على حافة الهاوية

الاثنين 5 أكتوبر 2015 07:10 ص

العمليتان الأخيرتان، مقتل الزوجين «هنكن» والطعن في القدس القديمة، وما تحملهما من رمزية ـ قتل والدين أمام أطفالهما الأربعة الصغار وإصابة عائلة قديمة معروفة في الاستيطان وطعن أبناء عائلة عند عودتهم من الصلاة في حائط المبكى ـ هذا ينبيء على ما يبدو بفترة تصعيد إضافة في الضفة الغربية.

ما قاله «بنيامين نتنياهو» عن تملص قيادة السلطة الفلسطينية من التنديد بالعمليات، يبدو أحيانا محاولة رخيصة للحصول على النقاط الدعائية في الساحة الدولية وتبرير استمرار جمود المسيرة السياسية. لكن يبدو هذه المرة أن هناك منطق في ادعائه. ليس فقط أن الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» امتنع عن التنديد بل هناك أيضا شخصيات رفيعة المستوى في فتح تمتدح «العمل البطولي» لقتل مواطنين غير مسلحين.

خطاب «عباس» في الأمم المتحدة لم يطبق التهديدات التي تحدث عنها على مدى شهر ولم يحطم الأدوات في العلاقات بين السلطة و(إسرائيل).

وقد تراجع «عباس» أيضا عن استقالته من بعض الهيئات التمثيلية الفلسطينية. لكن السلطة تتخذ الآن موقفا تصعيديا كلاميا فظا، الأمر الذي يُكمل العنف في الميدان بدءً من ازدياد عدد المتظاهرين ومرورا بكمائن الحجارة في الشوارع وانتهاء بالعمليتين الاخيرتين. في الساحة الداخلية تتراجع سيطرة السلطة الأمنية ولا سيما في مخيمات اللاجئين.

على المفترقات المصيرية في السنوات الاخيرة كان «عباس» يصحو ويكبح بكل قوته اندلاع العنف. والسؤال الرئيس في الأسابيع القريبة سيكون هل سيصدر توجيهات مشابهة لأجهزة أمنه هذه المرة أيضا، وهل ستلتزم قيادة هذه الأجهزة. لكن التطورات المختلفة في الأشهر الأخيرة تشير إلى أن الكبح والترويض الذي استخدمته (إسرائيل) والسلطة في العقد الأخير بدأ يضعف. وبدون استمرار الجهد المشترك فإن الطريقة الحالية، التي هي ضعيفة أصلا، قد تنهار وتجر المناطق إلى موجة اخرى واسعة من العنف بدأنا في رؤية بدايتها على أرض الواقع.

انتهت الانتفاضة الثانية في 2005. الانفصال عن القطاع في ذلك الصيف كان مقرونا بانتهاء العنف في الضفة، وقبل ذلك بقليل، في تشرين الثاني 2004، مات «ياسر عرفات».

«عباس»، وريثه في قيادة السلطة، لم يتحدث بازدواجية وكذب فيما يتعلق بالإرهاب مثل سلفه.

في 2006 وقفت (إسرائيل) والسلطة أمام ما اعتُبر خطرا مشتركا وواضحا وفوريا: انتصار حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، الأمر الذي تُرجم بعد سنة بالسيطرة العنيفة لحماس على القطاع. حينها أيضا بدأت إجراءات إعادة السيطرة الأمنية الفلسطينية على مدن الضفة، خطة جنين وخطة الجنرال الأمريكي «دايتون» لتدريب أجهزة السلطة.

التنسيق الأمني نجح لأن السلطة كانت تريد ذلك لأن البدائل بالنسبة إليها كانت خطيرة: عودة الانتفاضة (التي دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا عنها أكثر مما دفع الإسرائيليون)، وفي أعقابها ستعود الفوضى أو تسيطر حماس على ما تبقى من المناطق الفلسطينية في الضفة. فعليا كانت السلطة هي المقاول الثانوي المسؤول عن أمن (إسرائيل) حيث تبرر ذلك بالحاجة إلى الدفاع عن نفسها أمام تهديد حماس. (إسرائيل) خففت في المقابل الضغط العسكري عن مدن الضفة وساعدت في اصلاح الاقتصاد وقدمت تعهدات ضبابية حول مستقبل سياسي أفضل.

حينما ساد السخط في الضفة والقدس (العمليات الفردية في 2013، خطف وقتل الفتيان الثلاثة في غوش عصيون وقتل الفتى محمد أبو خضير في القدس في صيف 2014، موجة العمليات الشديدة في العاصمة بسبب أزمة الحرم في الخريف الماضي)، صمدت الطريقة. ورغم عملية «الرصاص المصبوب» في القطاع في 2009، التي قتل فيها 1200 فلسطيني والجرف الصامد في العام الماضي حيث قتل 2200 فلسطيني، الضفة الغربية لم تخرج أبدا عن السيطرة حيث تدخلت السلطة دائما وعملت على التهدئة بسبب الثمن الذي قد ينتج عن العنف بما في ذلك انهيار السلطة في الضفة الغربية وضياع الوظائف من عشرات آلاف موظفي السلطة ورجال فتح، وهذا الثمن باهظ جدا بالنسبة لها.

