الصين تستعد لإعادة الهيكلة الأمنية للشرق الأوسط

الاثنين 8 مارس 2021 08:16 م

عندما نتأمل في الرؤية التي طرحها الخبيران الصينيان "صن" و"وو"، والتي أشارا فيها إلى الصين باعتبارها "تسعى للحصول على أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات"، فإننا نجد أن هذه الصيغة تنطوي على إدارة النزاعات وليس حلها، وتشير إلى أن الصين تسعى إلى تجهيز أرضية لانخراط صيني أكبر في الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط المتقلب والمهدد دائمًا بالخروج عن السيطرة.

وحدد الخبراء هدف الصين باعتباره بناء آلية أمنية جماعية إقليمية مشتركة قائمة على الإنصاف والعدالة والتعددية والحوكمة الشاملة، واحتواء الاختلافات.

إعادة الهيكلة الأمنية للمنطقة

وتعكس رؤية الخبيرين إدراكا متزايدا في الصين بأنه لم يعد بإمكانها حماية مصالحها المتنامية بالاعتماد حصريًا على التعاون الاقتصادي والتجارة والاستثمار.

كما أشارت إلى وجود فهم بأن الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه إلا من خلال بنية أمنية شاملة ومتعددة الأطراف سيتعين أن تكون الصين جزءا منها.

نُشرت هذه الرؤية في مجلة سياسية صينية بارزة، وهي تعد جزءا من رسائل حذرة توجها الصين إلى اللاعبين المختلفين من جميع الانحيازات في الشرق الأوسط.

من الواضح أن الصين مثل روسيا، لا تسعى لاستبدال الولايات المتحدة كقوة مهيمنة عسكريًا في الشرق الأوسط، وإنما تضع الأساس بشكل تدريجي لاستغلال الرغبة الأمريكية في تغيير التزاماتها الإقليمية عبر مشاركة العبء مع شركائها الإقليميين وحلفائها.

كما تشير الصين إلى أن الولايات المتحدة قد أثبتت أنها لم تتمكن من إدارة النزاعات والخلافات الكثيرة في الشرق الأوسط، مما يجعل من مصلحة الصين أن تساعد في توجيه المنطقة إلى وضع أكثر استقرارًا مع الاحتفاظ بالجيش الأمريكي كعمود فقري لأي إعادة هيكلة أمنية قادمة.

هناك افتراض ضمني في المقال أيضًا بأن الشرق الأوسط قد يكون جزءا من العالم يمكن فيه للولايات المتحدة والصين التعاون والمنافسة في الوقت ذاته؛ بالتعاون في الحفاظ على الأمن الإقليمي والتنافس في مجالات مثل التكنولوجيا.

الانخراط أقل تكلفة أحيانًا

ربما يتبين بعد أن هذه الرؤية مثالية، ومن المرجح أن تكتشف الصين، مثل الولايات المتحدة، صعوبة اتخاذ خطوات، وصعوبة تجنب التورط في النزاعات الكثيرة في الشرق الأوسط.

لطالما تفاخرت الصين بقدرتها على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف من خلال تجنب الانخراط في صميم الشرق الأوسط في أوقات الانقسامات الوجودية.

ومع ذلك، قد تتبين استحالة بناء بنية أمنية مستدامة تشمل آليات إدارة النزاعات، دون معالجة جوهر الانقسامات، والسؤال الحقيقي هنا هو: أي نقطة ستشعر عندها الصين بأن تكلفة عدم الانخراط تفوق تكلفة الانخراط؟

لا يبدو الشرق الأوسط قريبًا من تحقيق المقاربات والسياسات المطلوبة لبناء بنية أمان شاملة، ومع ذلك، فإن التغييرات في السياسة الأمريكية التي تعتمدها إدارة "بايدن" تنتج شروخًا في مواقف دول الشرق الأوسط، وهذا يجعلها أكثر قابلية للاستجابة للرسائل الصينية.

هذا لأن العديد من الأطراف المتحاربة في الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر وتركيا (يُستثنى منها إيران وإسرائيل) تسعى لخفض توترات المنطقة، حتى إن كان ذلك بدون تغيير الأساسيات، على الأقل عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل إيران والفلسطينيين.

هناك آثار سلبية متوقعة على مصالح الصين، حيث سيحدث اضطراب في المنطقة إن تحقق الإحياء المحتمل للاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015، إن صدقت الشكوك بأنها ستركز حصريا على القضايا النووية ولن تشمل الصواريخ الباليستية والدعم الإيراني للجهات الفاعلة غير الحكومية في أجزاء من الشرق الأوسط.

لكن الجانب الإيجابي بالنسبة للصين هو أن إيران قد تكون مستعدة لمناقشة قضايا الصواريخ الباليستية ودعم الجهات الفاعلة غير الحكومية، إذا كانت مدمجة في مناقشة حول إعادة هيكلة ترتيبات الأمن الإقليمية، وعندها يمكن أن تساهم الصين بشكل كبير.

هناك فرص كبيرة لدى الصين في دفع جميع الأطراف للموافقة على مناقشة ترتيب أمني أوسع وأكثر شمولية، فهي لن تعتمد على تهدئة المخاوف والتملق فقط، وإنما هناك أيضًا علاقات الصين وتأثيرها على إيران.

إدارة التهديدات

في حين أن الصين لديها الكثير من النقاط لصالحها في الشرق الأوسط مثل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، إلا إن تقاربها مع الاستبداد، ووزنها الاقتصادي والتركيز على القضايا الاقتصادية، يفرض عليها ضرورة إدارة المخاطر.

وتشمل هذه القضايا سمعتها المتدهورة التي لم تكفِ دبلوماسية اللقاحات لإنقاذها، بسبب قمعها للإيجور في مقاطعة شينجيانغ الشمالية الغربية، والتمييز ضد المجتمعات الإسلامية الأخرى.

قد لا تكون سياسات الصين المعادية للمسلمين قضية ذات أولوية فورية بالنسبة لكثير من العالم الإسلامي، لكنها تمثل تهديدًا مهمًا محتملًا للعلاقات.

ومع ذلك، فإن الصين يمكن أن تلعب إلى جانب الولايات المتحدة دون شك، دورا رئيسيا في استقرار الشرق الأوسط، والسؤال هو ما إذا كان يمكن للاثنين أن يقوما بما يلزم الوضع في الشرق الأوسط.

المصدر | جيمس إم دورسي - أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط الصين الولايات المتحدة

لمواجهة الصين.. بايدن يسعى لتأسيس تحالف دولي تقني

من 5 نقاط.. مبادرة صينية لتعزيز أمن واستقرار الشرق الأوسط

هل تستمر الانتفاضة السلمية للتنين الصيني الصامت في الشرق الأوسط؟