استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الديمقراطية في غياب الدولة

الاثنين 19 أكتوبر 2015 03:10 ص

بدأ الحديث يزيد، في السنوات الأخيرة، عن أزمة الدولة العربية، والمشكلة المتعلقة ببُنيَتِها وشرعيتها وهويتها، ضمن النقاشات الفكرية والثقافية العربية، بسبب ما يجري في منطقتنا من أحداث، نتجت عن انفجار هذه الدولة وتحللها في بعض البلدان، أو على الأقل، تآكل شرعيتها في بلدان أخرى.

لا بد من التذكير بأن عدداً لا بأس به من المفكرين العرب تحدثوا عن أزمة الدولة العربية، قبل هذه الأحداث، وقد كانت هشاشة هذه الدولة موضوعاً للبحث والدراسة، وتأرجحت النظريات بين عامل الثقافة السياسية والعوامل الاقتصادية المرتبطة بأنماط الإنتاج، لكن المهم أن هذه الهشاشة ظلت من أهم عوائق التحول الديمقراطي، على امتداد الوطن العربي. 

لم تنجح الدولة العربية الحديثة في التحول من السيطرة على مجال جغرافي محدد، عبر القوة الأمنية، إلى الهيمنة على هذا المجال، عبر شتى أنواع الشرعية التي تؤكد تَجَذُّر هذه الدولة في حياة الناس ومصائرهم، إذ ظلت سلطة الدولة شخصية وعائلية، أكثر من كونها مؤسساتية. ويعزو «هشام شرابي» ذلك إلى الثقافة السياسية التي تلعب دوراً رئيساً في تشكيل «الأبوية الجديدة»، وهي تمثل امتداداً للتشكيلة القَبَليَّة القديمة، بمفاهيمها حول الولاء للجماعة، وهو يؤكد أن الفرد العربي يضيع إذا انفصل عن جماعته الأولية (العشيرة، الطائفة)، وأن الدولة العربية الحديثة ليست عاجزة عن استبدال هذه الجماعات الأولية، بالنسبة للفرد فحسب، بل إن الفرد ينظر إلى هذه الدولة بوصفها مصدراً للقمع والاضطهاد، وقيم الولاء عنده محصورة بجماعته الصغيرة، ولا تمتد إلى المجتمع الأوسع. 

يشير «شرابي»، وغيره من المثقفين، إلى أن الحداثة في الدولة العربية كانت مجرد تحديث للبنى الأبوية التقليدية نفسها، لكن هذا النقد للثقافة التي أنتجت بنية الدولة العربية الحديثة يبدو مُبَالِغَاً بعض الشيء في تحميل الثقافة ما لا تحتمل، إذ إنه أحياناً يجنح إلى الحديث عن خصائص جوهرية ثابتة في الثقافة، وهو أمر غير دقيق، ولا يراعي الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تغيّر هذه الثقافة، وتعيد تكييفها، ولا ينتبه إلى أن هذه البنى الأبوية تعززت بفعل غياب التطور الحداثي المرتبط بتفاعلات اجتماعية أصيلة، وأن الحداثة في هياكل الدولة وأجهزتها، وحتى في نمط الإنتاج الرأسمالي، مستوردة ودخيلة، وأن وجهاء بورجوازيين وإقطاعيين كثيرين تم إنتاجهم على يد الاستعمار، وهذا كله جعل الدولة العربية الحديثة تمثل خليطاً عجيباً بين الحداثة والبُنَى التقليدية، فيتجاور النمط الرأسمالي للإنتاج، مع أنماط إنتاج ما قبل رأسمالية، رعوية وزراعية/عائلية، وتتجاور الأحزاب الحداثية مع التشكيلات الطائفية والقبلية، جنباً إلى جنب، ما يدل على تشوّه تطبيق الحداثة عربياً. 

