المصالح الاستراتيجية.. ماذا وراء التقارب الإماراتي المغربي؟

الاثنين 9 نوفمبر 2020 02:09 ص

سلطت التطورات الإقليمية المهمة في الأسابيع الأخيرة الضوء على علاقات المغرب الاقتصادية والسياسية القوية - والمتضاربة في بعض الأحيان - مع دول الخليج العربية.

ففي 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبحت الإمارات أول دولة عربية تعلن أنها ستفتح قنصلية في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، والتي تخضع بحكم الأمر الواقع لسيطرة المغرب.

ويعد هذا انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا للمغرب، فضلاً عن كونه علامة على توثيق العلاقات بين المغرب والإمارات.

وقبل أسبوعين، اتخذ المغرب خطوات تشير إلى دعم المقاطعة غير الرسمية التي تقودها السعودية للمنتجات التركية.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زادت الرباط الضرائب المفروضة على السلع التركية بنسبة تصل إلى 90%.

وجاءت هذه القيود الجديدة قبل أن يبدأ مجلس الوزراء المغربي في مراجعة اتفاقية التجارة الحرة المغربية التركية التي تم توقيعها في عام 2004 وبدأت رسميًا في عام 2006.

وفي حين حافظ المغرب على الحياد الرسمي في النزاع الخليجي وعلى علاقات اقتصادية قوية مع السعودية والإمارات وقطر، يبدو أنه أصبح ينحاز بشكل مباشر إلى المحور السعودي الإماراتي.

ومع ذلك، يجب فهم هذه التطورات المهمة في سياق المنافسة الإقليمية المتزايدة بين دول الخليج العربية، فضلاً عن التوترات التركية الفرنسية، والمصالح الاستراتيجية للمغرب.

كما يتوقع أن يصبح المغرب الدولة العربية التالية التي تتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد الإمارات والبحرين والسودان.

المصالح الاستراتيجية للمغرب

تعتبر الأولوية الأكثر إلحاحًا في السياسة الخارجية للرباط هي الحصول على اعتراف دولي أكبر بسيطرتها على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه.

وقد كانت المنطقة، المعروفة في المغرب بالمقاطعات الجنوبية، تحت السيطرة الإسبانية حتى عام 1974 وتم ضمها للمغرب عام 1975.

وأدى ذلك إلى نزاع مسلح استمر 16 عامًا بين الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو، وهي حركة مسلحة موجودة في الصحراء الغربية ومدعومة من الجزائر.

وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في عام 1991 مع التزام المغرب بإجراء استفتاء على الاستقلال (رغم أن ذلك لم يحدث أبدًا).

أعلنت البوليساريو تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في عام 1976، والتي لا تزال تعترف بها العديد من الدول والمؤسسات الإقليمية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي.

ومنذ ذلك الحين، انخرط المغرب وجبهة البوليساريو في معارك دبلوماسية وسياسية حول من يجب أن يحكم المنطقة المتنازع عليها.

ويصر المغرب على أن الصحراء الغربية تحت سيادته ويسعى إلى تجنب إجراء استفتاء على الاستقلال، بالرغم أن لديه خطة للحكم الذاتي كوسيلة للخروج من الصراع. 

وهذا هو السبب في أن خطة الإمارات لتصبح أول دولة عربية تفتح قنصلية في العيون، عاصمة المنطقة المتنازع عليها، هي انتصار كبير للمغرب، ما يساعد في إضفاء الشرعية على سيطرة الرباط على الإقليم.

وقد فتحت أكثر من 15 دولة أفريقية بالفعل قنصليات في الصحراء الغربية كجزء من بعثاتها الدبلوماسية لدى المملكة المغربية، في خطوة لإظهار دعمها لسيطرة البلاد على المنطقة المتنازع عليها.

وقد حدث الكثير من هذا بعد عودة المغرب للانضمام إلى الاتحاد الأفريقي في أوائل عام 2017، وشروع الملك "محمد السادس" في جولة دبلوماسية عبر القارة، حيث مارس علاقات دبلوماسية أقوى وقدم صفقات قوية للمساعدات والاستثمار والبنية التحتية.

وكانت الدوافع وراء ذلك هي ضمان دعم أفريقي أكبر لسيطرة المغرب على الصحراء الغربية وتعزيز الروابط الاقتصادية والدبلوماسية للمغرب مع بعض أكبر الاقتصادات الأفريقية، مثل نيجيريا.

