فورين أفيرز: إيران تتبنى استراتيجية جديدة بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأمريكية

الجمعة 23 أكتوبر 2020 01:48 ص

كان لانسحاب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي مع إيران هدف واضح وهو الضغط على طهران للتفاوض على اتفاق أكثر ملاءمة للولايات المتحدة. ولهذه الغاية، اتبعت واشنطن سياسة "أقصى ضغط"، التي ألحقت أضرارا غير عادية بالمجتمع الإيراني. فقد انكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 7% بين عامي 2019 و2020، وانخفضت قيمة عملة البلاد المحلية إلى مستوى قياسي. ومع ذلك، رفضت طهران إعادة التفاوض على الاتفاق، لأنها ترى أن الخضوع لمطالب الولايات المتحدة بمثابة استسلام كامل.

وبدلا من ذلك، استأنفت إيران بعض أنشطتها النووية التي كانت قد علقتها سابقا وفقا للاتفاق. وواصلت، إن لم تكن وسعت، برنامجها الصاروخي، وعمقت نفوذها الإقليمي. وبالرغم من هذا التصعيد الخطير من كلا الجانبين، يتوقع الكثيرون جولة جديدة من الدبلوماسية المكوكية بين طهران وواشنطن بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الشهر المقبل.

وقال المرشح الديمقراطي "جو بايدن" إنه في حالة انتخابه سيعود إلى الاتفاق النووي الذي تم التفاوض عليه عندما كان نائبا للرئيس. وفي غضون ذلك، أعرب "ترامب" عن ثقته في قدرته على إبرام اتفاق جديد مع إيران في غضون أسابيع إذا أُعيد انتخابه.

وبالرغم من خلافاتهما، يعتقد كل من المعارضين والمؤيدين للاتفاق النووي الأصلي أن إعادة فرض العقوبات في العامين الماضيين قد وفر للولايات المتحدة نفوذا حاسما لاستخدامه ضد إيران. ومع ذلك، يختلف الطرفان حول ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة استخدام هذا النفوذ للحصول على شروط أفضل في إطار نفس الاتفاق أو زيادة الضغط للحصول على تنازلات أكثر جاذبية من إيران، بما في ذلك إنهاء برنامجها لتخصيب اليورانيوم تماما.

وستعرض إدارة "بايدن" تخفيف العقوبات مقابل المزيد من القيود على أنشطة إيران النووية أكثر مما يتطلبه الاتفاق الأصلي. ومن ناحية أخرى، من المرجح أن تقدم إدارة "ترامب" في فترتها الثانية القليل من الحوافز، وأن تزيد الضغط على إيران لتقديم تنازلات تتجاوز الإطار الأصلي.

ويفترض الطرفان أن إيران بحاجة ماسة إلى مفاوضات جديدة حتى تتمكن من تخفيف العقوبات من الولايات المتحدة وإنقاذ اقتصادها. لكن الخطاب السائد حول إيران داخل مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن يغفل نقطة حاسمة. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، شهد المشهد السياسي الإيراني تحولا جذريا أدى إلى تغيير جذري في حسابات البلاد.

وتمتلك إيران مصادر قوة جديدة، محلية ودولية، وتتطلع إلى الولايات المتحدة أقل بكثير مما تتخيله واشنطن.

حالة جديدة من التماسك

ونادرا ما كانت السياسة الخارجية الإيرانية في حالة من التماسك كما هو عليه الوضع الآن. وعلى مدى العقود الثلاثة التي فصلت بين وفاة "الخميني" عام 1989 واغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني 2020، أدت السياسات الحزبية المتناحرة إلى إثارة الفتنة داخل بيروقراطية الدولة، وشل سياستها الخارجية.

وغالبا ما كان يتم تعطيل جهود الرئيس ووزير خارجيته فيما هما على وشك تحقيق اختراق دبلوماسي عن طريق بيان أو عملية اغتيال من قبل الحرس الثوري الذين كانوا قلقين باستمرار من أن الدبلوماسيين الإيرانيين يفتقرون إلى الإيمان بالقدرة العسكرية للبلاد، وأنهم سيقدمون تنازلات من شأنها أن تعرض الأمن القومي للخطر.

وأدى مقتل "سليماني"، إلى جانب حملة العقوبات الأمريكية التي وصفها الرئيس الإيراني بأنها "حرب اقتصادية"، إلى التقارب بين الفصائل السياسية في البلاد بشكل غير عادي، مع وجود الحرس الثوري الإيراني في مقعد القيادة.

ومنذ الجولة الأخيرة من المفاوضات، أظهرت إيران أنها تستطيع إغلاق نصف إنتاج النفط السعودي، وإسقاط الطائرات الأمريكية بدون طيار في الخليج العربي، وشن هجمات بالصواريخ الباليستية على القوات الأمريكية في العراق.

ومن غير المستغرب الآن، أن يحث الحرس الثوري الدبلوماسيين الإيرانيين على عدم الخوف من أي شيء والابتعاد عن الطاولة إذا هددهم المفاوضون الأمريكيون مرة أخرى. ويتجلى التماسك بين الفصائل في الإجراءات الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف". وكان رفض الأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول، إعادة فرض العقوبات على إيران انتصارا دبلوماسيا لـ"ظريف".

