هل تنجح جهود التقارب المصري التركي وسط تحولات النظام الإقليمي؟

السبت 3 أبريل 2021 01:49 ص

خلال الشهر الماضي، اتخذت تركيا خطوات لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر.

ومن الغريب أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" قاد هذا الجهد بنفسه. فقد لعب ازدراؤه للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" الدور الأكبر في استمرار الحرب الباردة بين القاهرة وأنقرة منذ خريف عام 2013، عندما نفذ الجيش المصري انقلابا عسكريا ضد "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.

ويمثل "السيسي" نموذجا للحكم العسكري الذي كافح "أردوغان" لإبعاده عن تركيا.

لكن أنقرة أصبحت بمرور الوقت أقل قدرة على التكيف مع التغيرات في الساحة الإقليمية والدولية.

وتشمل هذه التغيرات الآن وصول الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الذي من المحتمل أن يؤدي تركيزه المزدوج على "الناتو" و"حقوق الإنسان" إلى تعقيد العلاقات مع "أردوغان".

ولا يوجد في جعبة الرئيس التركي سوى القليل من الخيارات التي من شأنها أن تتجاوز الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في الداخل أو التطورات على الساحة الخارجية.

ومن هنا جاء التغيير في نبرة أنقرة تجاه القاهرة. ومع ذلك، من غير المرجح أن يتجاوب "السيسي" مع الجهود التركية لتحسين العلاقات.

ومع التعقيدات التي تواجهها أنقرة خارجيا، فإن جهود "أردوغان" لإعادة تنشيط العلاقات الخارجية سينتظرها معركة شاقة.

وكان ادعاء "أردوغان" بأن إسرائيل هي العقل المدبر للانقلاب في مصر قد أدى إلى تحول أنقرة من السياسة القومية إلى واحدة تعتمد على موقف إسلامي شعبوي.

وأدت محاولة الانقلاب ضد حكومة "أردوغان" في 15 يوليو/تموز 2016 إلى تسريع هذا التحول الأيديولوجي من خلال بلورة تصور الرئيس التركي بأن القوى الخارجية كانت مسؤولة عن التحديات الداخلية لحكمه.

وفي الواقع، فإن رفض الولايات المتحدة تسليم "فتح الله جولن" بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، قد تسبب في تدهور العلاقات التركية الأمريكية، وهي العلاقات التي كانت متوترة بالفعل بسبب دعم واشنطن للقوات الكردية في سوريا، ناهيك عن حكومة إقليم كردستان في شمال العراق.

ولكن إذا أدت حملة أنقرة لإلقاء اللوم على صانعي السياسة والأكاديميين الأمريكيين، بمن فيهم "هنري باركي"، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز "وودرو ويلسون" في واشنطن العاصمة، إلى مزيد من تآكل هذه العلاقات، فقد ساعدت "أردوغان" أيضا على ترسيخ قاعدته الشعبية.

ومهد هذا الطريق لإجراء استفتاء في أبريل/نيسان 2017 على تعديلات دستورية عززت سلطة "أردوغان".

ومدعوما بهذا التطور، قدم الرئيس التركي في الأعوام الثلاثة التالية مراجعة طموحة للسياسة الخارجية التركية.

ومع ذلك، فإن سياسته لإبراز القوة الجيوستراتيجية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى تعاني من التوترات التي كافح "أردوغان" لإدارتها أو التغلب عليها.

  • "أردوغان" يعيد النظر في خيارات تركيا

وفي محاولة واضحة لتخفيف حدة هذه التوترات، أعلن "أردوغان" في ديسمبر/كانون الأول 2020 أن تركيا ستسعى إلى علاقات أفضل مع إسرائيل.

وفي حين أن تصريحه أزعج بالتأكيد أنصاره الإسلاميين، فقد أشار إلى نيته بذل جهد أكبر لإعادة تنظيم العلاقات الخارجية لبلاده للخروج من الحالة التي تيمكنها وصفها بـالعزلة الإقليمية".

وهناك حدثان حاسمان دفعا هذه المبادرة.

الأول كان انتخاب "جو بايدن" رئيسا للولايات المتحدة بما يحمله من تصورات سلبية تجاه سياسة "أردوغان".

والحدث الثاني كان اجتماع مجلس التعاون الخليجي في 5 يناير/كانون الثاني 2021 والذي أنهى الحصار المفروض على قطر.

ومن وجهة نظر أنقرة، يشير هذا القرار إلى أن الدوحة قد تقلل من شأن علاقاتها مع تركيا لصالح علاقاتها طويلة الأمد مع جيرانها العرب في الخليج.

كما أن الأزمة الاقتصادية المستمرة في تركيا وتأثيرها على شعبية "أردوغان" وحزبه "العدالة والتنمية"، قدمت المزيد من الحافز للرئيس التركي لإعادة صياغة جدول أعمال سياسته الخارجية لمعالجة أو استباق تغيرات في الخريطة الإقليمية والعالمية قد تترك تركيا معزولة دبلوماسيا.

وظهرت فرصة إطلاق هذه المبادرة بشكل غير متوقع في فبراير/شباط 2020، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن مناقصة للبحث عن الطاقة الهيدروكربونية راعت فيها حدود الجرف القاري لتركيا.

واغتناما لهذه الفرصة، طرح المسؤولون الأتراك فكرة أن القاهرة وأنقرة قد تفكران الآن في إجراء محادثات حول الصراع الحدودي، وربما قضايا أخرى.

وكان "أردوغان" نفسه هو الذي قاد هذه الدفعة للمحادثات.

