«ستراتفور»: عندما تعاني تركيا فإن العالم بأسره سوف يعاني

الجمعة 16 أكتوبر 2015 12:10 م

تعد حادثة تفجير أنقرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول يعتبر الحدث الأسوأ في تاريخ تركيا وأحد المؤشرات على هشاشة هذا الحصن الصلب الذي يرعى المصالح الأمنية للطاقة الدولية. إن الهجوم الذي حصل مؤخرا في محطة السكة الحديدية في أنقرة ضد المشاركين في مظاهرة من أجل السلام، وسواء أكان هذا العمل من تدبير الجماعات الإسلامية كما تدعي الحكومة، أو من تدبير عملاء «الدولة العميقة» وهذا ما يخشاه زعماء المعارضة، فإنه يشير إلى الطبيعة القاسية للحرب الأهلية التى تجتاح تركيا حاليا، كما أنه بمثابة تحذير شديد اللهجة لكل دول العالم والتي قد تغير علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا التي تعد شريكاً رئيسا في مشاريع خطوط النفط والغاز الطبيعي التي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية ووأروبا فضلا عن تلك التي يجري تطويرها من قبل روسيا.

لقد أصبح استقرار تركيا الآن موضع تساؤل الجميع. فهذا البلد الذي سيشهد انتخابات عامة والتي تعتبر الأكثر أهمية منذ عقود مضت في ظل القلق المتزايد فيما إذا كانت الديمقراطية ستتحول إلى حرب أهلية جديدة. وما يزيد الأمور تعقيداً هو طبيعة تركيا وحدودها المعقدة. فمن الجنوب سوريا والعراق، وهي دول مشتعلة بالصراعات، ومن الشمال والشرق قوس كبير من الأزمات والذي يمتد من مولودوفا وأوكرانيا عبر روسيا والقوقاز إلى إيران. فطبيعة جغرافيا تركية المعقدة تجبرها على مواجهة الكثير من التحديات إذ أن العديد من الجماعات المسلحة تقوم بتهديد خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي. وقامت إحدى هذه الجماعات بمهاجمة الخط الذي يوصل النفط من كركوك في العراق إلى ميناء البحر الأبيض المتوسط في تركيا، وكذلك قام حزب العمال الكردستاني بمهاجمة الخطوط التي تنقل الغاز الطبيعي من أذربيجان وإيران إلى تركيا.

تهديد أمن الطاقة

إن التفجير الذي حصل في أنقرة يشير إلى أن الوضع آخذ بالسوء، والذي سوف يؤدي لإضعاف الاستقرار الداخلي في البلاد. فما حدث ليس تهديداَ فقط لخطوط النفط بل أيضاً لمشاريع ضخمة ما زالت تحت التطوير، وتشمل على 10 بليون خط نفط عبر الأناضول والتي من المقرر أن تحمل  16 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى تركيا وأوروبا، والذي ينظر إليه الاتحاد الأوروبي كعنصر هام للحد من الاعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي  الروسي.

وعلى الرغم من تأثر الأوروبيين، وربما أمن الطاقة العالمي بشكل عام، إلا أنه يجري التأكيد على أن قضايا الطاقة لم تأخذ ذلك الدور الهام في الساحة أو الدراما التركية. لقد تم الإعلان عن إجراء انتخابات عامة في تركيا في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام. المسألة بسيطة جدا، وتتعلق إلى أي مدى سينجح الرئيس «رجب طيب أردوغان» في تحقيق حلمه في إقامة حكومة رئاسية وسلطة تنفيذية على نطاق واسع. هذا وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها حيال القمع الذي تمارسه السلطات التركية ضد وسائل الإعلام المعارضة، والتي تتهمها الحكومة بالتحريض عليها ونشر دعايات كاذبة  وعبر أيضاً عن قلق بلاده من استخدام تركيا العنف والتحقيقات القضائية للحد من حرية التعبير عن الرأي.

وقال الأمين العام لحلف الناتو في 8 أكتوبر/تشرين الأول «جينز ستولنبيرج» على إثر اجتياح طائرتاين روسيتين للمجال الجوي التركي، أنه كان على استعداد لإرسال قوات عسكرية للدفاع عن تركيا ضد التدخل العسكري الروسي. ودعت المفوضية الأوروبية إلى التسريع من المفاوضات. يبدو أن حلفاء تركيا يتعاملون مع قضايا مختلفة كالانتخابات التركية والأزمة السورية والمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي  والدور التركي في أمن الطاقة العالمية كقضايا منفصلة.

