مستقبل التطبيع العربي الإسرائيلي في عهد بايدن

الاثنين 21 ديسمبر 2020 02:27 ص

بعد فوز "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بدأ الكثيرون في تقديم المشورة لنائب الرئيس السابق حول كيفية عكس الإرث الضار لـ"ترامب" في الشرق الأوسط. 

وتعد أحد المجالات الرئيسية للنقاش هو ما يجب أن يقوم به السناتور السابق إزاء التطبيع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأصبح هذا الأمر مُلحًا بشكل خاص لأن "ترامب"، تمكن في الأيام الأخيرة له، من التقدم بأهداف سياسته مرة أخرى، عندما كشف البيت الأبيض في 10 ديسمبر/كانون الأول أن المغرب وافق على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية.

لكن ما مدى احتمالية قيام "بايدن" بإحداث تغيير كبير؟

في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، أفادت الأنباء أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" التقى ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" للمرة الأولى في اليوم الذي سبقه، وبينما نفت الرياض حدوث هذا الاجتماع، قالت مصادر أنه كان محاولة أمريكية إسرائيلية فاشلة لكسب صفقة تطبيع سعودية إسرائيلية قبل مغادرة "ترامب" لمنصبه.

ومع ذلك، فإن إنكار العائلة المالكة لم يأتِ عن معارضة أيديولوجية، وإنما يقال إنه يعكس الرغبة في تجنب الانتقادات المحلية، ورغبة في استخدام التقارب بين المملكة وتل أبيب لكسب دعم الإدارة القادمة، حيث إن "بايدن" أيضًا يدعم المزيد من التطبيع.

ومن ثم فإن رحيل "ترامب" عن السلطة لا يعني سوى تأخير قصير بالنسبة للسعودية، وإذا تمكنت السعودية من التهدئة أو التصالح مع الاحتجاج الشعبي، فسنشهد تطبيع العلاقات في غضون أشهر.

ضغط على دول أخرى

مع افتراض تقدم الصفقة مع الرياض في المستقبل القريب، قد ينظر المرء بترقب إلى الكويت على سبيل المثال، حيث يُتوقع أن تضغط السعودية والإمارات - التي كانت أول دولة عربية تنضم إلى مخطط ترامب - على جارتهما الأصغر وأميرها الجديد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفق ما ذكره أحد أفراد العائلة الحاكمة في الكويت والذي لم يُكشف عن هويته لصحيفة "وول ستريت جورنال".

ومع ذلك فمن غير المرجح أن يكون هناك اتفاقية كويتية إسرائيلية، حيث يُعتقد على نطاق واسع أن الرأي الشعبي والسياسي السلبي، بالإضافة إلى حاجة الكويت للحفاظ على الهدوء مع إيران، سيمنعان ذلك.

كما أن ما يغلق الباب بحزم أمام مثل هذه الصفقة، هو المواقف المتباينة للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته والرئيس المقبل.

ومع أن كليهما يرغب في مزيد من التطبيع، إلا أن "بايدن" مقيد في قدرته على تحقيق ذلك، في حين كان "ترامب" متحمسًا لجعل ذلك هدفًا أساسيًا.

محدودية النفوذ

لطالما كانت إسرائيل محورًا حقيقيًا لاستراتيجية "ترامب" الانتخابية والإرث الذي يريد تركه خلفه. 

وكان المسيحيون الإنجيليون، الذين هم من أبرز كتل مؤيديه، يطالبون بذلك. 

وأوضح "ترامب" نفسه أن نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس "كان من أجل الإنجيليين".

وعلاوة على ذلك، اتبع "ترامب" أقصى درجات العداء ضد إيران، كجزء من خطته للتراجع عن أي شيء قام به سلفه "باراك أوباما".

ومن الواضح أن كل هذا كان يناسب أجندة إسرائيلية تتمحور حول التطبيع.