ومن المحتمل أن يكون هناك عامل آخر وراء قرار الإمارات مرتبط بحملتها لتشجيع المزيد من الدول في المنطقة على الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وقد سعت إسرائيل للضغط على إدارة الرئيس "دونالد ترامب" للمصادقة رسميًا على سيادة المغرب على الصحراء الغربية في مقابل موافقة المغرب على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وقد أشارت تقارير من عام 2019 إلى أن وزير الخارجية المغربي ناقش التطبيع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ونفت الحكومة المغربية رسميا هذه اللقاءات، لا سيما رئيس الوزراء "سعد الدين العثماني"، من حزب "العدالة والتنمية"، الذي قال إنه يرفض "جميع أشكال التطبيع مع إسرائيل".

ومع ذلك، بعد فترة وجيزة استدرك "العثماني" قائلاً إنه كان يتحدث نيابة عن حزبه السياسي المرتبط بالإسلاميين وليس نيابة عن الحكومة.

ويشير هذا التغيير المفاجئ والواضح إلى أن رئيس الوزراء قد تعرض لضغوط من القصر الملكي من أجل ترك الباب مفتوحًا للتطبيع.

وحتى لو كانت الحكومة التي يقودها الإسلاميون، وربما المجتمع المغربي ككل، ضد التطبيع، فإن الملك "محمد السادس" ومستشاريه الرئيسيين لهم الكلمة الأخيرة في جميع القرارات السياسية الرئيسية.

ويبدو أن مصالح السياسة الخارجية للمغرب والإمارات تتقاطع بشكل متزايد.

وقد يعني ذلك استعداد المغرب لوضع نفسه بقوة أكبر مع المحور السعودي الإماراتي وإصلاح الحلقات السابقة من الخلافات الدبلوماسية بين المغرب والسعودية والإمارات.

وقد اندلعت التوترات في عدة مناسبات، خاصة أن المغرب قرر البقاء محايدًا في النزاع الخليجي، بل إنه أرسل طائرات محملة بالأغذية إلى قطر بعد بدء الحصار.

وحتى بعد قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية مع إيران في مايو/أيار 2018، صوتت تلك الدول الخليجية نفسها ضد محاولة المغرب استضافة كأس العالم 2026.

علاوة على ذلك، بعد مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول، لم يستضف المغرب ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في جولته في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عبر العالم العربي.

بعد ذلك، قرر المغرب وقف دعمه للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن مطلع عام 2019، بل ظهرت تقارير تفيد بأن المغرب استدعى سفيريه لدى السعودية والإمارات بعد أن بثت قناة العربية فيلمًا وثائقيًا ينتقد موقف المغرب من الصحراء الغربية.

ويعد ملفا الاستثمار والاستثمار الأجنبي المباشر عنصرين أساسيين في علاقة المغرب بدول الخليج العربية، حيث انخفض الاستثمار السعودي المباشر في المغرب منذ عام 2015، ما دفع بعض الخبراء إلى القول بأن عصر الشراكات الاستراتيجية بين المغرب وبعض دول الخليج العربية قد انتهى.

ومع ذلك، فإن هذا جزء من الاتجاه العام لتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب، خاصة من شركائه الأوروبيين الرئيسيين، بسبب الانكماش الاقتصادي وتغير الأولويات؛ حيث انخفض إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المغرب بنسبة 55% في عام 2019، بينما انخفض الاستثمار من الدول العربية على مدار 3 سنوات متتالية.

ومع ذلك، فإن الاستثناء المهم لهذا الاتجاه هو الاستثمار الأجنبي المباشر من الإمارات وقطر، والذي زاد بنسبة 9% في عام 2019، ولا تزال الإمارات المستثمر العربي الرائد في المغرب.

هل يمكن أن يضر التعاون الدبلوماسي والاقتصادي المتزايد مع الإمارات بعلاقات المغرب مع قطر وتركيا؟

تعد الإمارات العربية المتحدة هي الشريك الاستثماري الأول للمغرب من الخليج، لكن العلاقات الاقتصادية والأمنية مع قطر قوية أيضًا.

وسيحاول المغرب بلا شك السير على هذا الحبل المشدود لضمان استمرار التعاون مع جميع الأطراف.

لكن يمكن للإمارات استخدام دورها الإقليمي المتوسّع، ومواردها الاقتصادية الهائلة، لإقناع المغرب بميزة فوائد تحالف أقوى مع المحور السعودي الإماراتي على تحالف قطر وتركيا.

المقاطعة التركية مقابل المقاطعة الفرنسية

تشير مؤشرات أخرى أيضًا إلى أن المغرب يتأرجح نحو التحالف الإقليمي السعودي الإماراتي.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطوات المذكورة أعلاه تشير إلى أن المغرب انضم إلى المقاطعة غير الرسمية التي تقودها السعودية للبضائع التركية، والتي بدأت بعد تصاعد التوترات السعودية التركية في أعقاب مقتل "خاشقجي" في إسطنبول.

وفي الآونة الأخيرة، دعا رئيس الغرفة التجارية السعودية "عجلان العجلان"، إلى مقاطعة "كل شيء تركي"، بما في ذلك الواردات والاستثمار والسياحة، ردًا على "العداء المستمر للحكومة التركية".

