تطبيع السودان مع إسرائيل.. صفعة رمزية بوجه الدعم العربي لفلسطين

الأربعاء 4 نوفمبر 2020 12:13 م

أعلن الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، أمام وسائل الإعلام في البيت الأبيض، أن السودان وإسرائيل قد اتفقا على تطبيع العلاقات، ونسب الفضل لنفسه في التوسط في الصفقة.

لكن الاتفاقية اجتذبت اهتمامًا إعلاميًا أقل بكثير، وأثارت أيضًا جدلاً أقل بكثير في العالم العربي، من تلك التي وقعتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول الماضي.

دوافع ظاهرة وعميقة

لا توجد حدود مشتركة بين السودان وإسرائيل، ولم تكونا في حالة حرب، إذن ما أهمية هذه الاتفاقية؟

أوضح سبب يمكن شرحه هو توقيت الصفقة، فحين أظهرت استطلاعات الرأي أن "ترامب" يتخلف بشدة عن خصمه الديمقراطي "جو بايدن"، قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، أراد نجاحًا في السياسة الخارجية يرضي مؤيدي إسرائيل في المعسكر الديمقراطي والإنجيليين المسيحيين.

ولكن منذ عام 1968، صوت 71% من اليهود الأمريكيين في المتوسط ​​لصالح الحزب الديمقراطي، في حين يمكن اعتبار دعم الإنجيليين المسيحيين للحزب الجمهوري أمرًا مفروغًا منه.

لذلك كان يجب أن يكون واضحًا منذ البداية أن الميزة الانتخابية لهذه الصفقة ستكون هامشية، إن لم تكن مهملة.

أما السبب الأعمق وراء تنمر "ترامب" القاسي على حكومة السودان الانتقالية الهشة لدفعها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فهو دعمه غير المشروط لليمين الإسرائيلي المتطرف، وعداؤه العميق الجذور تجاه النضال الفلسطيني في سبيل الاستقلال وإقامة الدولة.

نتج عن هذا العداء سلسلة من الضربات الشديدة التي وجهها "ترامب" للقضية الوطنية الفلسطينية، مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين، وإنهاء المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس بأكملها.

ولم تكن "صفقة القرن" التي روج لها "ترامب" بشكل يبعث على السخرية خطة سلام، بل كانت تصريحًا مجانيًا لإسرائيل لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة رسميًا.

وعندما رفض الفلسطينيون الصفقة بغضب، ضغط "ترامب" على الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتخلي عن الفلسطينيين.

الأهمية الرمزية للسودان

من وجهة نظر "ترامب"، تمثل الاتفاقيات العربية الإسرائيلية الثلاثة الأخيرة نجاحات في السياسة الخارجية، والمشترك بين الثلاثة هو أنهم لا يطلبون من إسرائيل الاعتراف بأي حقوق وطنية فلسطينية.

ومع أن الخطوة السودانية أقل في الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية من تلك التي تشمل دول الخليج، لكنها مليئة بأهمية رمزية.

ففي أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967، انعقدت قمة جامعة الدول العربية في عاصمة السودان الخرطوم، وتعهدت بـ"اللاءات الثلاث" الشهيرة: "لا اعتراف ولا مفاوضات ولا سلام مع إسرائيل".

تركت هذه الصيغة مساحة للمفاوضات غير المباشرة والاتفاقيات غير الرسمية مع إسرائيل، لكن من يقومون بالدعاية لإسرائيل قاموا بتحويلها إلى دليل على الرفض العربي المطلق.

تحطمت أسطورة الرفض العربي بسبب معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل عام 1979 والأردن عام 1994، لكن الموقف العربي الجماعي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يتغير حتى قمة جامعة الدول العربية في بيروت في مارس/آذار 2002.

فقد تبنت القمة بالإجماع الاقتراح السعودي كأساس لما أصبح مبادرة السلام العربية، وعرض هذا على إسرائيل السلام والتطبيع مع جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية البالغ عددها 22 مقابل إنهاء الاحتلال والسماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية، وكان في صميم المبادرة مفهوم مقايضة الأرض بالسلام.

ولكن، تجاهلت إسرائيل ببساطة عرض السلام العربي، وأظهرت بالأفعال -إن لم يكن دائمًا بالكلمات- أنها تقدر الأرض أكثر من السلام مع الفلسطينيين.

