هل تشهد عمان تغييرا مؤسسيا بعد تعديلات نظام الحكم؟

الثلاثاء 26 يناير 2021 04:11 ص

مر عام على وصول السلطان "هيثم بن طارق آل سعيد" إلى السلطة في سلطنة عُمان بعد وفاة ابن عمه السلطان "قابوس بن سعيد آل سعيد" الذي حكم عُمان لما يقرب من نصف قرن منذ يوليو/تموز 1970، وقاد "النهضة" التي حولت عمان إلى دولة حديثة.

لكن طول فترة حكم "قابوس" وإحجامه عن تفويض السلطة كان يعني أن الانتقال إلى قيادة جديدة من المرجح أن ينطوي على تغييرات كبيرة في أسلوب ومضمون عملية صنع القرار، خاصة على خلفية التدهور السريع للوضع المالي والاقتصادي في عمان الناجم عن جائحة "كورونا".

ومع صدمة الوباء لعُمان (وبقية العالم) في الوقت الذي بدأ فيه الانتقال إلى حقبة ما بعد "قابوس"، استجاب السلطان "هيثم" بإجراءات حازمة مثيرة للاهتمام وبعيدة المدى.

تغييرات تتجاوز ولاية العهد

في مرسومين معلنين في 11 يناير/كانون الثاني 2021، في الذكرى السنوية الأولى لتولي السلطان "هيثم" مقاليد الحكم، أصدر السلطان قانونًا أساسيًا جديدًا للحكم والإدارة ليحل محل القانون الأساسي لعهد "قابوس" لعام 1996، بالإضافة إلى قانون جديد لمجلس عُمان تضمن تعديلات على حقوق وواجبات واختصاصات وشروط عضوية البرلمان العماني المكون من مجلسين.

وركزت وسائل الإعلام اهتمامها على التعديل الذي طرأ على ترتيبات الخلافة لتشمل تعيين وريث هو الابن البكر للسلطان بمجرد بلوغه سن 21 عامًا، ويضع هذا التعديل "ذى يزن بن هيثم آل سعيد" البالغ من العمر 30 عامًا والذي عمل كوزير للثقافة والرياضة والشباب منذ أغسطس/آب 2020 ، كولي للعهد رسميًا بعد السلطان "هيثم" البالغ من العمر 65 عامًا.

ويجب أن يخفف إضفاء الطابع الرسمي على نظام الخلافة المخاوف التي عبر عنها المراقبون الخارجيون بشكل دوري في عهد السلطان "قابوس" بسبب الافتقار الواضح إلى اليقين وقابلية التنبؤ لدى التخطيط طويل الأجل، بالرغم أن انتقال عام 2020 كان سلسًا وسريعًا وحاسمًا.

ومع ذلك، فإن التركيز على مسألة الخلافة فحسب يغفل إشارات على تحول كبير في السياسات، والتي أشرف عليها السلطان "هيثم" خلال سنته الأولى في السلطة، ويمكن أن تغير الترتيبات المؤسسية في عمان بشكل واضح، إذا تم تنفيذها.

وعلاوة على ذلك، تسارعت وتيرة إعلانات السياسات بشكل ملحوظ خلال الـ12 شهرًا الماضية، حيث استجاب السلطان الجديد لتحديات متعددة، بما في ذلك ضغوط تراكمت على مدى سنوات، مثل الضغوط المالية المتزايدة.

مشاكل عُمان المالية

تواجه عُمان وضعًا ماليًا صعبًا تفاقم بشكل كبير بسبب التداعيات الاقتصادية لوباء "كورونا"، حيث ارتفعت نسبة الدين الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014، من 4.9% في ذلك العام إلى 31.5% في عام 2016، و 47.5% في عام 2018، و 60% في عام 2019، مع توقعات بوصوله لأكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2020.

وبعد مرور عام على أزمة فيروس "كورونا"، من المتوقع أن يرتفع العجز المالي العماني من 7.1% في عام 2019 إلى 18.3% في عام 2020.

وكشفت الحكومة العمانية عن خطة مالية متوسطة الأجل مدتها 4 سنوات في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 والتي حددت إجراءات لخفض العجز وزيادة الإيرادات، وخاصة الإيرادات غير النفطية بحلول عام 2024.

وكان الإجراء الذي جذب أكبر قدر من الاهتمام هو الإعلان عن فرض ضريبة دخل على أصحاب الدخول المرتفعة ابتداء من عام 2022، وجاء ذلك بعد عدة أسابيع من تأكيد منفصل بأن ضريبة القيمة المضافة المقدرة بـ5% على العديد من السلع والخدمات، والتي خُطط لها مبدئيًا لعام 2018، ستدخل حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2021.

ويعتبر فرض أشكال جديدة من الضرائب -المباشرة وغير المباشرة- عنصر حاسم في خطة تحقيق الاستدامة المالية في عشرينيات القرن الحالي. وتفتح ضريبة الدخل على وجه الخصوص، آفاقًا جديدة في دول الخليج الست وتمثل خروجًا عن المعتاد في المنطقة التي تعمل فيها الدولة كموزع للثروة على مواطنيها، بدل أن تستخرجها منهم، لأن ذلك كان يفيدها سياسيًا.

