هل تستطيع الدول العربية إدانة كراهية فرنسا للإسلام دون نفاق؟

الأربعاء 11 نوفمبر 2020 08:11 ص

في محاولة لكسب نقاط في التحدي المتمثل في صعود اليمين المتطرف، وتحويل الانتباه بعيدا عن التعامل الكارثي من قبل حكومته مع وباء "كوفيد-19"، وإشباع رغبة الجمهور في الانتقام في أعقاب قتل المدرس بطل واقعة الرسوم المسيئة للنبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، صدم الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الجماهير العالمية بشن حملة قمع واضحة للغاية ضد الإسلام والمسلمين في البلاد البالغ عددهم 6 ملايين.

وفي الأسابيع الأخيرة، قال "ماكرون" إن "الإسلام دين يعاني أزمة في جميع أنحاء العالم"، مرددا نفس الاستعارات المعادية للإسلام التي اتسمت بها دوائر اليمين المتطرف على مدار العقدين الماضيين.

وبينما اتهم الأقلية المسلمة في البلاد بالانخراط في مناهضة القومية والتطرف والانفصالية، كشف النقاب عن خطته لتنظيم ممارسة الإسلام في فرنسا، وهي خطة تتضمن قمع التأثيرات الأجنبية في المجتمعات المسلمة، ومراقبة الحكومة للمساجد، وحظر المدارس الإسلامية.

وشجع "ماكرون"، بل وتعهد، بحماية أولئك الذين يرسمون ويظهرون علانية صورا عنصرية ومعادية لنبي الإسلام "محمد" صلى الله عليه وسلم.

وعلى نحو متوقع ومبرر، أثار "ماكرون" الإدانة من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان وناشطي الحقوق المدنية والعالم الإسلامي بأسره، حيث حث الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" نظيره الفرنسي على السعي للحصول على "علاج نفسي".

ووصفت منظمة التعاون الإسلامي، التي تقودها السعودية، كلمات "ماكرون" وأفعاله بأنها "ضارة بالعلاقات الإسلامية الفرنسية"، وأنها شكل من أشكال "الترويج للكراهية" الذي يخدم فقط "المصالح السياسية الحزبية".

ودعت المنظمات والشركات التجارية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما وراءه إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، وتعهدت بملء أرفف المتاجر ببدائل غير فرنسية، وانتشر وسم #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر" و"إنستجرام" و"فيسبوك".

ويوجد ما يكفي من النفاق والمعايير المزدوجة الصارخة في هذه الحلقة بأكملها، بدءا من تجاهل "ماكرون" لحياة المسلمين التي اغتالتها فرنسا بغاراتها الجوية في ليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، وانتهاء بدعم الخليج العربي المتواطئ للحملات الحكومية والإجراءات القمعية ضد المسلمين في فلسطين والصين وكشمير.

على سبيل المثال، أدانت السعودية فرنسا و"ماكرون" بشكل غير مباشر مع رفض الرسوم الكاريكاتورية التي تسخر من رسول الإسلام والجهود المبذولة لربط الإسلام بالإرهاب.

لكن، هذه هي السعودية نفسها التي شاركت في توقيع رسالة مع 36 دولة أخرى معظمها من الشرق الأوسط وأفريقيا لدعم جهود الصين لتصوير 15 مليون مسلم من الإيجور كإرهابيين بشكل استباقي، حيث أثنت الرسالة على "إجراءات الصين لمكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف".

وشاركت حكومات الإمارات والبحرين والكويت ومصر وعُمان وسوريا والعراق والسودان في التوقيع على الرسالة، التي تشيد بشكل أساسي بالصين لاحتجازها ملايين الإيجور المسلمين الأبرياء في شبكتها من معسكرات الاعتقال في جميع أنحاء إقليم "شينجيانج".

وشهدت المنطقة منذ ذلك الحين اختفاء ما يصل إلى 80% من سكان الإيجور في الأعوام الـ5 الماضية في بعض مدنها وقراها، وفقا لبحث أجرته مؤسسة "جيمستاون".

