انتفاضة ثالثة؟ لكن الشروط لم تكتمل بعد

الأحد 11 أكتوبر 2015 07:10 ص

مع توسع عمليات المواجهة في فلسطين التاريخية بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الإسرائيلية وسقوط المزيد من الشهداء والجرحى بدأت وسائل الإعلام وبعض المحللين يطلقون على الأحداث مصطلح «الانتفاضة الثالثة» باعتبار أن المواجهات انتقلت من ساحة الحرم الشريف في القدس لتشمل القدس بكاملها ورام الله ونابلس وبيت لحم والخليل ولتمتد إلى يافا وتل أبيب والناصرة، بل وبدأت غزة من جهتها تتحرك وتطلق مقذوفاتها كنوع من الرسائل التي تقول إذا استمرت الهبة الفلسطينية فستشمل كل أجزاء الوطن.

ونحن إذ نقر أولا أن ما يجري من إرهاصات هو مقدمة ضرورية يمكن أن تتطور لترتقي إلى انتفاضة شعبية شاملة لكن التحليل الموضوعي البعيد عن الخطب والشعارات والتمنيات يشير إلى أن هناك شروطا ثلاثة متوفرة في الهبة الشعبية الحالية التي تعتبر أساسية لقيام الانتفاضة لكن الشرط الرابع المتعلق بالقيادة ما زال غائبا. فشروط قيام انتفاضة شاملة ومتواصلة ومتصاعدة يتطلب وجود قيادة تنظم وتوجه وتتكتك وتتحرك ضمن خطة واعية متفق عليها من جميع الفصائل المنضوية تحت قيادة موحدة تعمل في صفوف الجماهير وتحظى باحترام كبير. وسنحلل في هذا المقال الأسباب الموضوعية التي تؤدي إلى قيام انتفاضة شعبية شاملة ومتواصلة ومتصاعدة ونقدم الأسباب التي تجعلنا نتحفظ قبل أن نطلق على الهبة الجماهيرية الحالية إسم «الانتفاضة الثالثة».

شروط قيام الانتفاضة/ الثورة

يتفق علماء الاجتماع على أن الانتفاضات الشعبية التي قد تتحول إلى ثورة شاملة لا تنفجر لوحدها أو نتيجة حادث مفاجئ أو موجع مثل قيام سيارة عسكرية بتعمد دهس أربعة فلسطينيين في مخيم جباليا بتاريخ 8 كانون الاول/ديسمبر 1987 والذي أطلق الانتفاضة الأولى أو زيارة مجرم الحرب شارون إلى ساحة المسجد الأقصى بتاريخ 28 ايلول/سبتمبر 2000 والذي أطلق الانتفاضة الثالنية. هذا الحادث وذاك إنما يمثلان الصاعق الذي فجر البركان. لكن العوامل التي أدت إلى البركان كانت تعمل تحت السطح وتتجمع وتتفاعل لمدة طويلة إلى أن اختمرت ونضجت ولم يبق إلا لحظة الانفجار التي تسمى في العلوم السياسية «نقطة التحول أو عامل الترجيح» والذي قد يأتي على شكل حادث مريع مثل الحادثتين السابقتين أو من نوع حادثة حرق الفتى محمد أبو خضير أو الرضيع على الدوابشة أو قتل الفتاة هديل الهشلمون بدم بارد أو محاولة اقتحام الأقصى من قبل قطعان المستوطنين.

لكن لكي نسمي هذه الموجة من المواجهات التي يخوضها شباب وشابات فلسطين بالانتفاضة يجب أن تتميز بثلاث صفات: الاستمرارية والتصاعد والشمولية. ومن المبكر على الأقل الآن أن نصفها بالانتفاضة الثالثة ونخشى أن يتم الالتفاف عليها كما تم الالتفاف على الانتفاضتين الأولى والثانية واجهاضهما، الأولى عن طريق أوسلو والثانية عن طريق الانسحاب من غزة والانتخابات الرئاسية التي جلبت إلى مقعد السلطة التنفيذية فئة لا تؤمن بالانتفاضة أو المواجهة أو التصعيد بل بالتنسيق الأمني والاستمرار في المفاوضات سبيلا وحيدا حتى لو كانت هذه المفاوضات غطاء لمصادرة الأرض وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وبناء جدار الفصل العنصري وزج آلاف المناضلين في السجون والاستفراد في غزة وتعريضها لأربع حروب دموية وخاصة الأخيرة منها: غيوم الصيف 2006، الرصاص المصبوب( 2008/2009) عامود السحاب (2012) والجرف الصامد 2014).

وهناك شروط أربعة يجب توفرها لقيام انتفاضة شعبية عارمة قد تتحول إلى ثورة شاملة تنجز أهدافها ضمن إختلال موازين القوى ولو نسبيا لصالح القوى المنخرطة في الانتفاضة المتواصلة والمتصاعدة والشاملة.

