الأزمة اليمنية وانتقام التاريخ

الثلاثاء 28 أبريل 2015 05:04 ص

في بداية تسعينيات القرن المنصرم، عرفت المنطقة العربية أحداثًا جسيمة، منها أحداث احتلال العراق للكويت وحرب «تحرير» الكويت التي شنت على العراق (ما سُمّي بحرب الخليج الثانية). وتنادت كل من الدول العربية المشاركة في الحرب لتحرير الكويت، لتفعيل منظومة الدفاع العربي، وكان أن تمّ «إعلان دمشق» في آذار 1991، ونصّت مضامينه على أن القوات المسلحة للدولتين المصرية والسورية، ضامنتان لأمن الخليج، كما نصّت بنوده على ضرورة تفعيل التعاون في المجالات كافة، خصوصًا الاقتصادية منها.

من المفترض أن هذا الإعلان شكّل مدخلاً تأسيسياً لتعاون عربي أوسع، إذ إنه ضمّ إلى جانب مصر وسوريا، الدول الخليجية الست. لقد كان الهدف من الإعلان تفعيل «ميثاق الدفاع العربي المشترك» الذي نصّت عليه قوانين جامعة الدول العربية. تلك الجامعة التي كان من الواجب إعادة النظر في مسارها وجمودها، وكانت الأزمة العراقية ـ الكويتية فرصة مناسبة للنظر في الواقع العربي، وإعطاء زخم لتفعيل خطط الدفاع العربي المشترك، بدلاً من الاعتماد على قوى خارجية، كما هو حاصل. 

لقد نصّ ذلك الإعلان الطموح على بناء نظام عربي أمني ـ سياسي ـ اقتصادي، يهدف إلى التعاون لترسيخ الأمنين السياسي والاقتصادي العربي، بخاصة أن أمن أي دولة عربية هو جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار كل الدول العربية من دون استثناء، فالأخطار المتوقعة تفترض أن يكون الأمن عربياً خالصاً، لكن الدول الخليجية الست نفضت أياديها من الاتفاق، ورأى بعض دولها أنه يمكن توسيع إطاره ليشمل دولاً إقليمية مثل إيران (اقتراح عمان)، في حين فضّل العاهل السعودي عقد معاهدات أمنية مع الدول الغربية، خصوصاً أمريكا، لحماية ما يعتبر أمناً عربياً، وليس أمناً خليجياً في ذاته.

اللافت للنظر آنذاك أن وزير الخارجية الإيراني رفض منح مصر وسوريا مسؤولية أمن الخليج، وفي حيثيات مبررات رفضه، أن مصر مشغولة بأزماتها ولاسيما الاقتصادية منها، بينما سوريا مشغولة بالأزمة اللبنانية. هذا الموقف كان مدعاة لردّ الأمين العام لجامعة الدول العربية «عمرو موسى» وزير خارجية مصر آنذاك، الذي قال: «إن الدور الإيراني ليس فوق مستوى النقد، ولا أريد أن أقول إنه ليس فوق مستوى الشبهات». لقد كانت إيران في تلك الفترة حاسمة في رفضها لنصوص ذلك الاتفاق، وبالتالي فقد كانت ضدّ تحميل مصر وسوريا أمن الخليج، معتبرة أن أمن الخليج هو من مسؤولية الدول المطلّة عليه. والمقصود كان أن أمن الخليج هو أمن إيراني حصرا. 

خلقت تلك التصريحات توتراً بين إيران من جهة، ومصر وسوريا من جهة أخرى. ويُلاحظ أن لا الجامعة العربية ولا إيران لديهما مشاريع للتعاون والشراكة الإقليمية. لذا، فقد خلقت مناخات لتوترات وخلافات لا مبرر لها، وهي توترات استعملت كذريعة للتخلي عن إعلان دمشق، وإلغاء ذلك الاتفاق، وتلا ذلك انسحاب القوات المصرية والسورية، وتخفيض المساعدات المالية التي وُعدت بها سوريا ومصر، من خمسة عشر مليار دولار إلى ثلاثة مليارات. واستبدلت الدول الخليجية صيغة الأمن العربي التي تنصّ عليها قوانين الجامعة العربية، باتفاقات أمنية مع أميركا والدول الغربية.