يبدو أن هذا النموذج سينتهي، وأحد أسباب ذلك هو اليأس من العملية السياسية، الأمر الذي بدا واضحا في خطابات «عباس» الأخيرة. الفلسطينيون يفهمون أن «نتنياهو» لا يتعاطى بجدية مع حل الدولتين.

وإذا كان هناك شك فقد أصبح الأمر واضحا من خلال أفعال وتصريحات رئيس الحكومة في الانتخابات في بداية السنة. في المقابل عباس الذي يبلغ 80 سنة يفكر بإرثه، ويبدو أنه لم يعد يخدع نفسه بأنه سيتوصل إلى اتفاق سياسي دائم ومستقر يرفض قسم من الفلسطينيين في الأصل تقديم التنازلات من اجله.

«نتنياهو» ووزير الدفاع «موشيه يعلون» حرصا في السنوات الاخيرة على إدارة الصراع وليس حله. وقد كان عندهما ادعاءان أساسيان حظيا بتأييد الجمهور الإسرائيلي: الفجوة في المواقف بيننا وبين الفلسطينيين لا تسمح بوجود اتفاق على المدى البعيد، والتغيرات الخطيرة في العالم العربي التي تلقي بظلالها على الصراع الفلسطيني الدموي. 

وعلى مدى 6.5 سنوات من حكم «نتنياهو» سجلت سنة واحدة صعبة بشكل خاص، 2014، حيث كانت الحرب ضد حماس في غزة. ومع ذلك ورغم العمليات المتباعدة كانت توجد سيطرة أمنية. الآن سيجد «نتنياهو» صعوبة في الإقناع حول صحة طريقه، ومن فقد الثقة بالحكومة هم المستوطنون. وفي السنة الاخيرة أصاب الضرر شعورهم بالامن في شوارع الضفة. محاولة مجلس «يشع» القول للإسرائيليين إن السامرة مثابة توسكانا محلية، تحطمت على صخرة الواقع.

يصعب أيضا تجاهل البُعد الديني للصراع ـ الاحتكاك الدائم بين اليهود والمسلمين حول ترتيبات الزيارة في الحرم، وهناك خوف فلسطيني من الخداع الإسرائيلي في الحرم، المجزرة في كنيس «هار نوف» في القدس في سبتمبر/أيلول الماضي وأعمال الكراهية لمخربين يهود تُركز أغلبيتها على المساجد والكنائس.

ويمكن أيضا ملاحظة تأثير الأحداث الاقليمية. في قطاع غزة ولدى العرب في (إسرائيل) تم الكشف عن خلايا صغيرة وجدت الالهام من أعمال «داعش» الإرهابية.

أغلبية الإرهاب يصل الآن من تنظيمات محلية أو مبادرات شخصية للمخرب الوحيد. ليس فقط من الصعب الكشف عن هذه العمليات بل أيضا الصعوبة في السيطرة عليها من القيادات خارج الضفة.

يضاف إلى ذلك أن الذراع العسكري لحماس أصيب بشكل كبير بسبب الاعتقالات التي نفذتها (إسرائيل) والسلطة في العقد الاخير في الضفة الغربية. ورغم الجهود المبذولة، فإن حماس ما زالت تقف من وراء العمليات الفردية ولم تستطع بعد السيطرة على أحداث الضفة.

الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية لم ترصد بعد نشوء وضع جديد في الضفة رغم الأحداث الأخيرة، ويبدو أن الميدان يسبق التحليل الامني.

(إسرائيل) تواجه المشكلة الآن بوسائل قديمة: إدخال قوات عسكرية بشكل محدود لتنفيذ الاعتقالات، والوعود من «نتنياهو» و«يعلون» بمحاسبة القتلة. لكن في هذه المرحلة من الواضح أن الامور تخرج عن السيطرة، ويكفي حادث أو اثنين خطيرين ـ القتل مثل القتل في شوارع الضفة أو انتقام يهودي من قرية فلسطينية ـ من شأنهما تصعيد المواجهة واطلاق الطاقة الكامنة للعنف التي أبقاها الطرفان على نار هادئة نسبيا خلال العقد الأخير.

  كلمات مفتاحية

الاحتلال إسرائيل حماس فلسطين غزة نتنياهو الأقصى القدس

استشهاد فلسطيني برصاص جيش الاحتلال قرب طولكرم

السلطة الفلسطينية تنفي مطالبتها بإلغاء الاتفاقيات مع «إسرائيل»

استشهاد شاب فلسطيني بعد طعنه مستوطنين في القدس

نذر انتفاضة فلسطينية

«داود أوغلو» من نيويورك: سنحتفل يوما بفلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة

«عريقات» ينتقد غياب الملف الفلسطيني عن كلمة «أوباما» أمام الأمم المتحدة

البرلمان العربي: قتل «هديل» و«ضياء» الفلسطينيين يعتبر «جريمة ضد الإنسانية»