هل الانتخابات كافية لتغيير المشهد السياسي الفلسطيني؟

الأحد 25 أكتوبر 2020 01:30 ص

بعد انطلاق المناقشات حول انتخابات فلسطينية محتملة، أُثيرت آمال في أن تتوحد حركتا "فتح" و"حماس" بعد سنوات من العداء، خاصة أن المحادثات تأتي في وقت حاسم تتكالب فيه على القضية الفلسطينية التطورات الإقليمية ومشروع الاحتلال الإسرائيلي بشكل متزامن.

وتوصل قادة "فتح" و"حماس" إلى اتفاق مبدئي في 24 سبتمبر/أيلول، خلال اجتماع في إسطنبول، لإجراء انتخابات فلسطينية عامة في غضون 6 أشهر.

وصرح "جبريل الرجوب"، أحد كبار مسؤولي "فتح"، قائلًا: "لقد اتفقنا على إجراء انتخابات تشريعية أولاً، ثم انتخابات رئاسية للسلطة الفلسطينية، وأخيراً المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية".

كما صرح "صالح العاروري"، احد كبار مسؤولي "حماس"، لوكالة "فرانس برس" من إسطنبول قائلًا: "هذه المرة توصلنا الى توافق حقيقي. الانقسامات أضرت بقضيتنا الوطنية ونحن نعمل على إنهاء ذلك".

وللمرة الأولى منذ 15 عامًا تقريبًا، قال مسؤولون من الحركتين إنه يجب إجراء انتخابات في فلسطين بموجب الاتفاق الذي اتفقت عليه "فتح" ورئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" والقائد السياسي لحركة "حماس"؛ "إسماعيل هنية".

تهديد وجودي

كان للإعلان عن خارطة طريق جديدة للانتخابات صدى جيد لدى الأوساط الفلسطينية إلى حد كبير، فيما يعكس رغبة واسعة في تجاوز الانقسامات في السياسة المحلية والمجتمع، وتحقيق الوحدة الوطنية.

وأعطى هذا الإجماع، الذي أعربت عنه الجماعات السياسية المختلفة من جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، دفعة لمتابعة الحوار الفلسطيني الداخلي لتعزيز الإجماع الداخلي.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه الشعب الفلسطيني تحديات خطيرة لقضيته ومستقبله، متمثلة في "صفقة القرن" التي أطلقتها إدارة "ترامب"، والخطة الإسرائيلية لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، والحملة المحمومة لتطبيع دول عربية مع (إسرائيل).

وبالتالي، فإن المحادثات الأخيرة بين "فتح" و"حماس" تندرج في سياق الجهود التي تشتد الحاجة إليها لتوحيد الصف الفلسطيني لمواجهة الأخطار التي تعيق القضية الفلسطينية. 

واتخذت هذه الجهود شكل خطابات وتجمعات ومؤتمرات صحفية مشتركة في يوليو/تموز، في تعبير هام عن الانسجام بين القادة الفلسطينيين ضد مشروع الضم الإسرائيلي.

ومع التقدم الذي تحرزه المناقشات، يشعر الفلسطينيون بتفاؤل حذر بأن العملية الانتخابية يمكن أن تكون طريقا نحو الانسجام السياسي.

وقال الصحفي الفلسطيني "داود كتّاب" لموقع "إنسايد أرابيا" إن الكتلتين أدركتا أنهما بحاجة إلى شرعية الانتخابات، مضيفًا: "هناك إرادة على الجانبين لتحقيق الوحدة، فمع التهديد الوجودي بالتطبيع مع إسرائيل، يدرك الطرفان أنه يجب عليهما التحرك".

ويرى "كتّاب" أن اتفاق 24 سبتمبر/أيلول أصبح ممكناً، ليس بسبب الظروف السياسية فحسب، بل أيضاً بسبب العلاقة الشخصية بين "جبريل الرجوب"، أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ونائب قائد "حماس"؛ "صالح العاروري"، حيث كان الاثنان زميلين في السجن وتمكنا من جلب عامل الثقة بينهما إلى المفاوضات.

شكوك منطقية

 أعطت الحركات الفلسطينية المختلفة دفعة جديدة للمصالحة وإنهاء الانقسام السياسي، لكن هل هناك نية حقيقية لتحقيق جبهة موحدة؟

تم تأجيل الاجتماع الذي كان من المفترض عقده في 3 أكتوبر/تشرين الأول للموافقة على تفاصيل الاتفاق الأوّلي الذي تم التوصل إليه في تركيا إلى أجل غير مسمى، على ما يبدو بسبب الخلافات المستمرة بين الفصائل، وكان الرئيس "عباس" سيصدر بعد ذلك مرسوماً رئاسياً يحدد موعداً للانتخابات.

ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي وعدت فيها "حماس" و"فتح" بمصالحة وطنية وانتخابات، حيث شكل الاثنان حكومة وحدة بعد انتخابات عام 2006، التي أسفرت عن فوز ساحق لحركة "حماس".

لكنها انهارت في العام التالي مع سيطرة "حماس" على قطاع غزة والانقسام بينها وبين السلطة الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عدة محاولات للمصالحة وانتخابات جديدة فشلت في كل مناسبة، بما في ذلك اتفاق تبادل الأسرى في عام 2012 وحكومة وحدة وطنية قصيرة العمر بعد ذلك بعامين.

ولهذا؛ فبالنظر إلى التاريخ الطويل من الإخفاقات للحركتين المتنافستين، فإن استعادة ثقة الجمهور في قيادتهما تبدو على الأقل صعبة للغاية.

