مصادر: خامنئي أمر بوقف الهجمات على المصالح الأمريكية بالعراق

الجمعة 23 أكتوبر 2020 12:29 م

كشفت مصادر لموقع "ميدل إيست آي" أن الأمر الصادر للفصائل المسلحة العراقية بوقف هجماتها على المصالح الأمريكية الأسبوع الماضي جاء مباشرة من المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي".

ووفقًا لما أفاد به قادة فصائل شيعية مسلحة وسياسيون، كانت أوامر خامنئي "صريحة" حيث طالب الجماعات شبه العسكرية بوقف هجماتها "فورًا".

وقال قائد كبير في فصيل مسلح تدعمه إيران متورط في الهجمات لموقع "ميدل إيست آي": "كانت أوامر خامنئي مباشرة وواضحة. يجب أن تتوقف جميع الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق".

خطر التهديدات وسقوط الحكومة

تعرضت السفارة الأمريكية في بغداد والقواعد العسكرية التي تستضيف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوافل الدعم اللوجيستي لهجمات شبه يومية بصواريخ الكاتيوشا والمتفجرات وأحيانًا النيران المباشرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ورغم أن هذه الهجمات لم تسفر عن خسائر كبيرة، إلا أن تكرارها أزعج الحكومتين العراقية والأمريكية وأثار قلق البعثات الدبلوماسية، خاصة بعد استهداف قوافل أممية وبريطانية.

وردا على ذلك، هدد وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" بإغلاق سفارة واشنطن في بغداد ما لم يتم السيطرة على المهاجمين.

وقال مسؤولون عراقيون لموقع "ميدل إيست آي" إن "بومبيو" وعد أيضًا بضرب عشرات الأهداف، بما في ذلك المقرات السرية والمواقع التابعة للفصائل المسلحة والسياسيين المدعومين من إيران.

إلى جانب هذه التهديدات، رأت طهران ضرورة منح حكومة رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" بعض الراحة، في خضم معاناتها من أزمة مالية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن جائحة فيروس "كورونا"، كما أن حالة عدم اليقين التي تحيط بانهيار الحكومة ستسبب لإيران صداعاً جديداً.

وكانت "كتائب حزب الله"، الفصيل الأكثر عداءً للولايات المتحدة والمتهم بتنفيذ غالبية الهجمات، أول من استجاب لأمر "خامنئي"، وسرعان ما تبعته حركة "حزب الله النجباء" وفصائل صغيرة أخرى.

وقال قائد بارز بإحدى الفصائل المسلحة المتورطة في هذه الهجمات لموقع "ميدل إيست آي": "يسعى الأمريكيون إلى تأجيج الناس ضدنا بشتى الطرق، لذا قررنا أن إحباط جهود الأمريكيين في هذا الصدد أهم من استهداف السفارة الأمريكية".

وأضاف أن "تهدئة الشارع العراقي والمحافظة على الحكومة العراقية والعملية السياسية هي الأولوية الآن، لذلك تقرر تعليق جميع الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق حتى زوال الخطر".

نصيحة بريطانية خلف الكواليس

أثار التحوّل الكبير في موقف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران وتوقيت إعلان هذه الهدنة من جانب واحد تساؤلات كثيرة حول الهدف الحقيقي لهذا القرار وشروطه ومدته وهوية الطرف الضامن، والأهم من ذلك: من الذي صنعه.

كان العراق أحد أكبر ساحات الصراع بين الولايات المتحدة وإيران منذ عام 2003، حيث يسيطر البلدان على عشرات الجماعات المسلحة، فضلاً عن القادة السياسيين والعسكريين الذين يعملون على تنفيذ أجنداتهم.

وقال مسؤولون عراقيون إن الإدارة الأمريكية تخشى أن تهاجم الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران السفارة في بغداد لإحراج الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي يسعى للفوز بولاية ثانية في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني.

ويتسق هذا السيناريو مع الاستراتيجية التي استخدمتها طهران خلال الأشهر الأخيرة، وبالتالي فإن مخاوف واشنطن لها ما يبررها.

وقالت المصادر لموقع "ميدل إيست آي"، إنه تم تشجيع الفصائل المسلحة على مهاجمة أهداف أمريكية للضغط على "ترامب" وحلفائه في العراق ودفعه إلى اتخاذ إجراءات متهورة قد تؤدي به إلى خسارة الانتخابات.