اليوم، يعيد التاريخ دورته. وعدم نجاح الدول العربية في تنفيذ هذا الاتفاق، إن دلّ على شيء، إنما يدل على ضعف ثقة هذه الدول بنفسها، وبالتالي بإرادتها العربية الذاتية.

هذا الاتفاق كان يمكن أن يشكل مدخلاً وفرصة متاحة لبناء أمن عربي مشترك، وتطوير تلك الصيغة باستمرار، كي تحقق وتمتحن الدول العربية إمكانياتها المادية التي تذهب لتعزيز الأمن الغربي، وهي الإمكانيات التي لا يستفيد منها العرب بالمطلق. 

إن التاريخ يكرّر نفسه، فلقد منع النظام الناصري في الستينيات من القرن المنصرم تدخل العراق «عبد الكريم قاسم» في الكويت، كما اتخذ الرئيس «عبدالناصر» موقفا شجاعا بمساعدته اليمنيين للتخلّص من أنظمة العصور الوسطى، بينما اتخذت السعودية ذاتها موقفاً داعماً للنظام الملكي اليمني، وغيره من الأنظمة الرجعية التي تدور في الفلك الغربي. 

إن الصراعات العربية ـ العربية اليوم، خصوصًا في اليمن، ما هي إلا نوع من انتقام التاريخ لمصلحة رؤية «عبدالناصر» واستشرافه لمستقبل العالم العربي، فقد رأى ضرورة التعاون بين المكوّنات العربية درءاً لكل عدوان قد يحصل عليها، بخاصة اعتداءات الكيان الصهيوني الذي كان يوليه أولوية في مواقفه وسياساته. 

كان ميثاق الأمن العربي الذي طمح ناصر إلى تحقيقه كفيلاً بتحقيق قوة ذاتية للعرب تستطيع الدفاع عن الوطن العربي من جهة، وتستطيع من جهة أخرى التعامل بشراكة ونديّة مع المحيط الإقليمي والدولي. 

فيما عملت السعودية على إجهاض مشاريع «عبد الناصر»، بل إنها أخذت تسعى إلى تحقيق قيادة سعودية للعالم العربي، وهذا ما لم يُتِحْه لها النظام الناصري في السابق. 

لقد عملت السعودية على ضرب الوحدة السورية ـ المصرية في الستينيات من القرن المنصرم، كما تمسّكَت بالنظام الملكي اليمني المكمّل لصورتها. هذه السياسات هي ذاتها ما تدفع ثمنها مجتمعاتنا العربية القلقة والمفككة والضعيفة. إن السؤال المطروح اليوم: هل السعودية تسعى إلى مشروع عربي مختلف عما مارسته في تاريخها القريب؟ 

إن تاريخ الناصرية الحاضر أبداً، ينتقم اليوم من الأنظمة التي لا تثق بشعوبها وأمنها.

 

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية الخليج تحرير الكويت إعلان دمشق مصر سوريا جمال عبدالناصر

الترابط بين اليمن وسائر الإقليم

اليمن وتناقضات السياسة الأميركية

اليمن: جزيرة العرب التي لم تعد سعيدة

«واشنطن بوست»: كيف ترسم الطائفية ملامح الحرب في اليمن؟

«واشنطن بوست»: الجذور العميقة لصراع السعودية في اليمن

الطريق الضيق للخروج من الحرب الأهلية أو الإقليمية في اليمن

غارات التحالف العربي تضرب مستودعات أسلحة باليمن

المآلات القلقة لمعركة لا تبدو سهلة أو قصيرة

الملك «سلمان» يأمر بتصحيح أوضاع اليمنيين المقيمين بطريقة غير نظامية

هل هناك فلسفة للتاريخ؟

مليون يمني استجاروا بالسعودية منذ الانقلاب الحوثي

الهلال الأحمر القطري يوفر مياه الشرب لـ3600 أسرة يمنية في الضالع