الولايات المتحدة والمغرب.. تاريخ من العلاقات الاستراتيجية منذ الاستقلال الأمريكي

الأربعاء 6 يناير 2021 09:27 ص

كانت الإمبراطورية المغاربية، التي تقلصت بسبب عوامل تاريخية مختلفة إلى ما يعرف اليوم بالمغرب، القوة الرائدة في شمال أفريقيا ولاعبا رئيسيا على الساحة الدولية لعدة قرون.

وامتدت أراضيها في السابق لتشمل المغرب العربي وشبه الجزيرة الأيبيرية حتى فرنسا، خاصة في عهد سلالة المرابطين في القرن الـ11.

وكان تأثيرها السياسي على العالم هائلا، ليس فقط بسبب جيشها القوي وسيطرتها على البحر، ولكن أيضا بسبب موقعها الاستراتيجي على مفترق طرق بين أفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا.

وعندما كانت أمريكا في صراع شاق من أجل الاستقلال عن بريطانيا، كان المغرب أول بلد يعترف باستقلال الولايات المتحدة بمرسوم مثير للجدل من السلطان "محمد بن عبدالله" في ديسمبر/كانون الأول 1777.

وكذلك منح المغرب على الفور السفن الأمريكية الإذن بـ"الوصول والتجول بحرية في الموانئ المغربية بالطريقة نفسها التي فعلتها سابقا تحت العلم الإنجليزي".

ومباشرة بعد هذا الاعتراف الذي كانت أمريكا في أمس الحاجة إليه، جاء توقيع معاهدة السلام والصداقة المغربية - الأمريكية، الذي أذن ببداية العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين.

وتم التفاوض على المعاهدة من قبل "توماس باركلي" والسلطات المغربية، ووقعها الرؤساء الأمريكيون فيما بعد "جون آدامز" و"توماس جيفرسون" في عامي 1786.

وكانت هذه المعاهدة التاريخية، التي لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، هي الأولى بين أي دولة عربية أو أفريقية أو مسلمة مع الولايات المتحدة، وتظل أطول معاهدة أمريكية لم تنقطع مع دولة أجنبية.

وتتحدث الرسالة التي كتبها "جورج واشنطن" عام 1789 إلى إمبراطور المغرب، السلطان "محمد الثالث"، أو "سيدي محمد بن عبدالله"، بعد التوقيع على معاهدة السلام والصداقة المغربية - الأمريكية، عن الكثير من تقدير واشنطن الكبير لسلطان المغرب، حيث وصفه بأنه "الصديق العظيم والثمين"، وشكره على جهوده الدبلوماسية ووساطته للإفراج عن الأسرى الأمريكيين في تونس وطرابلس.

وكتب فيها "جورج واشنطن": "لقد تلقيت أيضا الرسائل التي تفضلت جلالتك الإمبراطورية بكتابتها، نيابة عن الولايات المتحدة، إلى باشاوات تونس وطرابلس، وأقدم لكم خالص الشكر، وشكر الولايات المتحدة، لهذا التعبير المهم عن صداقتك لنا".

واستمر "جورج واشنطن" في طمأنة إمبراطور المغرب أنه، كعمل من أعمال الامتنان والتقدير، سيبذل قصارى جهده لتعزيز العلاقات المغربية - الأمريكية طالما بقي في السلطة، قائلا: "يسعدني أن تتاح لي هذه الفرصة للتأكيد جلالة الملك، أنه طالما بقيت على رأس هذه الأمة، لن أتوقف عن الترويج لكل إجراء قد يؤدي إلى الصداقة والانسجام بسعادة بين إمبراطوريتك وبلدنا".

وأعطت هذه التبادلات المبكرة العلاقات الدبلوماسية والتجارية المغربية الأمريكية دفعة قوية، وسمح المغرب للسفن الأمريكية بالإبحار على طول الساحل المغربي دون أي قيود.