والآن، يعمل وزير الخارجية نفسه، الذي تفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني والذي اعتبره العديد من الإيرانيين بوابة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، على ترسيخ علاقات إيران مع روسيا ووضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية استراتيجية مدتها 25 عاما مع الصين.

ومن خلال الترحيب بموسكو وبكين في الشرق الأوسط لتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة، تسعى طهران إلى إنشاء منطقة خالية من الدولار مع بعض جيرانها، بالإضافة إلى روسيا والصين. ويتضافر إجماع النخبة الآن وراء تحول إيران إلى الشرق بعد 30 عاما من الخلافات الداخلية المنهكة حول اتجاه السياسة الخارجية للبلاد.

وتتطلع إيران الآن إلى روسيا والصين المعادتين بشكل متزايد لأمريكا من أجل الفوائد الأمنية والاقتصادية. ويعد هذا التغيير مثيرا، لا سيما بالنظر إلى أنه منذ وقت ليس ببعيد، خلال الفترة بين 2002 و2015، غالبا ما صوتت الصين وروسيا ضد أنشطة إيران النووية من أجل كسب ود واشنطن. ولم تصبح هذه الدول حتى الآن حلفاء استراتيجيين لطهران، لكن عداءها المشترك تجاه الولايات المتحدة قلص من خلافها السابق وخلق جبهة منسقة لا ينبغي لواشنطن التقليل من شأنها.

ولا تملك إيران الآن سياسة خارجية جديدة وأكثر تماسكا فحسب، بل إن قادتها يدركون أيضا أن مصداقية ومكانة الولايات المتحدة كدولة كفؤة وليبرالية وديمقراطية قد تراجعت بين الإيرانيين. وتبدو طهران واثقة من أنه بانتهاك الاتفاق النووي، وإساءة معاملة الأقليات والمهاجرين والمواطنين الإيرانيين، والفشل في وقف انتشار "كوفيد-19"، قوضت واشنطن الصورة الإيجابية التي تتمتع بها الولايات المتحدة منذ عقود.

وفي بداية جائحة الفيروس التاجي، سارع المراقبون الأمريكيون إلى إلقاء اللوم على قادة إيران في فشلهم في السيطرة على تفشي المرض. ومع ذلك، بعد بضعة أشهر، رأى العديد من الإيرانيين أن أغنى دولة في العالم لم تتعامل مع الوباء بشكل أفضل مما فعلت دولتهم المنكوبة بالعقوبات.

وبالإضافة إلى ذلك، فرضت الولايات المتحدة إجراءات عقابية متزايدة على إيران أثناء الوباء، ما أدى بشكل فعال إلى دعم مزاعم طهران بأن الولايات المتحدة لا تتمنى للشعب الإيراني الخير، وأن معارضة واشنطن للبرنامج النووي ما هي إلا ذريعة لتدمير البلاد.

القليل مقابل الأقل

ويرى المؤيدون الأمريكيون للاتفاق النووي أنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتقديم المزيد إذا كانت ترغب في الحصول على المزيد من التنازلات من إيران. ومع ذلك، ستجعل العوامل المحلية والجيواستراتيجية المذكورة أعلاه موقف إيران في أي مفاوضات نووية أكثر صعوبة من ذي قبل.

وتكشف تصريحات إيران العلنية عن العقبات الدبلوماسية المقبلة. وفي الواقع، تطالب إيران الآن الولايات المتحدة بتعويضها عن انتهاك اتفاقية دولية أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد يعتبر البعض هذه الكلمات مجرد مساومة للمطالبة بالمزيد من واشنطن. 

وقبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وبالرغم من وعود واشنطن في عهد الرئيس السابق "باراك أوباما"، واجهت إيران العديد من العقبات في إجراء المعاملات الدولارية، لأن المؤسسات المالية الدولية بالغت في الامتثال للعقوبات الأمريكية.

والآن، لم تعد القيادة الإيرانية، التي أصبحت أكثر ثقة وأقل انقساما مما كانت عليه في عام 2015، تحبس أنفاسها بشأن حزمة تخفيف العقوبات الكبرى من الولايات المتحدة، كما يفترض الكثيرون في واشنطن بشكل خاطئ. وبدلا من ذلك، قدتضع إيران أهدافا أصغر بكثير، وتسعى فقط إلى تخفيف القيود المفروضة على الدول الأخرى حتى تتمكن من التعامل مع إيران.

وسوف تتمحور الجولة المقبلة من المفاوضات بشكل شاق على خطوات ومعاملات قابلة للعكس بسرعة. فإيران تتوقع القليل وستقدم الأقل.

المصدر | محمد آية الله طبار/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني المفاوضات الإيرانية الأمريكية الانتخابات الرئاسية الأمريكية

بولتون: ترامب كان متحمسا للتفاوض مع خامنئي في إيران

الولايات المتحدة تخير إيران بين التفاوض أو الانهيار الاقتصادي

سلاح ذو حدين.. هل تستعد إيران لمرحلة الرئيس العسكري؟