ستراتفور: أوبك أمام تحديات وجودية مع تراجع هيمنة النفط

الأحد 3 يناير 2021 01:24 ص

ستتراجع أهمية "أوبك" ببطء خلال العقدين المقبلين مع استمرار تسارع التحول العالمي من الوقود الأحفوري وتقلص هيمنة النفط على قطاع النقل بسبب البدائل، بما في ذلك السيارات الكهربائية والهيدروجين، مما يؤدي إلى سوق نفط أكثر اضطرابًا.

لطالما كانت التكهنات السابقة حول تراجع "أوبك" غير دقيقة، حيث صمد اتحاد منتجي النفط في مواجهة عدد من الأزمات منذ تأسيسه عام 1960.

وشملت الأزمات الحظر النفطي في السبعينيات، والثورة الإيرانية عام 1979، والحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، والغزو العراقي للكويت عام 1990، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وصعود النفط الصخري الأمريكي في القرن الحادي والعشرين.

ولكن هذه المرة مختلفة، فكل الأزمات السابقة لم تمثل تحولًا جوهريًا يؤدي فعليًا إلى إزالة الطابع الفريد للبترول كوقود للنقل.

وقد دفع هذا الواقع بالفعل كبار أعضاء "أوبك" التقليديين إلى التشكيك علنًا في مستقبل المنظمة وفوائد التواجد فيها.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، ظهرت تسريبات تفيد بأن الإمارات أطلقت دراسة داخلية لمراجعة عضويتها في منظمة "أوبك" وما إذا كان تقييد الإنتاج يمكن أن يؤدي إلى أصول نفطية عالقة في المستقبل.

وتستهدف الإمارات زيادة طاقتها الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل في اليوم - أعلى بنسبة 93% من حصتها الحالية في ظل "أوبك" - بحلول عام 2030.

أما قطر التي كانت عضوة قديمة في "أوبك" فقد انسحبت من المنظمة في عام 2019 بسبب خلافات سياسية مع دول أخرى من أعضاء مجلس التعاون الخليجي ورغبتها في التركيز على توسيع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال في السنوات المقبلة.

تراجع النفط

تُعزى أهمية البترول في السوق العالمية إلى حد كبير إلى الخصائص الفريدة التي جعلته لا غنى عنه لقطاع النقل.

ولكن هذه الهيمنة سوف تتآكل بشكل كبير مع صعود السيارات الكهربائية وزيادة جرأة الحكومات في التخلص التدريجي من مركبات الديزل والبنزين بحلول عام 2040.

ومع الذروة المتوقعة للنفط خلال العقد المقبل أو نحو ذلك، فمن المرجح أن يشهد الطلب على النفط فترة ثبات طويلة بسبب الوجود الممتد للمركبات التي تعمل بالوقود والتي من شأنها أن تمنع تراجع الطلب بشكل كبير حتى 2030.

وكان كل بديل للنفط يعاني من عيوب كبيرة، فيما تميز النفط بالكفاءة والسهولة النسبية والأمان في النقل، مما جعله يحتكر تقريبًا قطاع النقل، حيث اعتمدت 90% من المركبات عليه في عام 2018 على مستوى العالم.

لكن هذا الوضع بدأ في الانتهاء، وأشارت شركة "بريتيش بتروليوم" بالفعل إلى أن الطلب على النفط قد بلغ ذروته، فيما تشير التوقعات الأكثر تفاؤلاً إلى أن الطلب على النفط قد يبلغ ذروته بحلول أوائل عام 2030، حيث تم تسريع هذه الجداول الزمنية بسبب "كوفيد-19".

وتعمل الحكومات أيضًا على تسريع الجداول الزمنية للتخلص التدريجي من المركبات التي تستخدم الوقود الأحفوري، مثل إعلان المملكة المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني بأنها تنوي حظر بيع مثل هذه المركبات الجديدة بحلول عام 2030، أيّ قبل 5 سنوات من الأهداف السابقة.

ومع ذلك، فإن التحول الكامل سيحدث على مدى عقود، حيث أن تدوير السيارات عملية طويلة في البلدان المتقدمة بينما من المقرر أن يستمر نمو الطلب على النفط للنقل في البلدان النامية.

وتتوقع شركة "إكوينور" النرويجية أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في عام 2027 إلى 2028، وتقدر شركة استشارات الطاقة "رياستاند" أن الطلب سيبلغ ذروته في عام 2028، فيما تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب ذروته خلال السنوات العشر القادمة.

أما منظمة "أوبك" فتؤكد رسميًا أن الطلب سيستقر بحلول عام 2040، لكن هذا الموقف يأتي تحت تأثير النفوذ السياسي الكبير للدول المنتجة للنفط.