لكن يبدو أن الحسابات تغيرت بعد أن تأكد الإيرانيون من خطورة التهديدات التي وجهها "بومبيو" عبر الرئيس العراقي "برهم صالح" بضرب المصالح الإيرانية وحلفائها داخل العراق، وفقًا لما قاله قيادي شيعي كبير مقرب من طهران.

وقال السياسي، الذي شارك في محادثات مع إيران، لموقع "ميدل إيست آي": "تلقَىّ الإيرانيون نصائح مهمة جدًا من حليف مشترك كان لها تأثير واضح في تغيير موقفهم".

وأضاف السياسي: "النصيحة هي تجنب استفزاز ترامب في هذه المرحلة لأنه جاد في تهديداته ويائس ولن يتردد في القيام بعمل طائش سيكلف الجميع غاليا".

ثم أردف: "أي عمل عسكري داخل العراق الآن يعني سقوط الحكومة العراقية، وإيران نفسها لن تكون قادرة على التعامل مع تداعيات سقوط الحكومة، لا سيما التداعيات ذات الطابع السياسي والمالي والاقتصادي".

ويعتقد القادة الشيعة أن بريطانيا اللاعب الحقيقي في الساحة العراقية في الوقت الحاضر، ويعزى إليها الفضل في إقناع الإيرانيين بتجنب استفزاز الأمريكيين واتباع خيار التهدئة.

وقال السياسي: "لا توجد معلومات واضحة، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن البريطانيين هم من لعبوا دورًا مؤثرًا هذه المرة، رغم أنهم لم يظهروا في الصورة كالمعتاد".

وأضاف: "لديهم قنوات اتصال مع جميع الأطراف، بما في ذلك الفصائل المسلحة، وهم يتفاوضون منذ فترة طويلة مع الفصائل، وتحديدا كتائب حزب الله، بهدف وقف الهجمات".

وفي هذا الصدد؛ طلب موقع "ميدل إيست آي" من وزارة الخارجية البريطانية التعليق، لكنه لم يتلق أي تعليق حتى وقت النشر.

حفظ ماء الوجه

تزامن تغير السياسة الإيرانية المفاجئ مع سلسلة من الاجتماعات، العلنية والخفية، التي عقدتها الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق "جينين هينيس بلاسخارت" مع قادة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

وكانت آخر هذه الاجتماعات مع قائد كتائب حزب الله ورئيس أركان هيئة الحشد الشعبي "عبدالعزيز المحمداوي" الملقب بـ "أبو فدك" مطلع الشهر الجاري، مما دفع المراقبين إلى ربط هذه اللقاءات بالهدنة المعلنة الأسبوع الماضي.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن "هينيس بلاسخارت" أخفقت في الوصول إلى أي نتيجة في هذه الاجتماعات، كما قال القادة لموقع "ميدل إيست آي".

ورفض "أبو فدك" الاجتماع مع "هينيس بلاسخارت" 3 مرات، ولم يلن إلا في النهاية بناءً على طلب "الكاظمي"، حسبما قال اثنان من القادة المقربين من قائد كتائب حزب الله.

وقال قائد بارز مقرب من "أبو فدك" من هيئة الحشد الشعبي، ومطلع على المحادثات: "هينيس بلاسخارت لا علاقة لها بالهدنة المعلنة، على الرغم من اجتماعها الذي ركز على الهجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق مع أبو فدك".

وأضاف: "لقد طلبت من أبو فدك التدخل لكنه رفض. قال إنه لا يمكن أن يكون وسيطا بين الفصائل والأمريكيين".

وقال القائد إن الولايات المتحدة ارتكبت "خطأ كبيرا" عندما قتلت الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" والمشارك في تأسيس كتائب حزب الله "أبو مهدي المهندس" في غارة بطائرة مسيرة على مطار بغداد في يناير/كانون الثاني.

وأضاف أن الاثنين كانا "أهم شخصين" مسئولين عن "الحفاظ على التوازن في العراق، وكان بإمكانهما إيقاف هذه الهجمات بكلمة واحدة".

وتابع قائلًا: "الأمريكيون هم من بدؤوا هذه الفوضى، ولديهم القدرة على إنهائها بمغادرة العراق. الحل هو أن يغادر الأمريكيون في غضون فترة زمنية معقولة، وليس 3 سنوات كما هو معروض".