أما "بايدن" فعلى العكس من ذلك، لا يدين بالفضل للمحافظين المسيحيين ويسعى إلى العودة إلى ذلك النوع من السياسة التي كان يمارسها رئيسه "أوباما" الذي كان نائبًا له، وهذا يعني إحياء الاتفاقية النووية الإيرانية ورفع عقوبات "ترامب" عن طهران.

ويعتبر الهدف الأسمى لـ"بايدن" في الأساس هو تقليل التوترات مع إيران.

ومع ذلك، فإن هذا يعرقل فرصه في تحقيق قدر أكبر من التطبيع العربي الإسرائيلي، بغض النظر عن رغباته.

وعلى عكس ما أشار إليه الآخرون، فليس الأمر أن "بايدن" لن يشجع الكويت على هذا الطريق، خاصة أنه سيحصل على حفاوة الصحفيين بلا شك في حال إبرام صفقة سعودية إسرائيلية، وإنما يكمن الأمر في أن هناك حدودًا لممارسة الضغوط من قبل إدارته.

ونظرًا لأن الولايات المتحدة هي الضامن الأول لأمن الكويت، فإن تهديد الغضب الشعبي الذي يلوح في الأفق بعد أن قال "ترامب" إن الكويت ستلحق "بسرعة إلى حد ما" بالإمارات والبحرين في ركب التطبيع، قد يجعل المسؤولين هناك يتوقفون.

وفي الوقت الذي يستعد فيه "بايدن" لتولي منصبه، وكونه مقيدًا بالأولويات المتضاربة وميوله المعتدلة، فليس من المطروح ان يكون عنيفًا في الدفع نحو صفقة كويتية إسرائيلية.

حل الأزمة قادم

ومع ذلك، يبدو أن هناك دولًا عربية ستقيم علاقات ثنائية مع تل أبيب في الأشهر المقبلة، حيث أفادت الأنباء مؤخرًا أن السعودية والإمارات وحلفاءهما سيحلون قريبًا نزاعهم مع قطر.

ومع ذلك، ففي حين أن إنهاء الحصار المفروض على قطر يمثل انخفاضًا حادًا في الاحتكاك بين الدوحة ودول الخليج الأخرى، فإنه لا يعني يعني أن قطر انضمت إلى الكتلة التي تقودها السعودية أو أصبحت صديقة لها.

لن تطبع قطر العلاقات مع إسرائيل خاصة بعد أن اتهم كبار السياسيين الفلسطينيين قطر "بالانضمام إلى مسار التطبيع" في وقت سابق من هذا العام، وجاءت هذا المزاعم بعد أن أصدرت الدوحة بيانًا مشتركًا مع واشنطن بدا أنه يؤيد خطة "ترامب" للسلام، التي تنهال عليها الانتقادات بشكل واسع.

وتبدو الانفراجة مع إيران أمرًا منطقيًا في سياق رئاسة "بايدن"، حتى مع تخوف السعوديين والمتحالفين معهم من توسع النفوذ الإيراني نظرًا للنبرة اللطيفة للرئيس المنتخب وهدفه بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاقية النووية)، وهذا الخوف يعكس حرصاً على منع أي تعميق للعلاقات بين الجمهورية الإسلامية وجيرانها سواء أحبوا ذلك أم كرهوا.

وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، قال سفير الإمارات في الولايات المتحدة "يوسف العتيبة" إن حل الأزمة الخليجية، التي بدأت في عام 2017، لن يأتي "في أي وقت قريب" مؤكدا أن ذلك "ليس في قائمة أولويات أي شخص"، وهكذا؛ يكشف هذا التحول المفاجئ عن التقييم اليائس للرياض وحلفائها لظروفهم الحالية.