تراجع "أوبك"

ستخفي مرحلة استقرار الطلب التحولات الجارية داخل دول "أوبك" الرئيسية والتي من المحتمل أن تؤدي إلى محاولة المنظمة أن تصبح أقل تركيزًا على دعم الأسواق، بالرغم أن هذه العملية ستكون طويلة.

أما قادة "أوبك" الذين دأبوا على دعم الأسعار مثل السعودية والإمارات، فإن تورطهم يزداد في معارك للحصول على حصة في السوق مع منتجي النفط من خارج "أوبك" مثل روسيا والولايات المتحدة.

ونظرًا لأن الوقود البديل أصبح أكثر تنافسية من حيث التكلفة في قطاع النقل، فإن منتجي "أوبك" أصبح لديهم حافز أقل لدعم الأسعار ودعم البدائل على المدى الطويل.

وفي حين أنه من غير المرجح أن تختفي "أوبك" في أي وقت قريب بسبب الفوائد التنظيمية والفنية للعضوية، فستتراجع أهميتها كجهة فاعلة في وضع السوق، بحلول منتصف العقد الثالث من القرن الحالي، إن لم يكن قبل ذلك.

ولم تكن الإمارات الوحيدة من "أوبك" التي تساءلت علانية عما إذا كان تقييد الإنتاج سيؤدي إلى أصول عالقة في المستقبل، فقد فكرت كل من السعودية والكويت في توسيع إنتاج النفط، وأجرت السعودية نفسها مراجعات مماثلة في الماضي.

وسيستمر تراجع أهمية النفط أيضًا في دفع جهود التنويع في البلدان المنتجة للنفط. لكن مدى نجاح التحول والتداعيات السياسية على الإصلاح الهيكلي قصير المدى، هي أمور ستختلف باختلاف البلد.

وتعتبر الإمارات والكويت صاحبتا الموقف الأفضل، فيما يتعلق بالصمود في وجه العاصفة بالنظر إلى ممصات الصدمة المالية لديهم، إثر سنوات من احتياطيات النفط المتراكمة في صناديق الثروة السيادية الخاصة بهم، في حين أن أعضاء "أوبك" الأفقر في العراق والجزائر وأنجولا ونيجيريا سيكون لديهم أزمات مالية كبيرة - وربما دائمة - في المستقبل المنظور.

تهديد النفوذ السياسي

ستنخفض الأهمية السياسية العالمية للدول المنتجة للنفط في المستقبل في الوقت الذي تصبح فيه منظمة "أوبك" منظمة عالمية أقل أهمية، ولن تقدم العلاقات الودية مع الدول المنتجة للنفط نفس الفوائد التي كانت في السابق.

وقد قامت العلاقة الوثيقة والاستثنائية بين السعودية والولايات المتحدة بناء على المصالح المشتركة في استقرار سوق النفط وإمدادات الطاقة،.ل

كن هذه العلاقة ستخضع لتحول جذري حين يصبح النفط أقل محورية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فيما سيظل تركيز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على الأمن المادي ومواجهة النفوذ الصيني والروسي والإيراني وكذلك على مخاوف حقوق الإنسان.

وبالفعل، أدرك بعض كبار منتجي النفط مثل الإمارات هذا التحول وحاولوا توسيع مكانتهم الدولية من خلال آليات أخرى، مثل التمويل والتجارة والأمن؛ وستتسارع هذه العملية عندما يصبح النفط أقل أهمية.

كما أن تراجع تأثير "أوبك" على الأسواق سيهز الطريقة التي تتصرف بها أسواق النفط.. 

ففي السابق، كانت "أوبك" إما تزيد أو تخفض الإنتاج لمحاولة تثبيت أسعار النفط (عندما تنخفض الأسعار)، وتعوض الانخفاض في الإنتاج في أماكن أخرى (أثناء النزاعات) وتؤسس عمومًا بيئة أسعار مستقرة.

وبمرور الوقت، تراجع نجاح "أوبك" في القيام بذلك مع تشبع سوق النفط بمنتجين آخرين. 

ولكن كما أظهرت الاستجابة لجائحة "كورونا" وانهيار أسعار النفط عام 2014، لا يزال بإمكان "أوبك" تنظيم استجابة كبيرة في أي أزمة.

ولكن في المستقبل، سيصبح تنظيم مثل هذه الاستجابات أكثر صعوبة، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة التباين في الأسعار أثناء صدمات الطلب أو العرض.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أوبك الوقود الأحفوري بريتيش بتروليوم إنهيار أسعار النفط السيارات الكهربائية

اتفاق أوبك+.. مفاجأة تجعل السوق في حالة ترقب وتقلل الخلاف الداخلي

دخل دول أوبك يتراجع إلى أدنى مستوياته في 18 عاما