«فورين بوليسي»: هل تستمر العلاقات الأمريكية السعودية؟

الأربعاء 16 سبتمبر 2015 09:09 ص

عندما قام العاهل السعودي بأول زيارة له إلى واشنطن منذ اعتلائه العرش في يناير/ كانون الثاني فقد كانت أهدافه في قمة البساطة. الحاكم البالغ من العمر 79 عاما يريد أن يغطي الخلافات التي أدت إلى تآكل العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، واستخراج بطاقة التأييد من إدارة «أوباما» في مقابل دعم فاتر من الرياض للاتفاق النووي مع إيران. ومع حرص البيت الأبيض على الحفاظ على زخم الاتفاق النووي بعد تأمين الأصوات اللازمة في مجلس الشيوخ لمنع رفض الجمهوريين للصفقة، فإن توقيت الملك «سلمان» كان ممتازا لمحو ذكريات عدم حضوره لمؤتمر كامب ديفيد لقادة الخليج مع الولايات المتحدة في مايو/ أيار.

إخفاء الخلافات هي واحدة من أدق فنون الدبلوماسية وأكثرها فائدة. مع قلق السعوديين من الدفء المحتمل للعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران والخلافات الحادة بخصوص سوريا ومصر والعراق وحمام الدم الطائفي الأوسع في الشرق الأوسط، فقد كانت الزيارة قطعة صلبة من العمل في خدمة واشنطن، ربما الأصعب في تاريخ العلاقة الفصامية بين واشنطن والرياض، والتي ربما تعد العلاقة الثنائية الأكثر التواء للولايات المتحدة مع أي بلد. كانت الأجواء حول الزيارة إيجابية بما فيه الكفاية لدرجة أن القليلين أتوا على ذكر التناقضات التي تكتنف العلاقات بين الولايات المتحدة وصديقها القديم في الخليج.

السعودية وإيران: من أكثر «تطرفا»؟

كان أحد المحللين الذين أسهبوا خول التنافر العميق في العلاقات هو «توماس فريدمان» في عمود نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» قبل وصول الملك «سلمان» إلى واشنطن. وتعليقا على قول جنرال متقاعد في القوات الجوية أبدى معارضته للاتفاق مع إيران على أساس أن إيران هي الراعي الأول للتطرف الإسلامي حول العالم فإن «فريدمان» رد منفعلا: «لا يوجد أي شيء سبب التآكل لمسيرة الاستقرار والتحديث في العالم العربي و العالم الإسلامي بأسره، من المليارات والمليارات من الدولارات التي استثمرها السعوديون منذ السبعينيات من أجل محو التعددية في الإسلام وفرض بدلا عنها العلامة التجارية السلفية الوهابية المتزمتة للإسلام المضادة للتحديث وللغرب وللمرأة».

يجادل «فريدمان» أن مساهمة المملكة العربية السعودية نحو التطرف الإسلامي تفوق مساهمة إيران. في الواقع، فإن جهود طهران لإثبات التفوق الطائفي وقيادة التيار الرافضي الراديكالي كانت في حالة يرثى لها حتى قيام الربيع العربي واشتداد التوترات الطائفية بسبب الحرب الأهلية السورية. وعلى الرغم من أن سوء الإدارة الحكومية هو المرض الأكثر فتكا في العالم العربي فإن نشر المملكة العربية السعودية النشاطات للوهابية، التي بدأت كرد فعل على الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، قد أدى دورا مركزيا في صعود التطرف العنيف من أندونسيا إلى مالي.

كانت الوهابية بمثابة الغازي المدمر للنظام الطبيعي الهائل للإسلام. كانت العواقب مشؤومة: بناء صلب من المبررات بداية من الذبح الذي تمارسه «الدولة الإسلامية» في العراق ومأساة 11 سبتمبر/أيلول، والذي تعود آثاره مباشرة إلى التبشير السعودي والعديد من المساجد الراديكالية والمنظمات غير الحكومية التي ولدها.

ووضح «فريدمان» السبب الذي جعل الولايات المتحدة تنأى عن الوقوف في وجه الرياض بقوله : «نحن مدمنون على النفط وكذا مدمنون لعدم قول الحقة بشأن ما يروجونه».

تعاون محوري

هذا أمر سهل للغاية؛ إذا كان النفط هو المصلحة الحيوية التي تلزم الولايات المتحدة نحو المملكة فإن التعامل مع تصدير التطرف سيكون أسهل بكثير. ما يخطيء بشأنه «فريدمان» والجميع تقريبا هو مدى محورية التعاون في مكافحة الإرهاب في خطة العلاقات الأمريكية السعودية. هذا يجعل الرؤوس تدور، ولكن فيما يتعلق بالإرهاب التكتيكي والذي يشمل كشف المؤامرات وتعطيلها فإن السعودية أصبحت شريكا لا يقدر بثمن، بل واحدة من الشركاء المفضلين جدا لدى واشنطن.