علاوة على ذلك، تم إعفاء السفن الحربية الأمريكية المبحرة في المياه المغربية القريبة من الفحص من قبل المسؤولين المغاربة.

وتركت هذه الإجراءات السخية التي منحها السلطان المغربي لدولة الولايات المتحدة المستقلة حديثا انطباعا عميقا على "توماس باركلي"، الذي كان المفاوض الأمريكي الرئيسي بشأن معاهدة السلام والصداقة المغربية - الأمريكية.

واعترف "باركلي" بأن سلطان المغرب "رجل عادل، يتمتع بشجاعة شخصية كبيرة، ليبرالي إلى حد ما، عاشق لشعبه، صارم ومتشدد في تحقيق العدالة".

وعند وفاة السلطان "سيدي محمد بن عبدالله" عام 1790، خشي الأمريكيون من أن ينهي خلفاؤه المعاهدة التي كانوا في أمس الحاجة إليها ليكون لديهم حليف موثوق به في أرض البربر.

ومع ذلك، لم يخرق السلطان "مولاي اليزيد"، الذي حكم لمدة عامين فقط، ولا شقيقه "سلطان مولاي سليمان"، المعاهدة التي وقعها والدهما مع الأمريكيين، بالرغم من حقيقة أن "مولاي سليمان" اتبع سياسة احترازية للغاية، وأنهى 8 معاهدات من أصل 11 مع الدول الأجنبية، خاصة مع الدول الأوروبية، لكن في الواقع لقد اتبع خطى والده في سياسته مع الولايات المتحدة.

وقال "مولاي سليمان" للقنصل الأمريكي لجبل طارق "جيمس سيمبسون": "نحن في سلام وطمأنينة وصداقة معكم بنفس الطريقة التي كنتم بها مع والدنا. وأنا أجد أن الأمريكيين هم الأمة المسيحية التي مجدها والدي ورأى أنها الأكثر احتراما، وأنا معهم مثل والدي، وأثق أنهم سيكونون معي بالمثل".

ولتجسيد حسن نيته تجاه الولايات المتحدة، أهدى السلطان "مولاي سليمان" موقع ما يعرف الآن باسم "معهد طنجة الأمريكي للدراسات المغربية" إلى الولايات المتحدة عام 1821.

ويعتبر هذا المعلم التاريخي أول وأقدم ملكية أمريكية حكومية مملوكة على أرض أجنبية، وفي البداية، كانت بمثابة القنصلية الأمريكية في المغرب، لكنها أصبحت فيما بعد موطنا للمفوضية الأمريكية في طنجة.

وتم تسجيل هذه التحفة المعمارية ذات التصميم المغاربي المميز للغاية في السجل الوطني للأماكن التاريخية في 8 يناير/كانون الثاني 1981، وتم تصنيفها كمعلم تاريخي وطني في 17 ديسمبر/كانون الأول 1982.

واليوم تعمل كمركز ثقافي ومرفق بحثي للغة العربية والدراسات الأمريكية ومكتبة ومتحف ومركز تعليمي يستضيف سنويا آلاف الزوار المغاربة والأجانب.

وأسفرت الأسس المتينة للعلاقات المغربية الأمريكية من قبل الآباء المؤسسين الأمريكيين والنظام الملكي المغربي عن العديد من التعاون الثنائي المثمر والتشاور في مسائل الاقتصاد والسياسة والتبادل الثقافي.

وأرسل المغرب سفراء ودبلوماسيين إلى الولايات المتحدة منذ عام 1860، وهم السفراء "سيدي الحاج إدريس"، و"سيدي البرنوصي"، و"عبدالقادر"، وسهّل هذا التبادل للبعثات الدبلوماسية بين البلدين تنقل الأشخاص عبر المحيط الأطلسي وفتح طرقا ومسارات أخرى للزيارات غير الرسمية التي سمحت باللقاءات بين الشعوب وتبادل الثقافات.