وللتوضيح، عندما تشيد الحكومات العربية الأفريقية بشبكة معسكرات الاعتقال الصينية، فإن ما يشيدون به هو الاحتجاز غير القانوني لما يزيد على 5 ملايين مسلم يتعرضون للتعذيب والاغتصاب الجماعي وغسيل المخ وبرامج التعقيم والانفصال الأسري والعمل القسري، فضلا عن برامج سرقة الأعضاء، والاختبار القسري للقاحات "كوفيد-19"، واختبار الأسلحة البيولوجية، والإعدام الفوري، وكل ذلك تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الإسلامي والانفصالية، وهي نفس الحجة التي طرحها الرئيس الفرنسي.

وإذا لم يكن هذا مثالا للجبن الأخلاقي والتناقض والنفاق، فأي شيء آخر سيكون؟

ودعونا أيضا نضع في اعتبارنا حقيقة أن هذه الدول هي نفسها التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل لا شيء يحل محنة ملايين الفلسطينيين الذين يتم سحقهم تحت وطأة الاحتلال العسكري الإسرائيلي غير القانوني المستمر منذ 53 عاما.

فكيف يمكن لأي شخص يتمتع بضمير حي أن يدين عداء فرنسا للإسلام والمسلمين بينما يعطي في الوقت نفسه موافقة ضمنية على هذا النوع من القسوة والإذلال الشرير الذي تمارسه إسرائيل على السكان المسلمين في الغالب في الضفة الغربية المحتلة وغزة والقدس الشرقية؟

وكذلك قدمت العديد من هذه الدول ذات الأغلبية المسلمة، ولا سيما السعودية والإمارات، الدعم للحكومة الهندية برئاسة "ناريندرا مودي" وأجندتها القومية الهندوسية المتطرفة، وأعلنت حكومة "مودي" هدفها في تخليص البلاد من الأقلية المسلمة، ووصفتهم بـ"الغزاة" و"الآفات" و"الإرهابيين"، وبالتالي جعلت 200 مليون مسلم هندي على "شفا الإبادة الجماعية"، وفقا للعديد من ناشطي حقوق الإنسان.

وأعربت أنظمة الخليج العربي هذه عن دعمها لإلغاء الهند للمادتين 370 و35 أ في كشمير التي تحتلها الهند، حيث زعمت الإمارات بشكل سخيف أن هذه الخطوة "ستحسن العدالة الاجتماعية والأمن وستزيد من الاستقرار والسلام".

وبالمثل، قللت السعودية من شأن انتهاكات حقوق الإنسان في الهند باعتبارها "قضية داخلية"، في حين كان تجريد نيودلهي للأراضي المتنازع عليها من وضعها شبه المستقل بمثابة بداية للمشروع الهندوسي الاستيطاني الاستعماري بشكل يشبه استعمار إسرائيل للضفة الغربية.

ولا ننسى حقيقة أن السعودية والإمارات أصبحتا من أهم مصادر الإسلاموفوبيا العالمية في أعقاب الربيع العربي، حيث تمول كل من الحكومتين الجماعات والأفراد اليمينية المتطرفة في أوروبا، بما في ذلك حزب الشعب الدنماركي والحزب الاتحادي الديمقراطي في أيرلندا الشمالية والديمقراطيون السويديون.

وفي عام 2017، نشر موقع "ذا إنترسبت" رسائل بريد إلكتروني مسربة للسفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة "يوسف العتيبة"، يصف فيها أيديولوجية الإسلام السياسي بأنها "مشكلة يجب التعامل معها".

وفي النهاية، يحتاج عداء الحكومة الفرنسية للإسلام والمسلمين إدانة عالمية، ولكن للأسف قلة قليلة من الدول ذات الأغلبية المسلمة يمكنها فعل ذلك دون نفاق.

المصدر | سي جيه وورلمان | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كشمير الهندية إيمانويل ماكرون الرسوم المسيئة النفاق العربي الإيجور

الإمارات أحبطت محاولة باكستانية لإدانة سلوك الهند بكشمير

وول ستريت: بن سلمان باع الإيغور وأمريكا معا لإرضاء الصين