الضم المتمدد

استمر الضم الإسرائيلي الزاحف للضفة الغربية، في ظل حكومتي حزب "العمل" و"الليكود" منذ عام 1967، وتهدف المستعمرات اليهودية الآخذة في التوسع في الضفة الغربية إلى منع إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وقابلة للحياة.

ويعكس هذا تفضيلًا لا لبس فيه للاستيلاء على الأرض على صنع السلام.

لا يزال الحزب اليميني الحاكم "الليكود"، مكرسًا لفكر إسرائيل الكبرى، حيث يعتبر يهودا والسامرة (الأسماء التوراتية للضفة الغربية) أجزاء لا تتجزأ من الوطن التاريخي، ولم يعترف قط بحق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم على أي جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وشعار رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ليس "الأرض مقابل السلام" بل "السلام مقابل السلام".

احتفل "نتنياهو" بالهدية التي قدمها "ترامب" من خلال التأكيد على أن اللاءات الثلاثة للخرطوم قد انعكست؛ فالسودان يقول الآن نعم للاعتراف، ونعم للمفاوضات، ونعم للسلام مع إسرائيل.

يعلم "ترامب" و"نتنياهو" أن السلام مع إسرائيل لا يحظى بشعبية لدى شعب السودان كما هو الحال في جميع الدول العربية، لكن الرأي العام العربي والديمقراطية وحقوق الإنسان ليست على رأس قائمة أولوياتهم، هذا إذا كانت موجودة أصلًا.

تمثل الاتفاقات الثلاثة الأخيرة مجتمعة تراجعًا كبيرًا عن مبادرة السلام العربية، حيث تعرض التوافق العربي مع إسرائيل، دون الإصرار على الشرط المسبق القديم بإقامة دولة فلسطينية.

ما زالت السعودية مستمرة في الوقوف إلى جانب مبادرة السلام العربية، ولكن ربما يكون الأمر مسألة وقت فقط قبل أن تترجم تعاونها الاستخباراتي والأمني ​​الوثيق مع إسرائيل إلى علاقات دبلوماسية رسمية.

طعنة في الظهر

يسلط اتفاق السودان مع إسرائيل، الذي يأتي في أعقاب الاتفاقات الإماراتية والبحرينية، الضوء على تغيير أكبر بكثير في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط المضطرب وغير المستقر بشكل مزمن.

كما يشير إلى ابتعاد الدول العربية عن التزامها التقليدي تجاه أشقائها الفلسطينيين، لصالح الاندماج في المحور الأمريكي الإسرائيلي، الذي يتمثل هدفه الأساسي في احتواء إيران.

لهذا، لا عجب في أن المتحدث الفلسطيني ندد مرارا بالاتفاقات الثلاثة الأخيرة ووصفها بأنها طعنة في الظهر.

يصر الفلسطينيون على المطالبة بدولة مستقلة إلى جانب إسرائيل وعاصمتها القدس الشرقية، وحظي حل الدولتين هذا منذ التسعينات، بإجماع دولي هائل شمل حتى وقت قريب جميع الدول العربية.

أما الآن بعد أن تخلت إسرائيل والولايات المتحدة وعدد متزايد من الدول العربية عن حل الدولتين، ولم يعد لدى الفلسطينيين أي وسيلة لتحقيقه، فيجب إيجاد حل بديل لهذا الصراع.

أرى أن البديل الوحيد العادل لحل الدولتين الذي قتلته إسرائيل بسرقة الأراضي الفلسطينية هو دولة ديمقراطية واحدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط​، مع حقوق متساوية لجميع مواطنيها؛ بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق.

وعلى عكس حيل "ترامب" المسخرة لمصالحه الذاتية، فإن دولة ديمقراطية ثنائية القومية ستكون حلاً حقيقيًا ورؤية نبيلة.

المصدر | آفي شاليم | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع مع إسرائيل صفقة القرن العلاقات الإسرائيلية السودانية

تكتلان سودانيان بارزان ينضمان لرافضي التطبيع وتعديل وثيقة الدستور

رغم التطبيع.. الإمارات والبحرين والسودان تؤيد قرارا أمميا يغضب إسرائيل

السودان ينفي تلقيه طلبا بعبور طائرة تجارية إسرائيلية أجواءه

السودان ينفي علمه بأي زيارة إسرائيلية: لم يرتب معنا أحد

البرهان: التطبيع مع إسرائيل تصالح دولي.. ولا علاقة له بحق فلسطين (فيديو)

بعد تصريح البرهان عن زيارة إسرائيل.. السودان يتمسك بإقامة دولة فلسطينية