كيف استغلت الإمارات مخاوف الغرب من الإسلام لسحق المعارضة؟

الخميس 3 ديسمبر 2020 02:08 ص

أدى الارتفاع الأخير في الهجمات المسلحة في فرنسا والنمسا إلى زيادة تقبل الجماهير الأوروبية للإسلاموفوبيا.

وتحت شعار الدفاع عن الحريات المدنية، أعلن الليبراليون الحرب على ما أسموه بـ"الإسلاموية"، وهو مصطلح يشير في الأصل إلى النشاط الإسلامي غير العنيف، وقد تم خلطه الآن عمداً بتصنيف "الأصولية الإسلامية" و "الإرهاب".

البعبع الإسلاموي

تعرض الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لانتقادات على نطاق واسع بسبب لغته المثيرة للانقسام حول الإسلاموية، مستعيرًا سرديات استشراقية تحاول إخضاع الإسلام لشعور زائف بالتفوق المدني الفرنسي.

لكن العقول المدبرة التي صورت البعبع الإسلامي لم تكن عقولا غربية، لكنها عقول مستبدين يحكمون دولا عربية.

ويأتي في طليعة الحملة ضد "الإسلاموية" دولة الإمارات التي تغيب فيها الحريات المدنية، وتخضع فيها الدراسات الإسلامية لضغوط من أجل تبرير اضطهاد المجتمع المدني وحرية التعبير وأي شكل من أشكال النشاط السياسي.

وتطور مجلس الفتوى الإماراتي إلى أداة قوية لتنفيذ السياسات المحلية والتواصل الاستراتيجي دوليًا، حيث أصبح بقيادة "عبدالله بن بيه"، وسيلة بيد أبوظبي لإعادة تشكيل الخطاب الإسلامي على أساس رواية لا تتسامح إلا مع من يخضعون للطاعة السياسية للنظام، بالرغم من ترويج الإمارات لمفهوم "التسامح الديني".

وفي حين أن الترويج لـ"التسامح" أمر يستحق الثناء لمحاربة التطرف بجميع أشكاله، فإن المفهوم الإماراتي يظل فارغًا لأنه لا يسمح بأي خطاب منفتح حول دور الإسلام في السياسات الاجتماعية للقرن الحادي والعشرين.

أداة لقمع الدولة

بالرغم من رفض الإمارات لما تسميه "تسييس الدين"، فإن النسخة الإماراتية من الصوفية تعيد تسييس الدين ليس كأداة في المجال العام ولكن كأداة لقمع الدولة.

ويستند البيان الأخير الصادر عن مجلس الفتوى الإماراتي، والذي أعلن فيه أن "الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية، إلى مفهوم سياسي للغاية يتجلى في أبحاث "بن بيه" وأتباعه، وهو مفهوم "ولي الأمر"، أيّ فكرة طاعة الحاكم السياسي بشكل مطلق.

ويعتبر تفسير "بن بيه" لهذه الطاعة متطرفا في حد ذاته، حيث يضع المواطنين العاديين تحت الوصاية المطلقة للنخبة الحاكمة، حتى لو كانوا من الطغاة أو المستبدين. 

وعلى هذا النحو، أصبح هذا التفسير لولي الأمر الأساس الديني للثورة المضادة التي قادتها الإمارات عبر العالم العربي.

ويشوه هذا الأساس النشاط السياسي خارج سيطرة الدولة، ويقوض المجتمع المدني بكل شكل من الأشكال ويجرّم المعارضة والثورة. 

ويمكن القول إنه خلق فراغًا دينيًا في الإمارات يسمح بتأليه ولي العهد والحاكم الفعلي "محمد بن زايد".

وهكذا أصبحت "الإسلاموية" التي تضم تقليديًا الحركات الإسلامية ذات التوجه الديمقراطي، مثل جماعة "الإخوان المسلمون"، نقيضًا للتفسير الإماراتي لولي الأمر.

عدو السلطوية

ونتيجة موقف جماعة "الإخوان المسلمون" ضد الاضطهاد السياسي والظلم الاجتماعي والاستبداد، فقد أصبحت عدوًا للسلطوية في المنطقة.

ومع صعودها بعد الربيع العربي، وبتأييد غربي في كثير من الأحيان، تفاقم جنون الأنظمة الأمنية، على الأقل في الرياض وأبوظبي.

واستطاع مجلس الفتوى الذي تديره الدولة في الإمارات، دمج ما يبدو نقاشًا دينيًا حول القيم والفضائل الإسلامية مع سردية "التسامح" التي تعكسها الإمارات في الخارج، وتجد لها أرضًا خصبة بشكل متزايد في أوروبا والولايات المتحدة، حيث يتواجد الجمهور الذي تعرض لـ"البعبع" الإسلامي منذ عقدين.

وتمكنت أبوظبي من استغلال مخاوف المستشرقين في الغرب لوصم "الإسلاموية" على أنها تمثل الفكر المتطرف المنبثق عن الإسلام.

وبالتالي، أصبحت جماعة "الإخوان المسلمون" فزاعة واسعة النطاق يتم وصم طيف واسع بها ويشمل ذلك الناشطين الليبراليين من جهة وفرق الموت التابعة لتنظيم "الدولة" على الطرف الآخر.

استغلال المخاوف الغربية

كان دمج السرديات حول "الإسلاموية" مع "الإرهاب" جزءًا من التواصل الاستراتيجي للإمارات بأوروبا والولايات المتحدة، والذي يستغل المخاوف الغربية والبارانويا بعد 11 سبتمبر/أيلول ليس فقط لتبرير الاستبداد السياسي في الإمارات، بل لتبرير الاستبداد العنيف في ليبيا ومصر واليمن أيضًا.

وفي الغرب، تم الترويج لاستراتيجية الإمارات المناهضة للثورة على أنها حملة لمحاربة "الإرهاب"، وهي السردية التي ساعدت "ماكرون" في تبرير دعمه لـ"خليفة حفتر" في ليبيا، كما أنها تبرر قمع "السيسي" للمعارضة في مصر، وتوفر تبريراً لمعسكرات التعذيب التي أقامها الوكيل المحلي للإمارات في اليمن، "المجلس الانتقالي الجنوبي".

ومن ثم، فكما أن العديد من سرديات الإسلاموفوبيا الصادرة عن الجدل حول الحريات المدنية والإسلام في أوروبا، فإن "التسامح" الذي تنشره الإمارات في الداخل وفي جميع أنحاء المنطقة يثبت عدم التسامح تجاه المجتمع المدني والتعددية الدينية والسياسية.

ومع ذلك، فإن هناك خطرًا متزايدًا من أنه تحت الذريعة الزائفة للتسامح، لا تصبح الاستبدادية أقوى فحسب، بل تزدهر أيضًا الأيديولوجيات المتطرفة في ظل الحرمان من الحقوق والشيطنة والإقصاء.

المصدر | أندرياس كريج | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإسلاموفوبيا الإخوان المسلمين إيمانويل ماكرون محمد بن زايد

بعد فتحها للإسرائيليين.. الإمارات توقف تأشيرات مواطني 13 دولة معظمها عربية وإسلامية

قوانين الجرائم الإلكترونية وسيلة لإسكات المعارضين في مصر والسعودية والإمارات