بين معبري رفح ورأس جدير: مصر تضيع فرصها في حرب غزة

الجمعة 8 أغسطس 2014 05:08 ص

مهند صبري - المونيتور 

في أول أيام  هذا الشهر (أغسطس/آب)، قررت القاهرة إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة بينما دكت قوات الطيران والبحرية والمدفعية الإسرائيلية مدينة رفح الفلسطينية على بعد مئات الأمتار رداً على عملية خطف (مزعومة إسرائيليا) أخرى قام بها مقاتلو المقاومة الفلسطينية. كان من بين العالقين تحت القصف مصريون وأجانب و فلسطينيون ضحايا للقصف الاسرائيلي اللا إنساني.

في نفس اليوم لكن على بعد آلاف الأميال للغرب, لم تقرر تونس فقط إغلاق معبر راس اجدير الحدودي في وجه آلاف المصريين، وجنسيات أخرى, أتوا فارين من النزاع الدموي في ليبيا, لكن السلطات التونسية واجهتهم بالغاز المسيل للدموع والطلقات التحذيرية. قتل عدد من المصريين وقتها من التدافع والطلقات الليبية الطائشة على خط الحدود.

وأخيراً, قررت القاهرة فتح معبر رفح وإجلاء بعض العالقين بينما تعاونت السلطات التونسية مع المصرية لتجهيز خط إجلاء للرعايا من مطار جربا, لكنها لم تسمح لهم بدخول البلاد فعليا.

التشابه بين المشهدين كان مذهلا. بغض النظر عن الأسماء والإحداثيات, ضم المشهدان ببساطة نقطة عبور ومدنيين أبرياء عالقون على الجانب المميت بينما ينظر لهم نظام حاكم وقادر من الجانب الآمن نسبيا, بإبتسامة ماكرة وعدد من أوراق اللعب السياسية.

فعلاً, من زرع الشوك لم ولن يحصد الورد, وفي هذه الحالة, كان الحصاد في نفس اللحظة تقريباً.

تفهم الكثيرون كلا الموقفين المصري-الغزاوي والتونسي-المصري على أنهما مرحلة أخرى من التراجع والأنعزال السياسي لمصر منذ بدأت الحرب على قطاع غزة. لكن الخسائر الكلية لهذه الحرب -- الدائرة حاليا على حدود مصر الشرقية والتي تحطم نوافذ سكان سيناء المصريين – ستتعدى السياسة بكثير.

حسن نافعة, بروفيسور العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمعروف بمواقفه السياسة الصريحة, قال في تصريحاته للمونيتور "أن التعاطي المصري مع الحرب في غزة لم يكن على مستوى توقعات المصريين أو المنطقة."

"الحرب الدائرة داخليا مع جماعة الإخوان المسلمين واعتبار النظام المصري هذه الحرب فرصة لإضعاف حركة حماس, كانا من أسباب إضعاف الرؤية المصرية وردة الفعل. وبالرغم من أن مصر هي الوسيط الوحيد وصاحبة المبادرة الوحيدة, إلا انها تقف بشكل محايد بين الضحايا الفلسطينيين والمعتدي الإسرائيلي."

أضاف نافعة "أن مصر تواجه تحديات هامة على المستويات السياسية والأمنية والإقتصادية, لكن تعاطيها الضعيف سيؤثر سلباً على وضعها الإقليمي."

وبجانب الإضرار بوضعها الإقليمي الغير مستقر حاليا, ستواجه مصر نتائج خطيرة للدمار والأزمة الإنسانية المحتدمة في قطاع غزة.

فمنذ انسحاب آرييل شارون من غزة عام 2005 ومصر تدفع ثمناً غالياً للحصار الإسرائيلي الخانق والحروب المتعددة على القطاع. وحتى عام 2013, أصبحت غزة وسكانها المليون وسبعمائة ألف معتمدون على شبه جزيرة سيناء وشبكات التهريب الممتدة حولها, وهي مصدرهم الوحيد للحياة ونافذتهم الوحيدة على العالم. ولكن منذ أن قضت العملية العسكرية في شبه الجزيرة على غالبية أنفاق التهريب الحدودية وخنقت طرق التهريب عبر شبه الجزيرة, إستنفذت غزة وبسرعة مخزونها الاستراتيجي من الوقود ومواد البناء والمستلزمات الطبية والسلع الإستهلاكية, هذا المخزون الذي استطاعت غزة جمعه فقط بسبب انفجار أعمال التهريب بشكل غير مسبوق بعد ثورة يناير 2011.

قضت الحرب الدائرة حاليا على البقية الضئيلة من هذا المخزون بجانب جزء كبير من سلاح وعتاد المقاومة – والتي لم يمكن تعويضها بعد العملية العسكرية الغليظة في سيناء -- وبناء على توقيت إنتهاء الحرب, سيتحول قطاع غزة بعد ضرب محطة كهربائه الوحيدة إلى ساحة دمار كبيرة ومظلمة في أمس الحاجة إلى عمليات إغاثة واعادة إعمار تقدر بمليارات الدولارات.

حاليا, المصادر الوحيدة لهذه الموارد هي إسرائيل: قوة عسكرية غاشمة تهدف إلى تحويل قطاع غزة لساحة بلا حياة, ومصر: جارة غاضبة تصفي حسابات سياسية بشكل يفتقر للذكاء على حساب أزمات إنسانية وأقتصادية وأمنية قادمة لا محالة, وكالعادة ستدفع مصر نصيب الأسد من فاتورتها الباهظة.