بين التهديد والترغيب

يمكننا أن نتوقع أن الضغط السعودي الإماراتي المتوقع للتطبيع لن يقتصر على الكويت، خاصة إذا بدأ السعوديون علاقاتهم الثنائية العلنية مع إسرائيل في وقت ما من العام المقبل، حيث سيطلقون حملة لتوسيع محورهم المناهض لإيران من خلال ممارسة نفوذهم على الجهات التي تعتمد عليهم مثل الحكومة اليمنية التي لن يكون من الصعب إجبارها على الاعتراف بإسرائيل، على الرغم من عدم شعبية هذه السياسة أبدًا لدى شعبها.

وقد تبرم السعودية صفقة مع الإمارات، لكي تجبر وكيلها المجلس الانتقالي الجنوبي (المنافس المحلي للحكومة اليمنية) على القيام بالمثل في الوقت ذاته.

وفي الواقع، أدلى نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، "هاني بن بريك"، بتصريحات فُسرت على أنها مؤيدة لإسرائيل، ومن ثم، فإن حسابات مثل هذه الخطوة ستتمحور حول مدى قوة الرسالة الذي ستعكسها هذه الاستراتيجية في جميع أنحاء المنطقة مقارنة بالمزايا التي ستعطيها لصورة الحوثيين المتحالفين مع إيران، في أعين الشعب اليمني.

بعد ذلك، ستضطر الدول العربية الأخرى التي تراقب تصميم الكتلة المناهضة لطهران، إلى التفكير في خياراتها، خاصة في فترة يرزح فيها الاقتصاد تحت وطأة "كورونا"، وهذا يعني أنه في الوقت الذي يضاعف فيه المتحالفون مع إسرائيل جهودهم لحشد صفوفهم، فإن التهديد بالعقوبات الاقتصادية والتلويح بالمساعدات الخارجية أكثر إقناعًا للدول العربية الأخرى.

ويفسر ذلك جزئياً على الأقل إعادة ارتباط الرياض الحالي ببغداد، بعد تعرض العراق لضربة مالية هائلة من الوباء والانهيار الناتج في أسعار النفط.

وإذا كان طرح اللقاح بطيئًا، أو فشل الاقتصاد في التعافي، فلن يكون هناك خيارات. ويبدو أن الصفقة القائمة على الاعتراف بإسرائيل لا مفر منها، على الرغم من إعلان الحكومة السابق أن التطبيع ينتهك قوانينها.

وبالرغم أن المال لن يكون له القول الفصل في لبنان - بالنظر إلى موقف "حزب الله" الذي لا يقبل التفاوض - فإنه قد يحدث في عُمان، لأنه على الرغم من سمعة السلطنة بالحياد، إلا أنها تعاني أيضًا من أزمة اقتصادية عميقة.

وقد أشارت صحيفة "فايننشال تايمز" بالفعل إلى أن هذا قد يجبر مسقط على إعطاء الأولوية لخزائنها على استقلالها. وفي حين أن ذلك سيكون صعبًا، إلا أنه قد يمتد إلى سياستها تجاه إسرائيل.

ومع اقتراب تولي "بايدن" البيت الأبيض، هناك الكثير من عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية، لكن من المرجح استمرار التوجه نحو علاقات إقليمية أكثر رسمية مع إسرائيل.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ليست سوى كشف للنقاب عن علاقات سرية طويلة الأمد بالنسبة للكثيرين.

المصدر | نيك مكالبين/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التطبيع العربي الإسرائيلي إدارة بايدن يوسف العتيبة الاتفاقية النووية حصار قطر بنيامين نتنياهو

كيف ستحاول إسرائيل التأثير في سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط؟

نيويورك تايمز: الدول المطبعة مع إسرائيل قد لا تحصل على مكافآت ترامب

سفيرة مصرية: انضمام إسرائيل للجامعة العربية مشروط بقبول أعضائها

دبلوماسي إسرائيلي: زرت الإمارات قبل سنوات من اتفاقية التطبيع

رسائل من إدارة بايدن لإسرائيل: سندعم اتفاقيات التطبيع التي بدأها ترامب

مستقبل التطبيع العربي مع إسرائيل في عهد بايدن