقوقية، هو قدرة 4 معتقلين يعانون من سوء التغذية على الهجوم والسيطرة على قوة شرطية تفوقهم عدة وقوة ودفعها للهروب سريعًا تاركين بعض زملائهم خلفهم.

جنون الانتقام

وبعد الحادثة، قامت إدارة سجن العقرب بغلق عنبر رقم 2، في مبنى (H4) منذ الحادثة، وحتى تاريخ نشر هذا التقرير.

أيضاً قامت قوة ضاربة من الشرطة باقتحام عنبر رقم 4، في مبنى (H4) حيث تم وضع المحكوم عليهم بالإعدام كل في زنزانة بشكل منفصل، لتقوم بعدها القوة بتقييد كل معتقل على حدة ووضع المعتقلين في منتصف العنبر والقيام بتجريد زنازينهم من كل متعلقاتهم الشخصية من الملابس والأغطية التي تقيهم برودة الليل مع نزع الإنارة من كل الزنازين.

ثم قامت قوات وزارة الداخلية بالاعتداء على مسؤول العنبر، حيث تم ضربه بشكل مبرح أدى إلى إصابته بكسور.

في الأيام التالية، أشرف جهاز الأمن الوطني على القوة الأمنية المسؤولة عن تعذيب جميع المعتقلين في العنبر رقم 4، حيث كان يتم تقييد المعتقلين بشكل يومي وإجبارهم على الزحف على بطونهم مع ضربهم على أجسادهم، وسط مقاومة لما يحدث من جانب المعتقلين الذين رفضوا هذه الانتهاكات.

الليلة الأخيرة

في مساء 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، علمت "نحن نسجل" عبر مصادرها، عن قيام قوة من مصلحة السجون باصطحاب 13 معتقلاً من داخل عنبر الإعدام بـ"سجن العقرب 1"، معللين ذلك بأنه سيتم نقلهم إلى سجن آخر.

ولكن معلومة أخرى وصلت عن قيام نفس القوة باصطحاب اثنين آخرين من المحكوم عليهم بالإعدام من داخل سجن ليمان طره، جعلت الفريق في حالة من الترقب من تنفيذ مجزرة من الإعدامات بحق هؤلاء المعتقلين.

بعدها بساعات، وبعد منتصف ليل 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وردت معلومة جديدة تؤكد قيام مصلحة السجون بالاستعداد لتنفيذ أحكام إعدام، وهو ما تأكد لاحقًا.

مشرحة زينهم

وفي صباح 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وصل إلى مشرحة زينهم عدة سيارات إسعاف نقلت العديد من الجثامين لأشخاص تم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم.

وفي الساعة الواحدة ظهراً، تأكد تنفيذ حكم الإعدام في الاثنين اللذين تم اصطحابهما من سجن ليمان طره وهما: "ياسر الأباصيري"، و"ياسر شكر"، الصادر بحقهما حكم بالإعدام النهائي في القضية رقم 20091 لسنة 2013 جنايات باب شرق، والمعروفة إعلامياً باسم "أحداث مكتبة الإسكندرية".

بينما ظل مصير الـ13 معتقلاً الذين تم نقلهم من "سجن العقرب 1"، غير معلوم.

وفي السابعة مساء، رصد فريق "نحن نسجل"، وصول قوة أمنية خاصة لمحيط مشرحة زينهم، حيث قامت بالدخول للمشرحة وهو إجراء خاص زاد من تأكيد "مجزرة الإعدامات"، ولكن وزارة الداخلية أجلت الإعلان.

وفي الثانية من فجر 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تأكد وجود 13 جثماناً إضافياً داخل المشرحة.

بعدها بساعة، تم التعرف على الذين تم نقلهم من سجن العقرب، ومن تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وأن المتهمين صدر ضدهم أحكام بالإعدام النهائي في القضية المعروفة إعلامياً باسم "أجناد مصر 1"

وبحلول الساعة 12 ظهرًا، تم التأكد أن 3 من المتهمين في قضية "أجناد مصر 1"، لم ينفذ بهم حكم الإعدام، بينما تم التنفيذ في 3 آخرين من القضية المعروفة إعلامياً بـ"اقتحام قسم كرداسة".