وضربت المقاطعة غير الرسمية للمنتجات التركية ساحة الموضة العالمية أيضًا.

فقد ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن العلامات التجارية للأزياء مثل "مانجو" كانت تستكشف بدائل للموردين الأتراك بسبب "تباطؤ العمليات الجمركية للمنتجات ذات الأصل التركي في السعودية".

ومع ذلك يرى بعض المحللين أن قرار المغرب بإعادة تقييم اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا مستقل عن المقاطعة التي تقودها السعودية للبضائع التركية، بحجة أن الاختلالات التجارية بين المغرب وتركيا بحاجة إلى معالجة وأن الاتفاقية بحاجة إلى إعادة التفاوض، بغض النظر عن التوترات المتزايدة بين تركيا ودول الخليج العربية مثل السعودية والإمارات.

ويشير آخرون إلى أن توقيت إعادة التقييم هذا يعكس مخاوف متزايدة من بعض حلفاء المغرب الرئيسيين (فرنسا والولايات المتحدة والإمارات والسعودية) بشأن سياسات تركيا الخارجية في شرق البحر المتوسط ​​وليبيا، حيث أدى الخلاف الأخير بين الرئيسين التركي والفرنسي إلى تصعيد التوترات بين تركيا (وحلفائها الخليجيين مثل قطر) من جهة، وفرنسا (وحلفائها الخليجيين مثل الإمارات والسعودية) من جهة أخرى.

وقد دعا "أردوغان" إلى مقاطعة البضائع والشركات الفرنسية ردا على تصريحات "ماكرون" عن الإسلام ودفاعه عن الرسوم المسيئة للنبي "محمد" صلى الله عليه وسلم.

وكانت مقاطعة البضائع الفرنسية أكثر فاعلية في تركيا وقطر والأردن والكويت وعمان وإيران، وكانت الانتقادات من السعودية والإمارات خافتة بشكل ملحوظ.

وكانت الإمارات حذرة بشكل خاص في انتقاد الحكومة الفرنسية علنًا.

وأدانت السعودية ربط الإسلام بالإرهاب وترويج الرسوم الفرنسية المسيئة للرسول لكنها ابتعدت عن تبني دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

ومع ذلك، بدأت الدعوات لمقاطعة سلسلة "كارفور" الفرنسية تظهر بين السعوديين على "تويتر"، ما يعكس انفصالًا بين الرأي العام وسياسة الحكومة.

وكان هاشتاج #boycottFrenchproducts رائجًا مؤخرًا عبر حسابات "تويتر" المغربية ردًا على تصريحات "ماكرون".

وأدانت الحكومة المغربية نشر الرسوم المسيئة وكذا كل أعمال العنف التي تُرتكب باسم الإسلام.

وحتى لو كانت المقاطعة شائعة بين البعض، فإن فرنسا هي الشريك الاقتصادي والتجاري الأهم للمغرب، ومن المحتمل ألا يستطيع المغرب دعم دعوات المقاطعة اقتصاديًا أو سياسيًا.

تحوّل في شراكات المغرب الخليجية؟

في حين أنه من الصعب تحديد إلى أي مدى تعكس هذه التطورات تحولًا جوهريًا في سياسات المغرب تجاه حلفائه العرب الخليجيين، فإن تحرك الإمارات لتصبح أول دولة عربية تفتح قنصلية في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها كان بمثابة خطوة مهمة جدا.

وتشير إلى أن المغرب ربما يميل نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو أمر من شأنه بالتأكيد أن يعزز تحالفه مع الإماراتيين ويحقق فوائد اقتصادية كبيرة في شكل مساعدات واستثمارات، فضلاً عن دعم دبلوماسي أكبر محتمل من دول أخرى.

أخيرًا، قد تؤدي التوترات الاقتصادية والدبلوماسية بين المغرب وتركيا إلى تسريع هذا التحول، نظرًا لتزايد المنافسة بين تركيا وفرنسا.

وهذا يضع المغرب في موقف صعب، بالنظر إلى الأهمية الكبيرة لفرنسا باعتبارها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب.

وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منطقة مترابطة بشكل كبير، حيث تلقي القرارات السياسية التي تنفذها قوى مثل المغرب الضوء على عمليات إعادة التوازنات الإقليمية الأوسع وتداعياتها الاستراتيجية.

المصدر | آنا ل.جاكوبس | معهد دول الخليج العربية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الخليجية المغربية المقاطعة المغربية للبضائع التركية تطبيع المغرب مع إسرائيل

الإمارات تجدد دعمها لسيادة المغرب على الصحراء الغربية

استثمار الإمارات في المغرب.. تنويع للاقتصاد وتعزيز للنفوذ