الحملة الروسية .. والسذاجة الأمريكية

الأحد 11 أكتوبر 2015 03:10 ص

عندما تقوم روسيا بضرب قوات جندتها ودربتها الولايات المتحدة، ثم نذعن لذلك، فإن البلدان التي تعوّل على الضمانات الأمنية الأميركية ستفقد الثقة بنا. يقول المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية «دونالد ترامب»: «لندع روسيا تتخلص من داعش. لماذا علينا أن نهتم؟». إنه سؤال في محله، في الواقع، إذ ما الضرر الذي يمكن أن يحدث إذا نحن تركنا الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» يخوض هذه الحرب نيابةً عنا في سوريا؟ الجواب: سيلحقنا ضرر كبير جداً.

أولًا، روسيا لا تحارب تنظيم «داعش». ذلك أنه وفق «معهد دراسة الحرب»، فإن الضربات الروسية تركزت بشكل خاص على المناطق التي تسيطر عليها مجموعات سُنية أخرى يعتبرها رئيس النظام السوري بشار الأسد تهديداً له، ومن بينها مجموعات قامت الولايات المتحدة بتدريبها، وذلك لأن الهدف الاستراتيجي لروسيا ليس، بالدرجة الأولى، القضاء على «داعش»، وإنما دعم نظام الأسد المدعوم أيضاً من طرف إيران، وحمل الغرب على دعمه أيضاً. وذلك أنه عبر تدمير المعارضة المعتدلة، سيُترك العالم أمام اختيار وحيد بين الأسد و«داعش». بيد أن الرئيس «أوباما» لا يبدو مدركاً لهذا الأمر، حيث صرّح بسذاجة، الأسبوع الماضي، بأن روسيا ينبغي ألا تستهدف الثوار المدعومين من قبل الولايات المتحدة، لأننا نحتاج لمعارضة معتدلة خلال فترة انتقالية بعد الأسد. والحال أن هذا بالضبط، من وجهة نظري، هو سبب استهداف «بوتين» لهم.

ثانياً، إن تدخل روسيا سيؤدي في الواقع إلى تقوية شوكة «داعش». ذلك أن روسيا باستهدافها المعارضة قد تدفع كل المجموعات السنية إلى الارتماء في أحضان «داعش» و«جبهة النصرة» التابعة لـ«القاعدة»، بعد أن يتحولا إلى المقصد الوحيد لأغلبية السكان الذين يعارضون الأسد، حتى وإن لم يكونوا يتقاسمون مع الإرهابيين إيديولوجيتهم الراديكالية. وهذا سيجعل الحرب أكثر تطرفاً ويحوّل سوريا إلى مغناطيس كبير جاذب لـ«الجهاديين» الذين سيفدون عليها من كل حدب وصوب، الأمر الذي يخدم مصلحة «الأسد»، لأنه يحتاج لتهديد «داعش» من أجل تبرير استمرار بقاء نظامه كسد مزعوم في وجههم.

ثالثاً، إن وجود روسيا الجديد في سوريا يقوّي أيضاً موقف إيران. والواقع أنه ليس صدفة أن روسيا قد قامت بإدخال قواتها إلى سوريا بعد أسابيع قليلة على زيارة قاسم سليماني قائد ما يسمى «فيلق القدس» إلى موسكو. فإيران، وهي الوجه الشيعي للتشدد الإسلامي، تتحرك عبر الشرق الأوسط، والتدخل الروسي يدعم سعيها للهيمنة الإقليمية. والواقع أن الطرفين مستفيدان. فروسيا تحصل على موطئ قدم دائم في الشرق الأوسط، من خلال قاعدة جوية رئيسة وميناء على البحر المتوسط تستعرض منه قوتها، وتتحدى منه الولايات المتحدة وحلفاءها، هذا بينما تحصل إيران على الأسلحة (مثل منظومة الصواريخ أرض-جو إس 300 لحماية برنامجها النووي من أية ضربة عسكرية) وعلى تحالف جديد للتصدي للنفوذ الأميركي يتألف من روسيا وإيران والعراق وسوريا و«حزب الله» اللبناني. وهو ما يمثل كارثة بالنسبة للمصالح الأميركية.

رابعاً، إن حملة القصف الروسية تؤشر إلى أن الولايات المتحدة حليف لا يمكن الاعتماد عليه. فعندما تقول روسيا للولايات المتحدة إن عليها أن «تفسح الطريق» وتقوم بضرب قوات قمنا نحن بتجنيدها وتدريبها من أجل محاربة «داعش»، ثم نذعن لذلك، فإن البلدان التي تعوّل على الضمانات الأمنية الأميركية ستفقد الثقة بنا. وعلى سبيل المثال، فإن الحكومة العراقية قد توصلت للتو لاتفاق بشأن التعاون الاستخباراتي مع إيران وروسيا. وهذا الأسبوع قال رئيس الوزراء العراقي إن روسيا مرحب بها لشن هجمات ضد «داعش» على الأراضي العراقية. وعلاوة على ذلك، فإننا بدأنا منذ بعض الوقت نتحدث عن «تنسيق» عملياتنا الجوية لتفادي خطر صدام بين طائراتنا وطائراتهم، وهو شكل من أشكال التعاون العسكري في الحقيقة. والحال أن دعم الأنشطة الروسية أو التسامح معها إنما يعزز الاعتقاد المتزايد في المنطقة بأننا متحالفون مع روسيا وإيران والأسد و«حزب الله» والمليشيات الشيعية في العراق ضد كل حلفائنا التقليديين.

وفي هذه الأثناء، يقول أوباما إنه لا ينبغي أن نقلق بشأن أي من ذلك، مشدداً على أن «بوتين» إنما يتصرف انطلاقاً من إحساس بـ«الضعف»، وإنه سيورّط نفسه في «مستنقع» يشبه إلى حد كبير الغزو السوفييتي لأفغانستان في 1979. غير أنه حتى إذا كان هذا صحيحاً، فإنه ينبغي ألا يجعلنا نشعر بالراحة أو الاطمئنان.

  كلمات مفتاحية

روسيا أمريكا سوريا بوتين أوباما التدخل العسكري الروسي الأسد

محلل أمريكي: من يفكر في تخلي روسيا وإيران عن «الأسد» فهو يحلم

ما هي الرسائل التحذيرية التي وجهتها روسيا إلى دول الخليج وتركيا؟

روسيا توافق «مبدئيا» على مقترح أمريكي بتنسيق الطلعات الجوية فوق سوريا

روسيا وأميركا: غموض دبلوماسي لا يحجب الحقائق الجيوسياسية

هل جاء تدخل روسيا العسكري ”المتدحـرج“ لانقاذ نظام بشار الأسد فعلا؟

الاستيلاء على دمشق: كيف تقدمت روسيا إلى الأمام في الشرق الأوسط؟

روسيا تقلب الموازين في سوريا والمنطقة

«الصبر الاستراتيجي»: لا تطاردوا «بوتين» في سوريا .. دعوه يفشل من تلقاء نفسه

حقيقة الموقف الأمريكي من الغزو الروسي لسوريا