وأعلن المتحدث الرسمي باسمه في 7 مارس/آذار أنه "يمكن فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع مصر ودول الخليج الأخرى للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين".

وبدا البيان وكأنه يُظهر رغبة أنقرة في الاستفادة من الفرص الناشئة لإعادة صياغة علاقاتها الخارجية مع الدول الإقليمية التي كانت على خلاف معها، بدءا من مصر.

واتخذت الحكومة التركية في الأيام التالية عدة خطوات كان من الواضح أنها تهدف إلى الإشارة إلى أن أنقرة جادة في مساعيها تجاه مصر.

وتضمن ذلك توجيهات لـ 3 شبكات تلفزيونية معارضة تبث من تركيا للتخفيف من حدة انتقاداتها للحكومة المصرية. 

  • استجابة حذرة من القاهرة

واتسمت ردود الفعل المصرية بالحذر، فلم تسارع القاهرة بالاستجابة على الفور لمحاولة "أردوغان" الذكية لجر مصر إلى المحادثات.

وبالفعل، في الأيام التي تلت ذلك، بدا وزير الخارجية المصري، "سامح شكري"، متشددا، وأصر على أنه "لا يوجد اتصال خارج الإطار الدبلوماسي العادي. وإذا اتخذت تركيا إجراءات حقيقية للتوافق مع المبادئ والأهداف المصرية، فسيتم وضع الأساس لعودة العلاقات إلى طبيعتها".

ومع ذلك، قد يكون لدى "السيسي" أسبابه الخاصة للنظر في مبادرة تركيا.

فقد أثبتت الأيام أن السياسة الخارجية لمصر كانت مقيدة إلى حد كبير.

ونظرا لافتقار "السيسي" لمزايا الموارد النفطية وحقيقة أن الجيش المصري مشغول بإنتاج السلع الاستهلاكية لدرجة تجعله غير قادر على خوض حروب كبرى، لم يكن لدى "السيسي" خيار كبير في أعقاب انقلاب 2013 سوى اللجوء إلى الرياض وأبوظبي للحصول على إعانات مالية.

وقد أدى ذلك إلى دفع مصر تصبح تابع بدلا من رائد في السياسة الإقليمية.

وقد أدى القرار السعودي برفع الحصار عن قطر إلى شعور القاهرة بالتهميش، كما أن اتفاقات التطبيع العربية مع إسرائيل أضافت إلى شعور مصر بالتهميش.

ومع توافد الإسرائيليين على الإمارات للاستمتاع بالشواطئ وإقامة عدد لا يحصى من المشاريع التجارية المشتركة، وجدت القاهرة نفسها مرة أخرى في مكان متأخر.

ولمزيد من الألم للقاهرة، اقترح "أردوغان" أن تسعى تركيا إلى علاقات أكثر دفئا مع إسرائيل. فقيام المنافس الإقليمي الأكثر صخبا لـ "السيسي" بالإعلان عن هذا قبل أسابيع فقط من رفع الحصار المفروض على قطر، أوجد شعورا بعزلة الرئيس المصري.

وفي ظل هذه الظروف، قد تكتشف مصر أنه سيكون من الأفضل لها التجاوب بدلا من رفض الانفتاح على مبادرة "أردوغان".

وقد يكون هناك فائدة كبيرة من ذلك، خاصة بالنظر إلى حقيقة أن القاهرة لم يعد لديها صديق في البيت الأبيض مستعد للترحيب بـ "السيسي" بأذرع مفتوحة.

ومع إصرار إدارة "بايدن" على أن تتصدى مصر لانتهاكاتها الهائلة لحقوق الإنسان، تحتاج القاهرة إلى توسيع مجال المناورة الدبلوماسية بقدر ما تحتاجه أنقرة، إن لم يكن أكثر.

باختصار، قد يكون لدى تركيا ومصر مصلحة مشتركة في الابتعاد عن السياسات الخارجية التي طورها كلا الزعيمين، حتى وإن كانت التكاليف كبيرة.

  • الطريق الصعب للمصالحة

ولا ينبغي لأحد أن يقلل من قدرة "أردوغان" على إدارة التحديات التي تواجه النفوذ التركي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها.

ويظهر انفتاح "أردوغان" على القاهرة أنه مستعد لإخضاع رغباته لمنطق السياسة الواقعية إذا كان ذلك سيفتح له مجالا للمناورة الدبلوماسية.

وبالرغم من ذلك، سيكون من الصعب بالنسبة لـ "السيسي" و"أردوغان"، تقديم التنازلات الرمزية والموضوعية اللازمة لتحريك المياه الراكدة بعد 8 أعوام من الصراع.

ومع ذلك فإن المحادثات المصرية التركية قد تضمن علي الأقل تخفيف التوترات في العديد من المجالات، بما في ذلك شرق البحر المتوسط وليبيا.

وقد يكون هذا سببا كافيا لأوروبا والولايات المتحدة لدعم المحادثات المصرية التركية، خاصة إذا أظهرت روسيا والصين، كما هو مرجح جدا، رغبة في دعم جهود تركيا ومصر لإيجاد أرضية مشتركة.

المصدر | دانييل برومبرج/المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية التركية المحادثات المصرية التركية مبادرة أردوغان دعوات المصالحة شرق المتوسط أردوغان مصالحة السيسي

لوفيجارو: 4 أسباب وراء كسر تركيا لجليد العلاقات مع مصر

المفاوضات البحرية بين مصر وتركيا.. مناورة تكتيكية أم استراتيجية شاملة؟

مصر تثني على التصريحات والمجاملات التركية