بعد تفجيرات مايو/ أيار 2013 في الرياض التي أسفرت عن مقتل 39 شخصا، نمت العلاقات بين سلطات مكافحة الإرهاب الأمريكية ونظيرتها السعودية بشكل وثيق وصارت أكثر فعالية. هذا هو السبب الذي يفسر لماذا وزير الداخلية «محمد بن نايف»، والذي يقع في المرتبة الثانية في ترتيب العرش ومهندس خطة مكافحة الإرهاب السعودية، هو الرجل المفضل لدى واشنطن في الرياض.

بدأ العصر الذهبي لهذا التعاون في عام 2009، حينما كانت التهديدات الإرهابية تتطور بشكل أكثر خطورة في الباحة الخلفية للمملكة، اليمن. التعاون السعودي في مجال مكافحة الإرهاب في ذلك التوقيت منع سقوط مئات من القتلى الأمريكين وربما أكثر. هناك بعض الحالات المعروفة بشكل جيد مثل مؤامرة لإخفاء القنابل في خراطيش طابعة على متن طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة. من دون الجهود السعودية كان يمكن أن تكون أكثر من طائرة أمريكية في مهب الريح. هناك عمليات أخرى ساعدت الولايات المتحدة في الدفاع ضد فئة جديدة من القنابل لا يمكن الكشف عنها قد تستخدم ضد الطائرات. في أي مكان آخر يمكن للمرء أن يجد الخطأ منهم إلا أن السعوديين يؤدون عملا رائعا في هذه الحالات.

يمتد التعاون أيضا إلى ما هو أبعد من ذلك، منذ عام 2003 فإن عمل السعودية في مكافحة تمويل الإرهاب قد تحسن إلى حد كبير وقد تم الاعتراف بجهودها في مجال إعادة تأهيل المتطرفين دوليا.

ومع ذلك، هناك مفارقة غير عادية تظهر هنا. بسبب المبالغ الكبيرة التي تتدفق من المؤسسة الدينية في البلاد والمنظمات غير الحكومية الضخمة إلى المؤسسات التي تعزز النسخة الوهابية من الإسلام. هذه الأموال، جنبا إلى جنب مع مواد المناهج الدراسية والدعاة وشبكات التلفزيون والأدب الديني، فإنها تعزز مخزون التطرف في العديد من البلدان حتى لو لم تكن تشارك مباشرة في أعمال العنف. في نفس الوقت، فإن المخابرات السعودية تنشط في جميع أنحاء العالم في محاولة لمنع الإرهاب الذي ينمو من هذا النشاط.

تعاون مستمر وأولويات متباعدة

هل هذا جنون؟، على الإطلاق، ولكنها حماقة نشأت من الاتفاق السياسي الأصلي للمملكة ما بين «محمد بن سعود» جد آل سعود وبين «محمد بن عبد الوهاب» الواعظ الوهابي الأول ذو الشخصية الكاريزمية حيث وحدوا صفوفهم لانتزاع السيطرة في شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن 18. العائلة المالكة التي تحكم المملكة طالما روجت للوهابية وقد اعتمد النظام الملكي على رجال الدين الوهابيين لتثبيت مشروعيتهم كـ«خدم للحرمين الشريفين» منذ ذلك الحين. وكلما واجه النظام الملكي تحديات إزاء حكمه فإن يقوم بضخ المزيد من الأموال في المؤسسة الدينية السعودية حيث يذهب بعضها إلى الخارج. ليس من المستغرب أن السعودية أنفقت المليارات في موجه موجة الديموقراطية التي اجتاحت المنطقة إبان الربيع العربي.

هناك العديد من الأسباب. باديء ذي بدء، من الصعب أن نجادل إزاء جهود الرياض في مكافحة الإرهاب بالشكل الذي أشرنا إليه. لا يوجد رئيس يرغب في جفاء حكومة تنقذ أرواح الأمريكيين. في حين أن بعض المسؤولين قد دفعوا السعودية في اتجاه تصدير التطرف فإن آخرين ليسوا على استعداد لبدء مناقشة صعبة ليس من المرجح أن تصل إلى أي نتيجة. السعوديون، رغم كل شيء، من الغير المرجح أن يرغبوا في إدارة دولتهم على هوانا.

يزيد من تعقيد الأمور تم ما يمكن تسميته بـ«متلازمة المكتب السياسي» كما كان الحال مع السوفييت في الثمانينيات. وذلك أنه حتى وقت قريب  المجموعة الصغيرة من الطبقة الحاكمة الشائخة سواء كان الملك أو كبار الأمراء كانوا إما على حافة الموت أو على قدر من التحجر الفكري لرفض أي نهج مختلف جذريا. التشخيص الآن للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست مشجعة. أولويات البلدين هي ببساطة بعيدة جدا عن بعضها البعض.

