جيوبوليتكال: الأردن على مفترق طرق.. وبقاؤه مرهون بتماسك العائلة المالكة

الجمعة 9 أبريل 2021 11:10 م

يحتفل الأردن بالذكرى المئوية لتأسيسه في 11 أبريل/نيسان، ويتزامن هذا الحدث الهام مع الخلاف الذي ظهر خلال الأيام الماضية داخل النظام الملكي الهاشمي.

لقد نجا النظام الملكي من محاولة اغتيال الملك "عبدالله الأول" عام 1951، ومحاولة الانقلاب القومي العربي عام 1957، وزوال أبناء عمومته الهاشميين في العراق عام 1958، وخسارة الضفة الغربية عام 1967، والانتفاضات العربية عام 2011. ولكن هذه المرة مختلفة؛ حيث أنها تكشف تحلل النظام السياسي للهاشميين.

وتأتي الخلافات الحالية مع تصاعد المطالب المحلية من أجل الديمقراطية والشفافية والإصلاحات الاقتصادية؛ بالإضافة إلى تزايد الضغط الإقليمي للقبول بصفقة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وينبع الخلاف الحالي من عداء بين اثنين من أفراد العائلة المالكة الهاشمية، الملك "عبدالله الثاني" وأخيه غير الشقيق الأمير "حمزة"، ولي العهد السابق. والأمر لا يتعلق بمواجهة مؤامرة خارجية كما جادل الأول، أو محاربة الفساد والاختلاس وتقييد الحريات السياسية كما يجادل الأخير، ولكن الأمر يتعلق بالتنافس على الهيمنة السياسية والمزايا الاقتصادية.

تاريخياً، يدين ملوك الأردن بالكثير لعشائر البلاد التي انضمت إلى "حسين بن علي" في تمرده ضد الإمبراطورية العثمانية عام 1916. وفي عام 1957، أوقفت وحدات البدو من الجيش الأردني محاولة الانقلاب التي قامت بها الوحدات الفلسطينية من الجيش.

وحتى يومنا هذا، ما يزال الهاشميون متشككين من الفلسطينيين الذين يشكلون ما يقرب من 70% من سكان الأردن، ويعتمد الهاشميون بشكل كبير على الدعم العشائري. (تسيطر مجموعات صغيرة من الأقليات الشيشانية والشركسية على أجهزة المخابرات وحراس القصر).

لم يتجه أسلاف "عبدالله الثاني" إلى تركيز سلطة الدولة بشكل مطلق؛ وبدلاً من ذلك، اشتروا ولاء العشائر عن طريق السماح لهم بتطبيق قوانينهم العشائرية في الأمور المدنية والجنائية. ونجح هذا الترتيب حتى بدأ الملك الحالي في الاعتماد بشكل أكبر على القوات المسلحة للحفاظ على القانون والنظام.

من جانبهم، أظهر الهاشميون درجة من الوحدة دائما، وعادة ما قدموا أنفسهم للشعب الأردني كعائلة حاكمة متماسكة.

قبل وفاته بقليل، في عام 1999، سحب الملك "حسين" لقب ولي العهد من شقيقه "الحسن"، الذي احتفظ بها لمدة 34 عامًا، وأعطاه لابنه "عبدالله الثاني"، وعيّن الأخير أخاه غير الشقيق "حمزة" ولياً للعهد، لكنه سحب اللقب منه بعد 5 سنوات وأعطاه لابنه "حسين".

لم ينتقد "الحسن" ولا "حمزة" علانية الإطاحة بهم، واختاروا بدلاً من ذلك الحفاظ على وضع الأسرة أولاً.

ولكن الأمر اختلف خلال الأيام الماضية، حيث اعتقلت الحكومة 18 شخصا يُزعم أنهم كانوا يخططون لانقلاب بقيادة "حمزة" وبدعم من الخارج. وبحسب ما ورد، جاءت الاعتقالات نتيجة تحقيق موسع أجراه جهاز المخابرات وقوى الأمن الداخلي.

ونفى "حمزة" الذي يخضع للإقامة الجبرية ارتكاب أي مخالفات، وانتقد عجز الحكومة عن الحكم وفسادها وعدم كفاءتها. ورفضت الملكة "نور" والدة "حمزة"، المولودة في الولايات المتحدة، الاتهامات ووصفتها بأنها "مزاعم لا أساس لها".

لطالما كانت هناك توترات بين "عبدالله" و"حمزة"، ومن المؤكد أن الأخير لا يثق بالملك الذي عزله من ولاية العهد، لكن الاختلافات بينهما أكثر جوهرية.

يعتمد "عبدالله"، ذو العقلية العلمانية، المولود لأم بريطانية ولغته الأم هي الإنجليزية، على زوجته الفلسطينية القوية في الظهور العام. في المقابل، يتكلم "حمزة" اللغة العربية بطلاقة، وله زوجة من شرق الأردن، ويفهم الثقافة البدوية، ويقدم نفسه على أنه رجل محافظ، كما أنه يظهر سلوكًا كاريزماتيًا يحبه رؤساء العشائر والمؤسسات الأمنية التي يغلب حضور البدو فيها.

لا يمكن لـ"حمزة" أن يطيح بـ"عبدالله" بالطبع؛ لأنه لا يمتلك نفوذا على الجيش أو أجهزة المخابرات القوية. ومع ذلك، فإن صعود مثل هذه الشخصية المعارضة البارزة يشكل تهديدًا للملك.

وفي بلد يعد فيه أفراد العائلة المالكة فوق النقد العام، لم تستطع وسائل الإعلام المحلية تجنب الإشارة إلى ظهور "حمزة" في العلن والإشادة (الخجولة) بحماسته وإيثاره دون الحكم على نواياه.