لهذا السبب، سيتابع المراقبون الإقليميون والدوليون طرح ضريبة الدخل في عمان عن كثب، بالرغم أن عدم وجود أي معارضة حقيقية لذلك حتى الآن يشير إلى أن موقف الشعب تجاه الضرائب قد تغير وسط الاعتراف بأن الوضع المالي الحالي لسلطنة عمان لم يعد مستدامًا على المدى الطويل (أو حتى القصير).

نموذج جديد للدولة؟

في أول خطاب رئيسي له بصفته سلطانًا، في فبراير/شباط 2020، أشار السلطان إلى أهمية "شراكة المواطنين" في المرحلة التالية من بناء الأمة.

كما أشار السلطان في خطابه بمناسبة العيد الوطني في 18 نوفمبر/تشرين الثاني إلى الخطوات الجارية "لمراجعة إجراءات التشريع والرقابة وتطوير أدوات من الاستجواب والمساءلة حتى تشكل حجر الزاوية للنشاط المستقبلي في عمان".

وفي نفس الخطاب، أعلن "هيثم" أيضًا عن إنشاء مخطط للضمان الاجتماعي يهدف إلى تشكيل "مظلة شاملة للحماية الاجتماعية".

واستغل وزير الخارجية العماني، "بدر بن حمد البوسعيدي"، مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية في مسقط في ديسمبر/كانون الأول 2020 للتوضيح أن إعادة تصميم السياسات المالية العمانية ستستند إلى مبدأ أن "الفئات الأشد حاجة إلى الدعم سيظلون يتلقونه دائمًا، وأن أولئك الأقدر على المساهمة يجب أن يفعلوا ذلك دائمًا".

وفي سبيل هذه الغاية، ذكر "البوسعيدي" أن الضمان الاجتماعي والضرائب الشخصية سيتم تصميمها "بطريقة تضمن أن أولئك الذين يتمتعون بالثروة والامتيازات سيقدمون مساهامات بارزة للصالح العام".

وفي حديثه في نفس الشهر في مؤتمر "حوار المنامة" حول الأمن الإقليمي في البحرين، أضاف "البوسعيدي" أن نطاق "ما يعنيه الأمن اليوم" يجب توسيعه ليشمل "الأمن اليومي لأولئك الذين تعتمد حياتهم اليومية على قدرتنا على توزيع مواردنا بطريقة عادلة ومنصفة".

علامات متسقة على التغيير

من الضروري الإفصاح عن تفاصيل أكثر حول ضريبة الدخل ونظام الضمان الاجتماعي، وقد لوحظ مع طرح خطط ضريبة القيمة المضافة، أنها تضمنت أكبر عدد من الإعفاءات في دول الخليج التي طبقت حتى الآن ضريبة القيمة المضافة، مما يقلل من تأثيرها على الموارد المالية للأفراد.

ومع ذلك، تشير التصريحات مثل تلك التي صرح بها "البوسعيدي" إلى أن القيادة في مسقط تدرك تمامًا أهمية التحول نحو الضرائب الشخصية والالتزامات الجديدة التي ستترتب على مثل هذه الخطوة.

ولا يزال من السابق للأوان معرفة ما إذا كانت عُمان في عهد السلطان "هيثم" ستتطور إلى شكل من أشكال الملكية الدستورية حتى يتم تنفيذ السياسات ووضعها موضع التنفيذ.

ومع ذلك، فإن التحركات التي تم الإعلان عنها حتى الآن تشير إلى ترتيبات مؤسسية أوسع وتعكس حزمًا لبصمة السلطان "هيثم" على سلطنة عمان مثلما كان حزم السلطان "قابوس" في السنوات التي تلت توليه السلطة في عام 1970.

وشهد العام الماضي إعادة هيكلة دقيقة للوزارات الحكومية، بما في ذلك وزارة الطاقة والمعادن، من أجل مواءمة أفضل مع تحديات السياسة العامة المعاصرة، وإنشاء مؤسسات جديدة وتفويض الصلاحيات إلى جيل من المسؤولين المتمكنين والأكثر شبابًا في مسقط والمحافظات الأخرى.

وفي حين أن جذور العديد من هذه القرارات السياسية تعود إلى الفترة الأخيرة من حياة "قابوس"، فقد تسارعت وتيرة التغيير في عهد السلطان "هيثم" بشكل كبير مما يجعل عمان دولة قادرة على اللحاق بعالم ما بعد "كورونا".

المصدر | كريستيان كوتس أولريشسن - منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السلطان قابوس فيروس كورونا تداعيات كورونا هيثم بن طارق حوار المنامة عمان

عمان تحيط بالسرية محادثات الميزانية واستجواب الوزراء

عمان تعيد هيكلة استثماراتها السياحية والعقارية الداخلية