الأول: تضرر الغالبية الساحقة من الوضع القائم

لا شك أن غالبية الشعب الفلسطيني في كل أرض فلسطين التاريخية متضرر من وجود دولة إسرائيل وممارساتها بشكل لا حاجة لإثباته. فملايين اللاجئين الفلسطينيين اقتلعوا من أرضهم ورمي بهم إلى المنافي كل هذه السنين ولا سبيل إلى درء الظلم عنهم إلا بحق العودة إلى ديارهم وأراضيهم والتعويض عن استخدام أرضهم وحقولهم وبياراتهم وأملاكهم. كل الفلسطينيين في مناطق الخط الأخضر أو غزة أو الضفة الغربية أو القدس أو مناطق الشتات متضرر بسبب هذه الدولة التي أخضعت فلسطين لاحتلال همجي لا يعامل الفلسطينيين كبشر بل كفائض سكاني معاد يجب اقتلاعه من الأرض كي تبقى نقية من الوجود العربي المناقض لهذا الكيان الغريب. الغالبية الساحقة من الشعب في فلسطين المحتلة تعيش معاناة معنوية وجسدية ونفسية واقتصادية واجتماعية بسبب هذا الاحتلال الشرس الذي أضر بكل إنسان من الطالب إلى الفلاح ومن الموظف إلى الممرضة ومن سيدة البيت إلى المقاتل ومن الصياد إلى بائعة الميرمية بباب العامود في القدس ومن الطفل الرضيع إلى الشيخ الهرم.

الثاني: تعبئة شعبية شاملة وتحريض متواصل ضد الوضع القائم بحيث يصبح تغييره في مصلحة الغالبية المتضررة

للعلم فالشعب الفلسطيني بكامله على كل أرض فلسطين التاريخية ليس بحاجة إلى دائرة تعبئة وتنظيم حتى يتم شحنه ضد الاحتلال، فممارسات هذه الدولة المارقة كفيلة بتعبئة العالم ضدها فما بالك بالآلاف الذين يتمرمرون على الحواجز ويفقدون أرضهم ويدفنون شهداءهم ويتلظون في سجون الاحتلال وتخطف الصواريخ غير الذكية والقنابل العنقودية والفراغية أطفالهم وبيوتهم وقوارب صيدهم. وما لا يقوم به الجيش يوكل للمستوطنين، الوجه الأكثر قبحا لهذا الكيان، فلا يتركون جريمة بشعة إلا وارتكبوها من حرق الأشجار وتدنيس دور العبادة وحرق عائلات بأكملها وهم نيام وسرقة غلة أشجار الزيتون سنويا عدا عن سرقة المياه والأرض. من بين كل أربعة فلسطينيين واحد دخل السجن ومن بين كل أربعة أطفال يوجد طفل عنده تجربة شخصية تتعلق بالعنف الذي تمارسه قوات الاحتلال. ولتبرير هذه الممارسات الهمجية تستند هذه الدولة إلى خليط من قوانين الطوارئ الموروثة من الدولة العثمانية والانتداب البريطاني وبعض القوانين الأردنية مضافا إليها خلطة عجيبة لا قاعدة لها من قوانين الطوارئ الإسرائيلية التي في جوهرها عنصرية. فمثلا عندما قامت قوات الأمن الإسرائيلية بقتل 13 فلسطينيا تظاهروا تضامنا مع انتفاضة الأقصى بين 7 و 9 تشرين الاول/أكتوبر 2000 لم يتم تجريم أحد أو سجن أحد أو دفع غرامة عن أحد. بينما يتم هدم بيت كل فلسطيني تتهمه إسرائيل «بالإرهاب» حتى لو أدى ذلك إلى تشريد عائلة كبيرة من بينها أطفال ونساء.

التحريض ضد الاحتلال وممارسات الكيان تقوم به آلة القتل الإسرائيلية بالطائرات أو بالمدفعية على شاطئ البحر أو باسقاط قنابل فوسفورية أو بالقتل المتعمد أمام عدسات الكاميرا كما حدث مع محمد الدرة وعائلة غالية أو أولاد بكر الأربعة الذين كانوا يلعبون كرة القدم على شاطئ غزة وغيرهم الآلاف.

الثالث: انحياز النخبة إلى جانب الغالبية المتضررة

ونقصد بالنخبة أصحاب الرأي من الكتاب والصحافيين وأساتذة الجامعات والمحللين السياسيين ورؤساء الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية ورؤساء النقابات والاتحادات والقيادات الدينية وقيادات الأحزاب والتجمعات الحضرية والقبلية والمنظمات النسائية والقيادات الطلابية. ونستطيع أن نقول إن هذا الشرط متوفر جزئيا وليس كليا خاصة وأن العديد من رؤساء النقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني تدور في فلك السلطة ولا تستطيع أن تخرج عليها بشكل جذري خشية أن تخسر سلة المكاسب المادية والمعنوية التي حققتها بعد دخول سلطة أوسلو عبر المساومة التاريخية التي حولت هذه التجمعات العديدة ومنظمات المجتمع المدني التي قادت الانتفاضة الأولى ولعبت دورا أساسيا في الانتفاضة الثانية إلى دوائر احتياط لدعم السلطة والسير في ركابها ومعارضتها بحنان دون كسر الجسور معها أو مواجهتها بجدية حتى لو انحرفت عن الخط الوطني العام الذي يلتف حوله الشعب بشكل أو بآخر.