الدولة الهشَّة، والتي لم يكتمل نموها الحداثي، هي عمق الأزمة التي نعانيها اليوم، في الوطن العربي، فقد ثبت في عدة مراحل، آخرها ما يحصل من حروب أهلية واسعة، أن الانتماء لهويات الطوائف والعشائر، أقوى بكثير من الانتماء لهوية الدولة، وأن الضعف المؤسساتي للدولة، وعدم قدرتها على تقديم هوية وطنية جامعة، أسهم في تعزيز قوة الجماعات الأولية في المجال العام، وهو ما يجعل تطبيق الديمقراطية أمراً صعباً للغاية. 

تحتاج الديمقراطية إلى أرضية صلبة تقوم عليها، تتمثل بوجود إجماع وطني على هوية وطنية، ووجود جماعة وطنية موحدة، تسعى الأطراف المتنافسة ديمقراطياً لتمثيلها، وتحقيق مصالحها، وبِتَكَوُّن مؤسسات تعبر عن هذه الجماعة، وتحتضن الصراع السياسي وتتحمله، وتمنع تحويله إلى احترابٍ أهلي في الشارع، وهو ما غاب عن تجارب التحول الديمقراطي في أكثر من بلد عربي. في العراق، دمَّر الاحتلال الدولة ومؤسساتها، وجاء صندوق الاقتراع ليكون شاهداً على مظاهر الديمقراطية في غياب الدولة والإجماع الوطني، حيث تنتخب كل طائفة ممثليها، في إطار صراع هويات، ينتقل مباشرة إلى الشارع. 

في ليبيا، مثَّلَت الانتخابات بعد إسقاط القذافي مشهداً هزلياً، فقد جرت في ظل دولة ضعيفة، ومليشيات مسيطرة، يمكنها خطف الحكومة ورئيسها، أو محاصرة وزارة وفرض شروطها عليها، ما يعني ألا وجود لدولةٍ يمكن إدارتها بعملية ديمقراطية، ولا لجماعة وطنية ذات هويةٍ يجري التنافس داخلها. يظل لبنان شاهداً تاريخياً على ضعف الدولة والديمقراطية، في مقابل قوة الطوائف وسطوتها. وحتى في مصر، لم تتمكن العملية السياسية من تحمّل الصراع الحاد الذي تمظهر صراعاً هوياتياً بين الإسلاميين والعلمانيين. 

لا يمكن للديمقراطية أن تنمو في غياب دولة حديثة مكتملة الأركان، تحتكر العنف، وتهيمن بمصادر شرعيتها، وتحتضن الأطراف المختلفة في مؤسسات قوية، وتعبر عن المواطنين جميعاً بهوية جامعة. إعاقة التحول الديمقراطي عربياً مرتبطة بعدم اكتمال الحداثة في الدولة العربية، وكذلك، بتقديم حلول من نوع طلب التدخلات الخارجية التي تزيد الانقسامات الاجتماعية، وتعيق أي إمكانية لتوافقات أساسية تبني الديمقراطية. 

من دون دولةٍ قوية، لا يمكن بناء ديمقراطية، فالمسألة لا تُختزل باحتفالات كرنفالية أمام صناديق الاقتراع، وإنما تحتاج مؤسسات حديثة، ما يعني ضرورة بذل الجهد، لإعادة بناء الدولة العربية، وشرعيتها، على أسس جديدة، والدفع قدماً نحو إكمال مسيرة التحديث، واحتواء المكونات الاجتماعية العربية كلها، ضمن هذا المشروع.

  كلمات مفتاحية

الديمقراطية أزمة الدولة العربية الثقافة السياسية الوطن العربي الدول العربية

المهمّشون في معارك الدولة العربية

لنقود إيران إلى حارة ضيقة اسمها الديموقراطية

«نيويورك تايمز»: واشنطن خذلت الداعين إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين

الدولة العربية .. من منطق «النظام» إلى منطق «الدولة»

إنها الديموقراطية... لا الإسلام السياسي

صراعات النخب وتأسيس الديمقراطية