الأردن ومصر في اختبار نقص الأوكسجين.. من يربح؟

الأحد 14 مارس 2021 01:01 م

خلال أقل من 3 شهور، كان العالم العربي على موعد مع واقعتين مأساويتين، أودتا بحياة العشرات، نتيجة انقطاع الأوكسجين عن مرضى فيروس "كورونا" في غرف العناية المركزة، في مصر أولا، والأردن ثانيا.

وتسلط واقعة وفاة 7 مرضى بمستشفى السلط الحكومي الأردني، الأسبوع الجاري، الضوء على واقع القطاع الصحي في البلدان العربية، ومستوى التعامل مع أزمة "كورونا"، والقدرة على تلبية احتياجات المرضى خاصة في حالات الطوارئ.

لكن الحادثة التي شغلت الرأي العام الأردني، أثارت مقارنات على مستوى الشارعين المصري والعربي، بين التعامل الحكومي والسياسي إزاء الواقعتين، في بلدين عربيين مجاورين، يفصل بينهما خليج العقبة.

ويشهد الأردن ارتفاعا في الإصابات اليومية بفيروس "كورونا"، لتصل الحصيلة الإجمالية، حتى الجمعة الماضي، إلى 464856 إصابة و5224 وفاة.

بينما في مصر، بلغ إجمالي المصابين بالفيروس حتى السبت الماضي، 190280 مصابا، من ضمنهم 11256 حالة وفاة، وفق بيانات رسمية، تشكك في مصداقيتها الجهات المستقلة.

عاصفة أردنية

على الرغم من بشاعة المأساة، اتسم رد الفعل الأردني إزاء الحادث بالجدية والمسؤولية. فعلى المستوى الشعبي، تجمهر الأردنيون العاضبون أمام مستشفى السلط، شمال غربي العاصمة عمان، وقاموا بمهاجمة سيارة مسؤول حكومي بأحذيتهم متهمين الحكومة بالمسؤولية عن الكارثة.

تسبب رد الفعل الشعبي القوي في عاصفة سياسية، بدأت من استقالة وزير الصحة "نذير عبيدات"، وكذلك استقالة مدير المستشفى، وإيقاف آخرين عن العمل، واحتجازهم على ذمة التحقيقات، وسط غضب شعبي ومطالبات برحيل الحكومة.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل خرج رئيس الوزراء الأردني "بشر الخصاونة" في تصريح متلفز، معلنا تحمل حكومته كامل المسؤولية، واصفا ما جرى بالأمر الجلل الذي لا يمكن تبريره.

ودفعت الحادثة التي هزت الرأي العام الأردني، بالملك "عبدالله الثاني" إلى زيارة المستشفى، ولقاء عدد من ذوي الضحايا، وتشكيل لجنة عسكرية طبية للتحقيق الفوري في ملابسات الحادث.

وعلقت عقيلة العاهل الأردني، الملكة "رانيا العبد الله"، بتغريدة عبر حسابها على "تويتر"، قالت فيها: "ما حدث لأهلنا في مستشفى السلط فاجعة... إهمال مؤلم ولا يمكن تبريره. رحم الله الأرواح التي فقدناها وألهم ذويهم الصبر والسلوان".

برلمانيا، أعلن البرلمان الأردني بشقيه (النواب والأعيان) عن عقد جلسات طارئة، الأحد، للوقوف على أسباب وتداعيات الحادثة.

أما على المستوى الشعبي، فقد خرجت مسيرات شعبية غاضبة في لواء ذيبان (يتبع لمحافظة مأدبا) جنوب العاصمة عمان، وفي حي الطفايلة (بالعاصمة)، كما شهد محيط مستشفى السلط تجمعات كثيفة للمواطنين، وسط مطالبات بإقالة حكومة "الخصاونة"، وإحالة جميع المسؤولين عن الواقعة إلى القضاء.

جليد مصري

أمام ردة الفعل الأردني، كان السيناريو الكارثي الذي شهدته مصر في يناير/كانون الثاني الماضي، حاضرا بقوة، وسط مقارنات مؤلمة، كشفت عورات النظام الحاكم في مصر.

"كل اللي في العناية ماتوا".. كانت العبارة الشهيرة التي رددها مصور فيديو مأساة مستشفى الحسينية، بمحافظة الشرقية (دلتا النيل)، في حين تدور الكاميرا بين ما يبدو أنها أجساد هامدة لمرضى فارقوا الحياة، وممرضة تجلس في وضع القرفصاء في حالة صدمة وذهول.