وقد أدى انتقاد "حمزة" لقمع حرية التعبير، والفساد المستشري، وتبديد الأموال العامة، إلى جعله مشتبهًا فيه بالتآمر والتعاون مع دول أجنبية، في إشارة مستترة إلى إسرائيل والسعودية والإمارات.

وبصرف النظر عن التعبير الروتيني للتضامن مع العاهل الأردني، فإن زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان" إلى عمّان، فور الانقسام بين "عبدالله" و"حمزة"، تشهد على البعد الإقليمي للأزمة الهاشمية.

وتأتي الأزمة الحالية وسط وضع اقتصادي شديد الصعوبة، فقد بلغ متوسط ​​دخل الفرد في عام 2019 حوالي 4400 دولار سنويا، وتجاوز معدل البطالة نسبة الـ 30%، وفاقمت جائحة "كورونا" من معاناة الأشخاص الذين يخضعون بالفعل لضرائب باهظة. ويتناقض الإنفاق الملكي الباهظ مع أوضاع سكان الأردن، الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.

على سبيل المثال، أنفقت الملكة "رانيا" مئات الملايين من الدولارات على خزانة ملابسها. وفي محاولة لنفي الاتهامات، قالت إن فساتينها هدايا أو تم شراؤها بسعر مخفض، ولكن هذا التصريح لم يكن مقنعا لرعاياها.

وقال عضو سابق في إدارة الشؤون المالية بالديوان الملكي إن الملكة تنفق مليوني دولار كل عام على الأحذية والحقائب. وأضاف أن الملك يكسب أكثر من ملياري دولار سنويًا من استثماراته في الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة.

ومن الطبيعي أن يركز "حمزة" على هذا الجانب من البذخ والإسراف. وفي غضون ذلك، بدأ يتحدث أكثر مع العشائر القيادية التي تهيمن على جهاز الأمن، والتي بدون ولائها لا يستطيع الملك تأمين نظامه.

ويرجح أن هذا السلوك هو الذي دفع "عبدالله" إلى التصرف بشكل استباقي. ومنذ ذلك الحين تراجع "حمزة" إلى الوراء إلى حد ما، وطلب من عمه الأمير "الحسن" نزع فتيل الأزمة العائلية. ومن المفترض أن "حمزة" وقع خطابًا يتعهد فيه بالولاء للملك وولي العهد، بما في ذلك عبارة عن العمل لصالح الشعب الأردني.

وبالرغم من ذلك فإن الأزمة لم تنته بعد، فقد أوضح "حمزة" أنه موجود في منزل عمه، ما يعني أنه لن يلتزم بقرار الملك بوضعه قيد الإقامة الجبرية.

لا توجد طريقة سهلة لمحاربة الفساد في الأردن، خاصة بين البدو الذين يشكلون قاعدة دعم "حمزة". إنهم معزولون إلى حد ما عن اللوم؛ لأن العديد من المسؤولين يشاركونهم علاقات الدم والزواج. ويرفع "حمزة" صوته بمحاربة الفساد، وهو يعلم أن القيام بذلك يتجاوز قدراته وكاريزمته.

وقد ترعرع الفساد بفضل البنود الدستورية التي تمنح رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء حصانة من الملاحقة القضائية. كما يسمح القانون لأعضاء البرلمان بممارسة الأعمال التجارية كشركاء تجاريين. وعمليا، فإن المؤسسات السياسية في الأردن تعمل كنافذة تجارية أكثر من كونها هيئات للعمل العام.

وفضلا عن ذلك، فإن الأردن لا يدعم الحياة السياسية الحقيقية بالرغم أنه يعترف بنحو 30 حزباً سياسياً؛ لأن ملكيته المطلقة لا تتسامح مع المعارضة. بينما يلعب الجيش والمخابرات دورا حاسما في تماسك واستقرار النظام.

دعم الإخوان المسلمون خلال معظم فترة حكم الملك "حسين" (1952-1999)، الهاشميين دعمًا كاملاً، وكان المعلقون يصفونها غالبًا بالمعارضة الموالية. ومع تصاعد الانتفاضات العربية، ازداد القمع واعتقلت الحكومة العديد من الناشطين وأجهضت مطالب تحويل المملكة إلى ملكية دستورية.

ومن غير المحتمل أن تكون مبادئ "حمزة" هي القوة الدافعة وراء معارضته لـ"عبدالله"، فهو يفهم طريقة عمل المجتمع الأردني ويعرف مدى استقطاب البلاد. وبالرغم من أنه قد يكون صادقًا في دعواته للإصلاحات، فلا شك أنه يريد المشاركة السياسية المباشرة في السياسة الأردنية.

تعد خيارات "عبدالله" في التعامل مع "حمزة" محدودة؛ لأنه يعارض ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي ستدمر الملكية الهاشمية لتتحول إلى دولة فلسطينية. وقد استغل السعوديون، الحريصون على إتمام الصفقة، ضعف الاقتصاد الأردني وتدني الرواتب العسكرية لشراء بعض الأردنيين.

إن بقاء الأردن على المحك، ومفتاح الحفاظ عليه هو التماسك الملكي، والكرة الآن في ملعب "عبدالله".

المصدر | هلال خاشان/ جيبوليتكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأردن العائلة الهاشمية الأمير حمزة الحسين بن طلال الملك عبدالله الثاني

واشنطن: بايدن أكد لملك الأردن دعم بلاده لحل الدولتين

تليجراف: الغرب لا يحتمل اندلاع ثورة بالأردن بسبب خلافات الأسرة الحاكمة

صحيفة أمريكية: حساسية هائلة في الأردن تجاه تناول أزمة الأمير حمزة

صراع القصر الأردني.. من انقلب على من: الأمير حمزة أم الملك عبدالله؟