بالنسبة للولايات المتحدة، يأتي على رأس الضرورات القصوى تطبيق الاتفاق النووي مع إيران ووقف صعود التطرف الإسلامي، وفي المقدمة احتواء خطر «الدولة الإسلامية» دون الاضطرار إلى إرسال قوات أمريكية إلى المنطقة. بالنسبة للسعوديين فإن الهدف الأساسي هو دحر التقدم الإيراني وبخاصة في اليمن وسوريا.

في اليمن، أصبحت الحملة السعودية ضد الحوثيين مبادرة توقيع لسياسة خارجية جديدة أكثر جرأة في الرياض. وأبدت الولايات المتحدة دعما محتاطا للجهد السعودي هدفه في المقام الأول محاولة صيانة التحالف الذي كان أمرا ضروريا على خلفية المفاوضات النووية.

ولكن وراء الكواليس، لدى واشنطن مخاوف حقيقية بشأن المجهود الحربي السعودي. القصف يواصل قتل المدنيين بأعداد مروعة والبلد يتجه نحو كارثة إنسانية. تحاول الولايات المتحدة تحسين قدرة المملكة العربية على الاستهداف لكن لا زالت النتائج مروعة. ويدعى السعوديون أن الحوثيين ليسوا أكثر من وكيل تتغطى به جهود إيران في البلاد.

وهذا الأمر ليس سيئا فقط بالنسبة لليمنيين ولكنه سيء أيضا بالنسبة للولايات المتحدة. الجماعات الإرهابية تزدهر في مناطق الصراع . والجهاديون في اليمن وبخاصة تنظيم القاعدة يواصلون اكتساب الأراضي والنفوذ. لأنهم لا يواجهون إلا ضغوط عرضية من ضربات الطائرات بدون طيار الأمريكية.

وفي الوقت نفسه في سوريا، فإن السعودية لا تدعم «الدولة الإسلامية» لكنها ستكون سعيدة جدا لرؤية الإسلاميين الآخرين يسقطون «بشار الأسد» لتصير دمشق عاصمة للسنة. كثير من المال يتدفق الآن من الخليج إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. مرة أخرى المتطرفون يستفيدون من الفوضى.

أما بالنسبة للقتال قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد «الدولة الإسلامية»، فقد كانت مساهمة السعودية في حدها الأدنى. لم تقم السعودية بأي مهام في العراق إلى الآن بحسب موقع وزارة الدفاع ولا يزال السبب غير واضح ولعل السعوديين لا يرغبون في طلب الإذن من الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة لأنهم ليس لديهم سفارة في بغداد، أو ربما أنهم لا يستطيعون تقديم أنفسهم لدعم حكومة بغداد. في سوريا. شاركت السعودية في بعض الضربات الـ119 التي لم تقم بها الولايات المتحدة. باختصار، تعتقد السعودية أن مشكلة التطرف يمكن التعامل معها في وقت لاحق بعد أن تحقق الفوز في الحروب في اليمن وسوريا وتعيد إيران إلى مكانها الطبيعي.

هل يمكن إصلاح أي من هذا؟ هل شركاؤنا منذ سبعة عقود، كما يحلو للمسؤولين الأمريكيين الإشارة إلى السعوديين، على استعداد للانضمام إلى الحرب ضد التطرف وليس فقط ضد المنتج النهائي للإرهاب؟ لا تعول على ذلك: تجنبت المملكة العربية السعودية اتخاذ مثل هذه الخطوات لعقود من الزمن، وليس هناك أي سبب للاعتقاد أن المملكة لا يمكن أن تبقى على مسارها الحالي لعقود أكثر.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فسوف تظل مثقلة بالضرورات التكتيكية التي تمنعها من معالجة فوضى أكبر. وعلى واشنطن أن تدبر أمرها نحو الأمام فيما يتعلق بالتهديد الجهادي.

  كلمات مفتاحية

السعودية الدولة الإسلامية سوريا اليمن الحوثيين

هل تفتح زيارة الملك «سلمان» صفحة جديدة في العلاقات مع واشنطن؟

الأهداف الاقتصادية والسياسية من زيارة الملك «سلمان» لأمريكا

«أوباما» والملك «سلمان»: رحيل «الأسد» شرط لأي تحول سياسي في سوريا

مخاوف الخليج التي لا يفهمها «أوباما» .. لماذا قررت السعودية الاعتماد على نفسها؟

السعودية والتحول الكبير ( 1 )

السعودية والتحول الكبير ( 2 )

«فورين بوليسي»: حان وقت قلق أمريكا من انهيار النظام السعودي