وتسري شكوك منطقية في أوساط الشعب الفلسطيني إزاء صفقة الانتخابات، وقال مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية لصحيفة "جيروزاليم بوست": "يحتاج الطرفان إلى مزيد من الوقت لمناقشة العديد من القضايا الخلافية".

وأشار إلى عدة مطالب قدمتها "حماس"، بما في ذلك رفع العقوبات المالية التي فرضتها السلطة الفلسطينية بقيادة "فتح" على غزة، ووقف الحملة الأمنية للسلطة الفلسطينية على أعضاء "حماس" في الضفة الغربية، والإفراج عن معتقلي "حماس" المحتجزين في سجون السلطة الفلسطينية.

وقال المفاوض الفلسطيني السابق "حسن عصفور"، إن حديث "فتح" عن شراكة مع "حماس"، "هو احتيال سياسي مطلق. لا يوجد شيء يوحدهم سوى مرحلة حالية من الأهداف الحزبية".

هناك حتى بعض الفلسطينيين الذين ينتقدون التسرع في التوافق بين "فتح" و"حماس".

وجادل الصحفي الأمريكي الفلسطيني "رمزي بارود"، في مقال له، بأن الاتفاقية "ستكسب عباس الوقت للترويج لنفسه كسياسي معتدل"، وأن القيادة الفلسطينية تصر على العمل في إطار أوسلو و"الطريق المسدود لعملية السلام''، والذي من شأنه فقط حماية مصالح النخب الحاكمة في فلسطين.

وعلى مدار عقود، قدمت اتفاقيات أوسلو وعود كاذبة للفلسطينيين بشأن السلام، وسمحت بالإنكار المستمر للحقوق، واستمرار العنف الإسرائيلي وانتهاكات القانون الدولي، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

ولا تزال اتفاقية أوسلو سارية المفعول على الأرض، حيث تستمر جوانب مثل التبعية المالية والتنسيق الأمني ​​كما هي.

وبالرغم أن الرئيس "عباس" هدد في مناسبات سابقة بقطع العلاقات مع إسرائيل، إلا أن هذه الترتيبات الأمنية والمالية بين الرتب العليا في السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية ظلت سارية طوال الوقت.

مخاوف تعزز الانقسام

من بين القضايا التي تهم الأوساط الفلسطينية أيضًا إمكانية إجراء انتخابات حرة وديمقراطية في ظل الاحتلال، ومن هذا المنظور؛ يجب أن تؤخذ بعض الأسئلة الأساسية في الاعتبار.

فهل ستسمح إسرائيل بالانتخابات ولا تعرقل حق الفلسطينيين في التصويت لأي فصيل يفضلونه؟ وهل ستسمح لـ"حماس" وقوات المقاومة بالقيام بحملة وحشد مناصريهم؟ هل سيتم إدراج الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق (ب) و (ج)، الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية في التصويت؟ وهل ستسمح (إسرائيل) للفلسطينيين المقدسيين بالمشاركة في الانتخابات (بالنظر إلى تحرك إسرائيل لعرقلة الانتخابات السابقة في القدس الشرقية)؟

يشير بعض المحللين الفلسطينيين أيضًا إلى المساحة الديمقراطية والسياسية المحدودة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يعني أن الانتخابات من شأنها أن تعزز النظام الحاكم بدلاً من أن تعكس ممارسة ديمقراطية حقيقية.

قد تطيل الانتخابات الجديدة الانقسام وتعمقه إذا أدت إلى تكرار سيناريو 2006، عندما فازت "حماس" بالأغلبية في المجلس التشريعي بينما فازت "فتح" بالرئاسة في العام الذي يسبقه، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين المعسكرين المتعارضين.

ومع ذلك، تتيح الانتخابات الفرصة لحلحلة المشهد السياسي الداخلي والوضع الراهن في فلسطين.

وقال "كتّاب": "أعتقد أن الوحدة الفلسطينية ضرورية لوقف كل أنواع المحاولات لتجاوز الحقوق الفلسطينية"، مشيرًا إلى أنه بسبب الانقسامات الداخلية، تمكنت (إسرائيل) والدول التي طبعت علاقاتها مع تل أبيب من الإفلات بفعلتها.

ولكن؛ قبل المضي قدما في الانتخابات، من الضروري رؤية برنامج وطني تتفق عليه جميع القوى السياسية الفلسطينية، ويجب أن يكون هناك بعض الإجماع الأساسي بين جميع الفصائل حول استراتيجية وطنية موحدة.

وبينما تنخرط "حماس" و"فتح" في مناقشات ومشاورات للتوصل إلى مصالحة، لا يزال الجميع ينتظر أن يصدر الرئيس الفلسطيني مرسوم الانتخابات بعد الموافقة الرسمية من "حماس". وسنرى قريبًا ما إذا كانت القيادة الفلسطينية قد نضجت، وما إذا كانت كل المجموعات السياسية المختلفة مستعدة حقًا للتحرك نحو الوحدة وإجراء العملية الانتخابية.

أما إذا لم يتحقق ذلك، فسيكون لدينا نفس التمثيل الفلسطيني المنقسم الذي يسعى إلى إعطاء مظهر من المصالحة، فيما يحاول كل طرف تعزيز رأس ماله السياسي محليًا وخارجيًا.

المصدر | أليساندرا باجيك/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حماس فتح المصالحة الفلسطينية جبريل الرحوب مشروع ضم الضفة إسماعيل هنية

الماضي لا يموت في الشرق الأوسط