وبين مكذب للخبر ومشكك، كان الجميع مذهولاً، حيث إنه من المستغرب تنفيذ حكم الإعدام في بعض المحكوم عليهم بالإعدام، وترك آخرين في نفس القضية، وهي سابقة لم تحدث.

ودفعت هذه الأحداث لظهور شائعات عن وجود 20 جثماناً آخرين، وهو ما تم نفيه للأهالي.

وفي مساء 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تأكد فريقنا بشكل تام أن من تم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم هم 15 متهماً على ذمة 3 قضايا.

ففي القضية الاولى، رقم 20091 لسنة 2013 جنايات باب شرق "أحداث مكتبة الإسكندرية"، تم إعدام "ياسر الأباصيري"، و"ياسر شكر".

وفي القضية الثانية، رقم 12749 لسنة 2013 جنايات الجيزة "اقتحام قسم شرطة كرداسة"، تم إعدام 3 أشخاص، هم: "أحمد محمد الشاهد"، و"سعيد يوسف عبدالسلام"، و"شحات مصطفى الغزلاني".

أما في القضية رقم 103 لسنة 2014 أمن دولة "أجناد مصر 1"، فتم إعدام 10 أشخاص، هم: "عبدالله السيد محمد"، و"جمال زكي عبدالرحيم"، و"سمير إبراهيم سعد"، و"محمد عادل عبدالحميد"، ومحمد أحمد توفيق"، و"إسلام شعبان شحاتة".

وعلى ذات القضية، تم إعدام "ياسر محمد خضير"، و"سعد عبدالرؤوف سعد"، و"محمد صابر رمضان"، وشقيقه "محمود صابر رمضان".

وفي ذت التوقيت، كانت جثامين الأربع شباب الذين تم تصفيتهم داخل سجن العقرب، مازالت متواجدة داخل مشرحة زينهم.

ولاحقًا، في مساء 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قامت وزارة الداخلية بتسليم جثماني كل من "ياسر الأباصيري"، و"ياسر شكر"، ليتم بعدها تسليم جثمانين كل يوم، وفق أوامر وتعليمات جهاز الأمن الوطني.

الحكاية لم تنته

ووفق "نحن نسجل"، فقد خرجت استغاثات عدة، تفيد بحصول انتهاكات مستمرة داخل "سجن العقرب 1"، ومنها ما تعرض له المعتقل "محمود جنيدي"، المودع في عنبر الإعدام في مبنى (H4) .

حيث تعرض لإصابات منعته من حضور جلسة نظر قضيته المعروفة إعلاميًا بـ"كتائب حلوان"، والتي انعقدت في محكمة جنايات القاهرة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

كما علمت "نحن نسجل"، بمنع التريض داخل السجن بشكل كامل، مع تنفيذ اقتحامات يومية لزنازين مبنى (H4) ، والاعتداء على بعض المعتقلين بداخله بشكل دوري بالإضافة إلى منع الأدوية والأمانات عن بقية المعتقلين في مباني السجن الثلاثة الأخرى.

وأمام ذلك، طالبت "نحن نسجل"، بأن يتم تشكيل لجنة عاجلة للتحقيق من منظمات حقوقية مستقلة وخبراء أُمميين، تتولى مرافقة النيابة العامة لزيارة "سجن العقرب 1"، والاطلاع على حالة السجن عن كثب.

كما نطالب وزارة الداخلية المصرية بتسليم تفريغ كاميرات المراقبة الخاصة بالسجن خلال تلك الفترة لإثبات حقيقة ما جرى ولإثبات صحة وجود اشتباك من عدمه وذلك بالاستناد إلى ما جاء في روايتها الرسمية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إعدامات سجن العقرب انتهاكات حقوقية معتقلون في مصر نحن نسجل مشرحة زينهم

حملة لفضح انتهاكات سجن العقرب بمصر: مقبرة الأبرياء

بينهم امرأتان.. رايتس ووتش تؤكد إعدام 49 مصريا في 10 أيام

العفو الدولية تدين موجة محمومة من تنفيذ أحكام بالإعدام في مصر

السلطات المصرية تنفي وجود عقاب جماعي لسجناء "العقرب"

تجرؤ على الله وتعذيب مميت وإعدامات بالرصاص.. معتقل مصري سابق يروي تفاصيل مروعة