وأصبح البهلوانية والراقصون وفنانو الأداء وغيرهم من الفنانين المغاربة شائعين على نطاق واسع في السيرك والمسارح الأمريكية في وقت مبكر من عام 1847 مع وصول الحاج "نصار وفيز أشغاير"، و"حجي عمر نيتامو" وفرقهم البهلوانية إلى الأراضي الأمريكية.

وجلب هؤلاء السفراء الثقافيون العديد من جوانب الثقافة المغربية الغريبة إلى صناعة الترفيه الأمريكية، وعملوا كوسطاء ثقافيين بين جانبي المحيط الأطلسي.

وينخرط كتاب "لحسين سيمور"، "استرجاع التاريخ وراء الحدود"، بمهارة في استعادة أصوات هؤلاء الفنانين المغاربة المحترفين في أمريكا من خلال تسليط الضوء على رحلاتهم التي يتلقاها التاريخ الرسمي بالنسيان والإهمال.

واليوم، يعتز المغرب بالموقف المتقدم لحليف رئيسي من خارج "الناتو" في علاقاته مع الولايات المتحدة بموجب مرسوم القرار الرئاسي رقم 2004-35 الصادر في 3 يونيو/حزيران 2004.

وبعد أيام قليلة من هذه القفزة الكبيرة في العلاقات المغربية - الأمريكية، وقع البلدان اتفاقية التجارة الحرة، وهي الأولى للولايات المتحدة مع دولة أفريقية، في 15 يونيو/حزيران 2004، لإزالة الحواجز التجارية وتحسين الفرص التجارية بين البلدين.

ويعد المغرب أيضا شريكا عسكريا للولايات المتحدة ومضيفا لأكبر تدريب عسكري شامل يشمل القوات الأمريكية في القارة الأفريقية، والذي يُعرف باسم "تدريب الأسد العسكري الأفريقي".

ويهدف هذا التدريب العسكري المشترك إلى تعزيز قابلية التشغيل البيني للدول الشريكة لمكافحة التهديدات الإقليمية مثل الإرهاب، والقيام بعمليات السلام في مناطق الصراع، والحفاظ على الأمن عبر الحدود، ومواجهة التهديدات العابرة للحدود.

وفي تطور حديث، اعترف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بسيادة المغرب على "كامل أراضي الصحراء الغربية" في إعلانه الرئاسي الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول، وغرد "ترامب" حينها قائلا: "اعترف المغرب بالولايات المتحدة عام 1777، ومن المناسب بالتالي أن نعترف بسيادته على الصحراء الغربية".

ومن شأن هذا الاعتراف الذي تشتد الحاجة إليه من قبل قوة عظمى على المسرح الدولي اليوم أن يخدم بالتأكيد موقف المغرب بشأن قضية نزاع الصحراء.

وبالرغم من الدعوات التي أطلقتها بعض الأصوات المؤيدة لجبهة البوليساريو للرئيس المنتخب "جو بايدن" لإلغاء إعلان "ترامب" الرئاسي، يعتقد العديد من المراقبين أن مثل هذه الخطوة غير مرجحة للغاية، فعلاقات المغرب والولايات المتحدة متينة منذ قرون، ومتعددة الأوجه، ولم تتزعزع تاريخيا.

ولا يبدو أن التحالف الاستراتيجي سيتأثر بتعاقب الإدارات الأمريكية المتغيرة التي لطالما اعتبرت المغرب شريكا إقليميا رئيسيا في مجالات الأمن والتجارة والتنمية.

المصدر | يوسف القايدي/إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المغربية الأمريكية السيادة المغربية على الصحراء اعتراف ترامب اعتراف المغرب بالولايات المتحدة

أمريكا تعتمد خريطة رسمية جديدة للمغرب تضم الصحراء الغربية

مسؤول أمريكي من الصحراء الغربية: علاقتنا بالمغرب أقوى من أي وقت مضى