وأكمل قائلًا: "عرض أبو فدك على الأمريكيين مهلة انسحاب تتراوح بين شهرين و3 أشهر، وأن يضمن لهم الحماية الكاملة والمساعدة في نقل معداتهم وآلاتهم وأفرادهم إلى الكويت إذا وافقوا".

وتعرضت "هينيس بلاسخارت" لانتقادات واسعة النطاق في العراق بسبب لقائها "أبو فدك"، لكن مهمتها لم تفشل في الواقع فشلاً ذريعاً، حيث ينسب البعض الفضل إلى حوارات مبعوثة الأمم المتحدة في توفير مخرج لبقية الفصائل للموافقة على وقف إطلاق النار دون أن تبدو مرتبطة بإيران.

وقال قائد أحد الفصائل المتورطة في الهجمات: "كانت هينيس هي الشخص المؤثر في المفاوضات التي أدت إلى الهدنة بين الفصائل والسفارة الأمريكية. لقد لعبت دور الوسيط وكانت قناة اتصال غير مباشرة بين الطرفين".

وأضاف: "لقد عملت على ايجاد منطقة وسط يلتقي فيها الطرفان، لذلك تقرر وقف الهجمات وتهدئة الوضع حتى تنضج المفاوضات، وبعد ذلك يتم تحديد المهلة الزمنية للانسحاب والهدنة".

وشدد القائد على أن الأمم المتحدة و"هينيس بلاسخارت" لم يقدموا أي ضمانات للجماعات المسلحة، لكن عقلية المبعوثة كوزيرة دفاع هولندية سابقة خلقت نوعًا من التفاهم بيننا وبينها".

وقال: "في هذه المرحلة نحن واثقون من أنها ستنجح في إدارة هذا الملف". فيما قالت بعثة الأمم المتحدة في بغداد لموقع "ميدل إيست آي" إنه "ليس لديها أي تعليق في هذه المرحلة" بشأن المزاعم حول مفاوضات "هينيس بلاسخارت".

اجتماعات في قم

على غير العادة، لم يُنقل أمر "خامنئي" إلى الفصائل المسلحة عبر القنوات العادية أو المسؤولين الإيرانيين العاملين في العراق.

وبدلا من ذلك - نظرا لأهميتها - تم استدعاء قادة أبرز الفصائل، بما في ذلك تنظيم بدر، الذي يعد أقدم جماعة شيعية مدعومة من إيران في العراق، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق (أقوى فصيل)، إلى قم للقاء "خامنئي"، كما قال ثلاثة من قادة الفصائل على الأقل لموقع "ميدل إيست آي".

بعدها، كان هناك أكثر من لقاء مع "خامنئي". أحد هذه اللقاءات كان برفقة قائد منظمة بدر "هادي العامري"، وكان آخر مع ممثلين عن كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء ومستشارين إيرانيين، إضافة إلى مسؤول ملف العراق.

وقال قائد كبير لفصيل مسلح تدعمه إيران: "كان جوهر الأوامر التي صدرت هو الحفاظ على السلطة في أيدي الشيعة. أي الحفاظ على منصب رئيس الوزراء والحكومة الحالية".

وأضاف: "يقول خامنئي إن الكاظمي شيعي، بغض النظر عما إذا كان سيئًا أو جيدًا من وجهة نظرنا، وسيترك هذا المنصب في النهاية عاجلاً أم آجلاً. لكن المنصب يجب أن يظل في أيدي الشيعة".

وقال القائد إن "خامنئي" حذر من أن أي هجمات الآن يمكن أن تهدد حكم "الكاظمي" وبالتالي تهدد الاستراتيجيات السياسية للجميع.

وأردف: "لذلك، فإن أي نشاط من شأنه أن يهدد الحكومة العراقية أو يضعها تحت رحمة الأمريكيين يجب أن يتوقف فوراً".

المصدر | سعداد الصالحي/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خامنئي مقتل قاسم سليماني كتائب حزب الله القوات الأمريكية في العراق

نيويورك تايمز: خامنئي سمح فقط بهجمات سيبرانية ضد أمريكا

فورين بوليسي: العراق العنصر الغائب باستراتيجيات واشنطن

تقرير برلماني عراقي: تصاعد هجمات الصواريخ إذا فاز ترامب

يعرفه أكثر من أي بلد آخر.. هكذا سيواصل بايدن نهجه تجاه العراق