بعد العقوبات الأمريكية.. مكاسب وخسائر الصناعة العسكرية التركية بالأرقام

الخميس 17 ديسمبر 2020 11:25 م

رأى مراقبون أن العقوبات التي فرضتها أمريكا على قطاع الصناعات الدفاعية التركية مؤخرا سيكون لها أضرار على القطاع، لكنها في الوقت نفسه ستجعله أمام تحد كبير لتطوير نفسه لكي يتغلب على تلك الخطوة، ويعتمد على نفسه بنسبة مئة بالمئة.

وعلى غرار ما ذهب إليه بعض المراقبين، خرجت تركيا الرسمية بتصريحات مفادها أن العقوبات لن يكون لها أثر يذكر على قطاع الصناعات الدفاعية، بل على العكس ستعطي فعلا عكسيا لتطوير الصناعات المحلية، للوصول إلى استقلاليتها بشكل كامل. 

ورغم أن الرواية الرسمية لتركيا تستند على إحصائيات لا يمكن نكرانها عن التقدم الكبير الذي شهده قطاعات الصناعات الدفاعية في البلاد، إلا أن هذا الأمر ليس كفيلا بإبعاد الضرر الذي ستحدثه عقوبات واشنطن، بحسب مراقبين.

وذهب البعض إلى أنه من بين الأضرار "رمزية العقوبات"، لاسيما أنها استهدفت قطاعا دفاعيا يتبع بشكل مباشر، وتسير أعماله تحت مظلة رئاسة الجمهورية التركية. 

من زوايا أخرى أيضا تُقرأ العقوبات، من الضرر الذي ستحدثه على الصناعات الدفاعية في تركيا، والتي باتت تشكّل حجر الزاوية في السياسة الخارجية للرئيس "رجب طيب أردوغان"، وأحد أبرز أوراق صعوده الإقليمي في المنطقة. 

والعقوبات الأمريكية التي تعد الأولى من نوعها بين البلدين منذ عام 1975، تشمل حظرا على جميع تراخيص وتصاريح التصدير الأمريكية، لصالح إدارة الصناعات الدفاعية.

وتقضي العقوبات أيضا بتجميد الأصول الخاصّة برئيس إدارة الصناعات الدفاعية "إسماعيل دمير"، ومسؤولين آخرين فيها، وفرض قيود التأشيرة عليهم. 

ولكن يقلل من خطورة هذا العقوبات أن مشاريع الدفاع التركية تنفذ عبر شركات لم تطل العقوبات أيا منها، كما أن العقوبات "لن تؤثر على الاتفاقيات الموقعة قبل تاريخ صدورها"، وفق "دمير".

الصناعة العسكرية التركية بالأرقام  

على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، خفضت تركيا بشكل كبير إنفاقها على واردات الأسلحة، حيث انتقلت من ثالث أكبر مستورد في العالم في الإطار الزمني 1995-1999 إلى المرتبة 15 في الإطار الزمني ما بين 2015-2019، وفقا لمعهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI).

الصناعات الدفاعية التركية كانت قد نمت بشكل كبير، خلال العقد المنصرم، حيث ازداد حجم صناعة الأسلحة التركية من مليار دولار عام 2002 إلى 11 مليار دولار عام 2020، لتفوق قيمة الصادرات 3 مليارات دولار، ما جعل تركيا تحتل المرتبة الرابعة عشرة عالميا في حجم الصادرات الدفاعية.

واستطاعت تركيا تحقيق طفرة في بعض الصناعات العسكرية المحلية وعلى رأسها الطائرات المسيرة.

لكن النشاط المتزايد للصناعات الدفاعية، والذي نما منذ وصول "حزب العدالة والتنمية" إلى الحكم في عام 2002 كان أمامه عوائق عدة، أولها سلاح العقوبات الذي لم يتوقف الأمريكيون والأوروبيون عن التلويح به في مختلف الظروف.

عدا عن ذلك كان هناك تحديات أخرى تتعلق بصلب الصناعة الدفاعية التركية ذاتها، واعتمادها على التعاون الدولي في البحث والتطوير والتصميم المهمين في بعض من مئات مشاريع الأسلحة.

وحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2017، فقد سمحت الولايات المتحدة بأكثر من 587 مليون دولار من مبيعات تجارية مباشرة DCS لتركيا، وشحنت معدات تزيد قيمتها عن 106 ملايين دولار. 

في العام التالي (2018)، وافقت الولايات المتحدة على أكثر من 600 مليون دولار وشحنت 136 مليون دولار من الأسلحة، بينما وفي عام 2019 تم الترخيص بأكثر من 615 مليون دولار، وشحن أكثر من 66 مليون دولار.

ومن الأرقام السابقة التي تم تسجيلها في السنوات الثلاث الماضية تقود جميع التحليلات إلى أن العقوبات من المحتمل أن تؤثر على العقود المبرمة بين واشنطن وإدارة الصناعات الدفاعية التركية، والتي تتراوح قيمتها ما بين 1.5 مليار دولار و2.3 مليار دولار، في نسبة تقدر بـ5% من التجارة الأمريكية- التركية. 

من جانبه، قال محلل صناعة الدفاع التركي، "يوسف أكبابا"، إن آثار العقوبات الأمريكية على الصناعات الدفاعية ستكون "معتدلة"، موضحا: "من الوهم القول إنها لا تؤثر بشكل كامل".