إن الانفجار الذي حدث في أنقرة من شأنه أن يذكر العالم و شركات في أذربيجان وبريطانيا والتي تعمل على تطوير مشروع خط أنابيب يعرف باسم ممر الغاز الجنوبي عبر الأراضي التركية أن أمن تركيا هو القضية الأساسية. وأشارت الحكومة التركية بأصابع الاتهام في عمليات القتل الأخيرة في أنقرة إلى حزب العمل الكردستاني.

اضطراب سياسي

منذ عامين، وفي يونيو/حزيران كان هناك وقف إطلاق نار دام لمدة سنتين إلا أنه قد تم خرقه عندما قتل اثنان من رجال الشرطة في الجنوب الشرقي للبلاد. ومنذ ذلك الوقت دخلت الحكومة التركية في حرب مع حزب العمل الكردستاني كما يقول قائد القوات الجوية التركية «عبدين أونال» الذي أكد إن تركيا تشهد حرباً واسعة وتقاتل على جبهتين. هذا ودعت جماعات مدنية إلى التظاهر والقيام باحتجاجات واسعة لمنع انجرار البلاد لحرب أهلية بعد سنين من وقف إطلاق النار بين الجانبين. وبعد مفاوضات طويلة وشاقة بين الحكومة التركية وحزب العمل في الوقت الذي تم فيه اعتقال قائد الحزب «عبد الله أوجلان» الذي كان يقاتل من أجل حصول أكراد تركيا على الاعتراف بهويتم، بينما يمثلون ما بين ربع إلى خمس سكان البلاد.

تحاول تركيا كسر الجمود السياسي بعد الانتخابات الأخيرة. فقد حصل حزب الشعوب الديمقراطي على نسبة 13.1% من أصوات الناخبين مما منع حزب العدالة والتنمية الإسلامي من الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان. وبما أن تركيا تشهد اضطرابا وحربا مفتوحة، فإن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت ستشهد حقا انتخابات حرة ونزيهة. يحتاج حزب الشعوب الديمقراطي 10% من الأصوات لدخول البرلمان، وقد حصل في استطلاع أجراه بنفسه على 13% من الأصوات.

لقد تدهورت مكانة تركيا الاقتصادية كواجهة استثمارية في مجال النفط والكهرباء والغاز الطبيعي بشكل متسارع، خاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها تركيا وفي ظل وجود هجمات عدائية مما يؤثر سلباً على سلامة خطوط الأنابيب في الأناضول ويقلل فرصة أوروبا من الاعتماد على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي. حالة الشغب التي تشهدها البلاد لا تثير قلق أوروبا لوحدها بل روسيا أيضاً، حيث لم تعد قادرة على إبرام اتفاق رسمي يمكنها من بناء خط أنابيب تحت البحر الأسود بسبب وجود حكومة تصريف أعمال في تركيا. ولقد قررت روسيا خفض حجم المشروع المخطط له من 63 مليار متر مكعب إلى 31 مليار مكعب سنويا.

وأما بالنسبة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، فقد حذر «أردوغان» أن الغارات الروسية في المجال الجوي التركي سوف تكلف موسكو خسائر هائلة، خاصة وأن تركيا هي المستورد الأكبر للغاز الطبيعي من روسيا وسوف تخسر موسكو بناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا.

 

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا روسيا أمن الطاقة الانتخابات التركية

تفجير أنقرة يعمق الخلافات مع اقتراب انتخابات صعبة في تركيا

«ستراتفور»: تفجيرات أنقرة تعمق مأزق العدالة والتنمية في تركيا قبيل الانتخابات

ارتفاع ضحايا تفجيري أنقرة إلى 86 قتيلا و186 جريحا

انتقادات تركية لدعاية «بي بي سي» لحزب العمال الكردستاني

الرئيس التركي ونظيره الأمريكي يناقشان في اتصال هاتفي التعاون بشأن سوريا

حركة الخدمة التركية والخطيئة الكارثية

«ستراتفور»: هل يمكن أن نشهد تدخلا بريا تركيا في شمال سوريا؟