استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

هل هناك فلسفة للتاريخ؟

الأحد 27 سبتمبر 2015 05:09 ص

إذا كانت أقسام الحكمة النظرية عند ابن سينا ثلاثة: المنطق والطبيعيات والإلهيات، وكانت أقسام الحكمة العملية ثلاثة أيضاً: الأخلاق والسياسة وتدبير المنزل، فأين فلسفة التاريخ؟ ربما غابت فلسفة التاريخ من علوم الحكمة، لأن المنطق صوري خالص لا شأن له بالتاريخ باستثناء المتواترات كأحد مصادر العلم مثل الحسيات والمجرَيات والبديهيات، والتواتر أي تاريخ الرواية ونقلها عبر الأجيال. فالتاريخ هنا هو نقل المتن عبر السند، والقول شفاهاً عبر الرواة. وهو مستمد من علم الحديث.

وفي الحكمة العملية تبدأ فلسفة التاريخ في الظهور من الأخلاق، الممارسات التاريخية، الكونية والشعوبية والاجتماعية، ثم صراع الضرورة التاريخية والحرية. صحيح أن الحكمة العملية القديمة ثلاثة أقسام: الأخلاق والسياسة وتدبير المنزل، إلا أنه يمكن تطوير تدبير المنزل أي الاقتصاد إلى تاريخ عن طريق التاريخ السياسي والتاريخ الاقتصادي.

ثم يظهر ابن خلدون متفردا في «المقدمة» لتأسيس فلسفة للعمران أقرب إلى فلسفة التاريخ بعد نقده لمناهج الرواية وأغلاط المؤرخين في التاريخ القديم اعتماده على التجارب والمشاهدات. وابن خلدون مؤرخ استطاع أن يكتب مقدمة في فلسفة التاريخ، قبل أن يكتب «كتاب العبر»، وليس حكيماً بالمعنى الفلسفي. بل إنه معاد للحكمة في كتبه عن «في إبطال الفلسفة وفساد منتحليها». وهنا السؤال: لماذا غابت فلسفة التاريخ كقسم مستقل في علوم الحكمة؟ ربما يرجع ذلك لأسباب عدة أهمها:

1- التصور العام للكون في علوم الحكمة الأولوية فيه لواجب الوجود، وهو تصور بعض المتكلمين لنظرية الذات والصفات والأفعال. هو تصور هرمي للعالم. وفي هذا التصور يغيب التاريخ الطبيعي والتاريخ الإنساني معاً. وكان يمكن لأصحاب الطبائع الذين يقولون بالطفرة والكمون والتوليد إنتاج تاريخ طبيعي ولكنهم ضاعوا في زحمة الفرق. فهم فرقة من فرقة الاعتزال والفرقة نفسها مستبعدة ومهمشة، ولم تبق في التاريخ.

2- تصور العلاقة بين طرفين في محور رأسي وليس في محور أفقي، بين الأعلى والأدنى وليس بين الأمام والخلف يجعل الحركة رأسية نازلة وصاعدة، بين الذهاب والإياب. ويصبح التاريخ، ومراتب الموجودات، ومقامات الارتقاء خارج التاريخ، منعرجاً إلى أعلى وليس متجهاً إلى الأمام. لا يوجد زمان ولا مكان ولا بشر ولا دول ولا صراع ولا إرادات جماعية أو فردية حتى ينشأ التاريخ.

3- الفلسفة الخالدة في عقل الفيلسوف، وتحويل العالم إلى مثل أعلى، والمجتمع إلى مدينة فاضلة، جعل الفكر خارج التاريخ من وضع الذهن، حقيقة مطلقة خارج العالم، خلود بلا زمان. والتاريخ الإنساني لا ينشأ إلا في المكان والزمان ومع البشر والتدافع في الأرض. لا ينشأ التاريخ فيما ينبغي أن يكون بل فيما هو كائن، ليس بالفكر الطوباوي ولكن بالواقع المضني المعيش. والحقيقة تكتمل في ذهن الفيلسوف بمجرد تأملها ويتوقف التاريخ.

4- الحقيقة بنية وليست تاريخاً، اكتمال وليست تطوراً، معطاة مرة واحدة ولا تكتشف على مراحل وهذا يجعل الحقيقة بلا تاريخ، بلا زمان ولا مكان، بلا تفاعل ولا تضاد.

5- بداية كل فيلسوف من الصفر، من الألف إلى الياء، وصمته عن مصادره لم يحدث التراكم الفلسفي الكافي لخلق وعي تاريخي. فالكندي لا يشير إلى المترجمين، والفارابي لا يشير إلى السابقين عليه، وابن سينا يبدأ الفلسفة وينهيها ويكمل بنيتها، ويتم النسق. المنطق والطبيعيات ليسا لأحد، وللكل في الوقت نفسه.

6- كان بعض الفلاسفة مفكري بلاط، يفكرون للسلطان، ويعملون لحسابه. كان الكندي مؤدبا للمعتصم بالله، والفارابي زينة بلاط سيف الدولة، وابن سينا وزيراً في دولة بني بويه، وابن رشد طبيب المنصور. كانوا من النخبة وليسوا من عامة الشعب البسيطة.

7- غياب فلسفات للتاريخ في الحضارات المجاورة للعرب، يونانية ورومانية غرباً، وفارسية وهندية شرقاً، جعل التفاعل بين الوافد والموروث في حده الأدنى. صحيح أن أفلاطون كان لديه تصور للعالم، تكوينه وتطوره في محاورة «طيماوس» ولكنه كان تاريخاً أسطورياً، وكذلك أرسطو كان مؤرخاً أكثر منه فيلسوفاً للتاريخ، تكتمل الحقيقة في ذهنه. لم يحدث التحدي الثقافي الخارجي، المنبّه من الحضارات المجاورة حتى تنشأ عند العرب فلسفة للتاريخ تجمع بين الوافد والموروث كما حدث في المنطق والطبيعيات.

8- كانت روح العصر روح الانتصار، وكانت الجيوش فاتحة، والعمارة قائمة. كان التاريخ يصنع بالسواعد والعقول. كانت الحضارة في بدايتها تنشأ وتتكون وتصنع تاريخها. ولا تنشأ فلسفة التاريخ إلا بعد توقف الاندفاع الأول، وتأمّل الفيلسوف في مسار الحضارة، والتفكير في أسباب قيامها وسقوطها كما حدث عند ابن خلدون. ويمكن أن تنشأ الآن فلسفة للتاريخ وقد مرت سبعة قرون بعد ابن خلدون لطرح سؤال النهضة كما طرح هو في عصره سؤال الانهيار، خاصة بعد ظهور حضارات جديدة مجاورة مثل الحضارة الغربية، ومحاولة للإجابة على سؤال شكيب أرسلان: لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة - جامعة القاهرة

  كلمات مفتاحية

فلسفة التاريخ التاريخ الفلسفة الإسلام ابن سينا الحكمة العرب

نظرة في التاريخ العربي والإسلامي

المنهج التاريخي عند المستشرقين

التاريخ أيضا .. ضحية من ضحايا حرب اليمن !

الأزمة اليمنية وانتقام التاريخ

الرأسمالية والديمقراطية ليستا نهاية التاريخ

استدعاءات تاريخية لموازين قوى إقليمية متغيرة

معركة التأويل