لكن الحقيقة المفزعة هي أن النظام المصري يتعامل مع هذه الفوضى وكأنها غير مسبوقة, وكأن هذا النظام لم يخطو عبر هذه الأزمة إسرائيلية الصنع مرات عديدة من قبل. من الواضح أن يناير 2008 كان الدرس الذي لم يفهم منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة عبوراً على جثث رجال السلطة الفلسطينية الذين لم يحظوا بشعبية هم أيضاً.

بعد ستة أشهر من إحكام إسرائيل حصارها على غزة في يونية 2007 وبعد أن تبعتها مصر بإغلاق معبر رفح كلياً, قام عدد من المسلحين بتفجير السياج الحدودي, ما دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين المحبطين أن يعبروا إلى الداخل المصري طلباً لكل مستلزمات الحياة. في هذا الوقت, كانت غزة تعاني أزمة إقتصادية شديدة أدت حرفياً لتشغيل السيارات بخليط محلي من زيت الطعام والأسيتون ورفعت أسعار الحمير والخيول التي باتت وسيلة تنقلات أكثر فاعلية من سيارات بلا وقود.

في ظل هذه الأزمة, قام حسني مبارك ورئيس المخابرات وقتها الراحل عمر سليمان -- ورجاله المتقاعدين حاليا والذين سيطروا آنذلك وحدهم فقط على الملفات الفلسطينية والإسرائيلية داخل أروقة الحكومة المصرية – بإدارة إحترافية لأزمة كان من الممكن أن تتحول لحمام دماء على الأراضي المصرية, وفي خلال أسابيع, عاد الفلسطينيون إلى القطاع وأعيد بناء السياج الحدودي.

"لكي نتجنب إعادة هذه الأزمة, يجب على مصر والعالم أن يضغطوا لرفع الحصار عن قطاع غزة," قال حسن نافعة الذي يوافق على أن الدور المصري في هذه الحرب "ليس فقط لمساعدة أشقائنا الفلسطينيين, ولكن لتمرير حلول طويلة المدى لأزمات إقليمية."

ولكن ماذا ستفعل مصر في حال الفشل في تجنب إعادة هذا المشهد المؤسف؟ هل ستستمع لإعلامها المروج للكراهية وتقتل أفواج الفلسطينيين المحبطين والجوعى؟ حتى لو كانوا مخترقين للحدود المصرية بشكل غير قانوني. أنا شخصيا لا أعتقد أن النظام المصري سيقدم على هذا النوع من الإنتحار السياسي, لكني أيضا لا أعتقد أن الأزمة ستدار بنفس السلمية والذكاء الذي تحلى به مبارك وسليمان وقتيا في 2008.

يعتقد نافعة "أنه بالرغم من خطاب الكراهية الذي يروجه الإعلام ضد حركة حماس إلا ان الشعب المصري والنخب السياسية تعي جيدا مقدار المسؤولية المصرية تجاه غزة التي تعد ملف أمن وطني من الدرجة الأولى."

"يجب على النظام المصري أن يعي نجاح المقاومة الذي يستحيل إنكاره والذي فتح فرصاً جديدة. يجب أن يكون النظام أكثر ذكاء على المستوى السياسي وأن يفتح معبر رفح ويضغط على إسرائيل بقوة لفتح حدودها ورفع الحصار عن القطاع."

كان اللعب السياسي المصري مع قطاع غزة شديد المكر منذ أن سيطرت عليه حركة حماس في 2007, وبالرغم من بعض الأمور غير المستتبة, إلا ان الأمر ظل تحت السيطرة حتى عام 2013 حين قرر صناع القرار العسكريين في مصر أن حماس وجماعتها الأم, الإخوان المسلمين, لم يعودوا لاعبين مقبولين في هذا السياق السياسي.

وبناء على ما سبق, يجب أن تعي مصر جيداً أن هذه الحرب الدائرة أظهرت لحركة حماس ولمصر وللعالم أن حركة حماس لم تعد هي الصوت الأوحد في قطاع غزة, بينما هي الآن صوت واحد بين مجموعة من الأصوات القوية والرائجة والفاعلة أيضاً.

"الوحدة التي أقامتها هذه الحرب بين الفصائل الفلسطينية المتعددة, بما في ذلك السلطة الفلسطينية في رام الله, تعد نجاحاً كبيراً يجب دعمه والبناء عليه," أضاف نافعة.

وللمرة الأولى منذ عقد تقريباً, ضمت البعثة الفلسطينية للقاهرة, والتي تستمر إسرائيل في مقاطعتها, ما هو أكثر من حماس والسلطة الفلسطينية اللتان لم تتشاركا غرفة إجتماعات واحدة منذ أكثر من عام.

ولكن يبقى السؤال: هل ستتعامل مصر مع هذه الحرب بذكاء ما قبل 2013؟ أم أنها ستضيع فرص الحرب من أجل خلافها مع حركة حماس المختئة حاليا تحت الأرض؟

  كلمات مفتاحية

الاحتلال يسمح بدخول 700 شاحنة مساعدات قطرية إلي قطاع غزة

«نبيل العربي»: موقف مصر من حرب غزة مخز ويرقى لجرائم حرب