ولن يشمل التأثير جميع قطاعات الصناعات الدفاعية، بل سيشمل البعض منها فقط، حسب محلل صناعة الدفاع، الذي يشير إلى أن قطاع الطيران سيتأثر بشكل أكبر من المجالات الأخرى. 

ويتابع "أكبابا"، المقيم في أنقرة في تصريحات لموقع فضائية "الحرة": "لكن تأثيراتها في مجال الطائرات بدون طيار ستكون منخفضة للغاية، مع العلم أن هناك نسبة عالية من الطائرات بدون طيار في تركيا".

ورغم أن رئيس صناعة الدفاعات التركية، "إسماعيل دمير" قال إن العقوبات لن تؤثر على الاتفاقيات الموقعة قبل تاريخ صدور العقوبات، لكن هذه النقطة تتعلق بالمسار الزمني للعقوبات ومدتها، إلى جانب كيفية التعاطي معها من جانب إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، "جو بايدن".

وحسب ما ذكرت وسائل إعلام أمريكية، فإن بعض مسؤولي الصناعة في أمريكا يشعرون بالقلق من أنه إذا امتد التعليق إلى ما بعد عام 2021، فقد تتضاءل العلاقة بين مقاولي الدفاع الأمريكيين والأتراك مع انتهاء العقود القديمة، الأمر الذي سيعود بالضرر على كلا الطرفين، وليس فقط على تركيا. 

وخلال حديثه أشار محلل صناعة الدفاع إلى أن أنقرة كانت تستعد إلى هذا العقاب، منذ عام 2017، وتتوفر لديها الخطط" A و B و C"، متحفظا عن ذكرها. 

أين المشكلة؟ 

من المحتمل أن تتعرض أنقرة لأضرار حقيقية من عمليات حظر تراخيص التصدير، الأمر الذي سينعكس على الطرف الثالث، وسيدفعه للتردد والخوف في التعامل مع كيان خاضع للعقوبات. 

وهناك صفقتين مهمتين بين أمريكا وتركيا قد تشملهما العقوبات، الأول هو عقد متابعة للترقيات الهيكلية لطائرات "F-16"، إلى جانب عقد تراخيص التصدير لمحركات أمريكية الصنع تحتاجها تركيا لإتمام صفقة بيع مروحيات هجومية لباكستان بقيمة 1.5 مليار دولار. 

وهناك عقد موقع بين تركيا وباكستان، يقضي بتزويد الأخيرة بـ 30 مروحية هجومية من نوع "أتاك T129"، في صفقة تصدير هي الأكبر من نوعها بمجال الصناعات الدفاعية، أعلنت عنها أنقرة في يوليو/تموز من عام 2018. 

الصفقة بين إسلام أباد وأنقرة باتت مهددة، إثر العقوبات الأمريكية المفروضة، كون الشركة التركية المصنعة للمروحيات الهجومية تحتاج إلى تأمين تراخيص تصدير أمريكية لأي صفقة تصدير مع دولة ثالثة، وهذا يعود إلى أن محركات المروحية الهجومية تعود إلى مشروع مشترك بين شركتين الأولى أمريكية والأخرى بريطانية. 

وفي حال توجه تركيا إلى تصنيع محرك جديد كحل بديل عن المحركات الأمريكية، وهو أمر كان قد ألمح إليه "دمير" في وقت سابق من العام الماضي، إلا أن مصادر على اطلاع بواقع الصناعة الدفاعية أشارت إلى أن المحاولة التركية وفي حال نجاحها ستحتاج إلى وقت يستغرق بين خمس إلى عشر سنوات. 

وبلغ حجم صفقات الأسلحة بين أمريكا وتركيا في الفترة الزمنية ما بين عامي 2015 حتى عام 2019 ما يقرب من مليار دولار، وفقا للبيانات التي جمعها "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام".

وخلال ذلك الوقت احتلت تركيا المرتبة الأولى بين أفضل 20 عميلا للولايات المتحدة، من خلال عمليات الشراء التي شملت الطائرات والصواريخ.  

 وكانت آخر صفقة دفاعية وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على إبرامها مع تركيا، في عام 2018، وتضمنت 80 صاروخا من طراز "باتريوت"، و60 صاروخا من صواريخ PAC-3 لتعزيز قطاع الصواريخ.

والصفقة كانت بمثابة محاولة أخيرة من قبل الحكومة الأمريكية لإغراء أنقرة، كي تلغي صفقتها المبرمة مع روسيا لشراء منظومة الصواريخ "S-400"، والتي وصلت جميع أجزائها إلى الأراضي التركية، العام الماضي، لكن أنقرة تتريث بتشغيلها حتى الآن. 

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

العقوبات الأمريكية تركيا أمريكا العلاقات التركية الأمريكية

ستراتفور: عقوبات ترامب على تركيا تعرقل بايدن

وزير الخارجية التركي يبلغ نظيره الأمريكي استياء أنقرة من العقوبات

بومبيو: العقوبات ضد تركيا هدفها نفوذ روسيا وليس قدرات أنقرة

جائزة القرن الـ 21.. هل تزيح تركيا العملاق الصيني من صدارة سلاسل التوريد؟

تركيا: أمريكا تدعم الإرهاب في سوريا وعليها التخلي عن سياستها الخاطئة هناك