الرابع: وجود قيادات واعية ملتصقة بالفئة الأولى ونابعة من صفوفها وملتزمة بأهدافها

ما تفتقده هذه الهبة الجماهيرية قيادة ميدانية موحدة ومنظمة وواعية تدير الأمور وتوجهها وتعرف أين تتم المواجهة ومتى يعلن الاضراب ومتى تخفف عن القدس وتشعلها في جنين ومتى تطلب من الجماهير أن تتحرك وتتظاهر ومتى تتراجع. وبدون أن يتوفر هذا الشرط الأساسي كما كان الحال في الانتفاضتين الأولى والثانية لا نستطيع أن نتوقع أن تتحول الهبة الشعبية إلى انتفاضة متواصلة ومتصاعدة وشاملة.

يجب أن نجاهر بالحقيقة أن الهبة الحالية، رغم أنها قد توحي بانها بدايات لانتفاضة «شاملة ومتواصلة ومتصاعدة» إلا أنها ما زالت عفوية غير منظمة وتعتمد على البطولات الفردية والاستعداد العالي للتضحية لكنها تفتقد إلى قيادة تديرها بشكل واع ومنظم ومدروس ومرن ومؤثر ومتطور.

يقول كارل ماركس: «على البروليتاريا أن تتوحد في اطلاق الثورة ضد جلاديها لأنها ليس لديها ما تخسره إلا قيودها». وقد ينطبق هذا القول على الشعب الفلسطيني الراسخ تحت الاحتلال قديمه وجديده. لكن إذا وجد بين صفوف الشعب العادي جماعات تخشى أن تخسر بعض مكتسباتها فستتردد كثيرا قبل الانخراط في المواجهة.

وهذا ما قامت به قيادات أوسلو منذ دخولها البلاد آتية من المنافي عام 1994. لقد استطاعت أن تبني حولها سياجا من المستفيدين ارتبطت مصالحهم الشخصية بالوضع القائم الذي يدر عليهم مكاسب مادية ومعنوية وتسهيلات إدارية وسلطات إضافية تستغل لتعيين المحاسيب والموالين. وكل ما لا يثبت ولاؤه للقيادة يتم تهميشه أو طرده أو تلفيق الاتهامات له. فما هي مصلحتهم في تأجيج الهبة الشعبية لتتصاعد وتتسع وتتحول إلى انتفاضة؟

لقد استطاعت السلطة عبر وسائل ناعمة وأخرى خشنة أن تشرك قطاعات واسعة من جماهير الشعب المتضرر من الاحتلال ووضعت بين أيديهم مجموعة من المكاسب تم تسهيل الوصول إليها كالوظائف والشقق والسيارات والهواتف المحمولة والسفريات والمياومات وكبلتهم بقيود غليظة من القروض والدفعيات الشهرية للمحافظة على مستوى جيد من العيش تعودت عليه تلك الفئة واستمرأت الحياة في ظل هذه المكاسب وأصبح من الصعب التنازل عنها طوعا وبطريقة فردية. لذلك لا نتوقع أن تنسحب هذه القيادة من التنسيق الأمني وستعمل على لجم الهبة الشعبية بدل أن تؤجج أوارها لتتحول إلى انتفاضة شعبية متواصلة ومتصاعدة وشاملة تحقق عددا من الانجازات وأولها إنهاء الاحتلال أو تحويله إلى احتلال باهظ الثمن يحقق أو يقرب أو يسهل من بناء دولة مستقلة مترابطة ذات سيادة حقيقية وقابلة للحياة.

  كلمات مفتاحية

انتفاضة ثالثة فلسطين قوات الاحتلال الإسرائيلية القدس رام الله نابلس بيت لحم الخليل يافا تل أبيب الناصرة غزة

فلسطين مرة أخرى

هبة أم انتفاضة أخرى؟

انتفاضة الشباب

في النهاية كل شيء تفجر

يا لوحدك: فلسطين المنسية تقاتل وحدها .. والعرب يقتتلون

انتفاضة جديدة لجيل جديد

إنجازات الفلسطينيين .. الإرهاب يوحد

وهم القبة الحامية وفعل السكين الحامي

مأزق الكفاح الفلسطيني صراع الداخل والخارج

الانتفاضة اليتيمة

للمقاومة في فلسطين القول الفصل