وأمام هول المأساة، كانت ردة فعل السلطات المصرية باردا وجليديا، فقد سارعت إلى نفي الواقعة، والتاكيد على أن مخزونات الأوكسجين كافية، بل وقامت باعتقال مصور الواقعة "أحمد ممدوح" (جرى الإفراج عنه لاحقا)، إضافة إلى "حمدي عاطف"(قيد الحبس) مصور واقعة نقص الأوكسجين في مستشفى زفتى العام بمحافظة الغربية (دلتا النيل).

بعدها، قرر محافظ الشرقية "ممدوح غراب"، إحالة مسؤول الأمن المكلف بتأمين المستشفى للتحقيق؛ وذلك للسماح لأحد الأفراد باقتحام عناية العزل وتصوير المرضى وإثارة البلبلة، لتصدر بعدها تعليمات بحظر التصوير داخل المستشفيات الحكومية.

ونجت وزيرة الصحة المصرية "هالة زايد" من الإقالة، وبقيت في منصبها، مكتفية بتشكيل لجان لمتابعة أرصدة الأكسجين الموجودة بالمستشفيات، بل وزادت باتهام جماعة "الإخوان" (محظورة قانونا)، بترويج فيديو مأساة الحسينية.

ولم يعرف إلى الآن مصير تحقيقات النائب العام المصري في واقعة الحسينية، وقبلها واقعة مستشفى زفتى العام، وسط غياب تام للرئاسة المصرية عن المشهد، أو تضامن حكومي بإعلان الحداد الرسمي، أو تعويض أسر الضحايا.

خوف وقمع

الإهمال كان القاسم المشترك في الواقعتين، الأردنية والمصرية، لكن الشفافية كانت حاضرة بقوة في المشهد الأردني، وغائبة تماما عن المسرح المصري.

وبالنظر إلى حالة الغضب التي عاشها الأردنيون على مدى الساعات الماضية، فإن السلطة لم تلجأ إلى القمع على غرار الحالة المصرية، بل سارعت إلى احترام الرأي العام، وأقالت المسؤولين عن الواقعة، وانتقلت أعلى سلطة في البلاد (الملك وولي عهده)، إلى موقع صدارة المشهد.

ومن المتوقع أن تتواصل ردة الفعل الأردنية، باتجاه قرارات عاجلة لتصويب مسار الوضع الصحي في البلاد، والحيلولة دون تكرار المأساة، وربما النيل من شرعية حكومة "الخصاونة" وصولا إلى تعديل وزاري جديد، بعد استقالة وزيري الداخلية "توفيق الحلالمة"، ووزير العدل "بسام التلهوني"، بدعوى "مخالفتهما تدابير مكافحة كورونا"، الشهر الماضي.

بينما غابت في مصر، الفعاليات الشعبية والنقابية والحزبية عن إبداء أية ردة فعل إزاء الواقعة، كما غاب مجلس النواب المصري عن استجواب وزيرة الصحة، أو مناقشة أسباب الحادث، في ظل سيطرة حكومية على تشكيله.

ووفق الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "أيمن سبع"، فإن الحكومة المصرية تتعامل مع من يقول إن هناك نقصا في أي شيء مثل الأكسجين والملابس الواقية وأجهزة التنفس كمن يفشي معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي.

يمكن القول، إن الأردن نجح في الارتقاء لمستوى الحدث والتعامل في اختبار نقص الأوكسجين بما يقلل من فرص حدوث الكارثة مجددا، بينما فشلت مصر في مواجهة الاختبار ذاته، مع سيطرة الخوف على الجميع، وسيادة القمع بديلا عن القانون، في بلد يعتقل فيه مكتشف الإهمال والفساد

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نقص الأوكسجين مرضى كورونا مستشفى السلط مستشفى الحسينية مصر الأردن

عاهل الأردن يزور مستشفى السلط ويبوخ مديرها: كيف لا يوجد أوكسجين؟

تحقيق لنيويورك تايمز: نقص الأكسجين سبب وفاة مرضي كورونا الحسينية بمصر

مصر تلقي القبض على مصور فاجعة مستشفى الحسينية

فاجعة مستشفى الحسينية في مصر.. النيابة تفتح تحقيقا والسلطات تهون

مسيرات ليلية في الأردن تطالب برحيل الحكومة ومحاسبة الفاسدين