رغم الآمال.. حكومة الوحدة الليبية تكافح في بحر من التعقيدات

الثلاثاء 13 أبريل 2021 05:17 ص

على مدار أعوام، عانت ليبيا من العنف وعدم الاستقرار.

وفي الآونة الأخيرة، وافق المندوبون الليبيون في مؤتمر في جنيف على إعادة تشكيل كيانين، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.

وأصبح هذا ممكنا بعد عدة جولات من المحادثات التي استمرت شهورا في إطار منتدى الحوار السياسي الليبي الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة.

ويرى المحللون في هذا التطور تقدما كبيرا وعلامة أمل في السلام والاستقرار السياسي في بلد مزقته الصراعات والاضطرابات السياسية التي تفاقمت بسبب دور اللاعبين الدوليين.

ويتشكل المجلس الرئاسي من 3 أشخاص، يمثل كل منهم إحدى المناطق الرئيسية في ليبيا، وهم "محمد المنفي" رئيسا، و"موسى الكوني" و"عبد الله اللافي" نائبين.

ويتمثل دور المجلس بالإضافة إلى قيادة القوات المسلحة، في ضمان إجراء الانتخابات العامة في البلاد في موعدها.

وتتألف حكومة الوحدة الوطنية من 35 وزيرا، ويتولى "عبدالحميد الدبيبة" رئاسة الوزراء. ولدى الحكومة تفويض تنفيذي وتم تكليفها بتحسين الخدمات العامة وتمهيد الطريق للانتخابات الرئاسية والتشريعية بحلول ديسمبر/كانون الأول 2021.

وتعهد "الدبيبة" بتوحيد مؤسسات الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها.

ومع ذلك، تهمل الحكومة المؤقتة ذكر العديد من القضايا الحاسمة، بما في ذلك وجود القوات الأجنبية والأسلحة على الأراضي الليبية، والقضية الشائكة حول الميليشيات المحلية، والوضع الاقتصادي المتدهور، وعملية المصالحة بين الفصائل المتحاربة.

  • التدخل الأجنبي في ليبيا ما بعد الصراع

ويوجد نحو 20 ألف مقاتل أجنبي على الأراضي الليبية، ما يشكل أحد أكبر التهديدات لأمن البلاد.

وكان على جميع القوات الأجنبية مغادرة ليبيا قبل يناير/كانون الثاني 2021، وفقا لاتفاقية "جنيف" لوقف إطلاق النار.

ومع ذلك، لم يتم الوفاء بهذا الاتفاق ولم ينته وجود القوات الأجنبية في ليبيا.

وتمتلك العديد من الدول مقاتلين وقواعد عسكرية في عدد من المواقع في ليبيا، وبالتالي فإن لها مصلحة في استعادة السلام والمفاوضات.

وعلى ما يبدو، هناك إجماع دولي على ضرورة إنهاء الوجود الأجنبي في البلاد وتجنب تكرار النزاع المسلح.

ومع ذلك، لا توجد مؤشرات أو تحركات حقيقية من قبل دول مثل روسيا وتركيا والإمارات، تثبت استعدادها للانسحاب في أي وقت قريب.

ويمكن للضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة واللاعبون الآخرون (بما في ذلك روسيا وتركيا وفرنسا) على المسؤولين الليبيين أن يساعد في دعم السلام والاستقرار في البلاد. لكنهم لن يدعموا ذلك إلا إذا كانت مصالحهم مضمونة.

وتهتم بعض دول الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي بتأمين مصالحها في حصص الموارد الهيدروكربونية والنفطية في ليبيا.

ويعد التحكم في الهجرة عبر طريق وسط البحر الأبيض المتوسط أمرا مهما آخر لهذه البلدان.

ويسعى لاعبون آخرون، مثل روسيا والإمارات، إلى وجود استراتيجي في البحر الأبيض المتوسط ​​من خلال نفوذهم العسكري في ليبيا.

ودقت القيادة الأمريكية في أفريقيا بالفعل ناقوس الخطر بشأن تداعيات الوجود الروسي في مواقع استراتيجية في ليبيا. وتبقى المشاركة في عملية إعادة الإعمار وتأمين العقود مصدر قلق آخر لبعض البلدان.

الجماعات المسلحة والميليشيات

وكانت الجماعات المسلحة جزءا من عدم الاستقرار في ليبيا منذ انهيار نظام "القذافي" في عام 2011.

ولم يتم صياغة حلول مستدامة في العقد الماضي، وتطورت طبيعة الميليشيات وتغيرت.

وتتألف اللجنة العسكرية المشتركة، المعروفة أيضا باسم لجنة "5 + 5"، من 5 ممثلين لكل من الطرفين المتحاربين الرئيسيين في الصراع الليبي الأخير، حكومة الوفاق الوطني السابقة وقوات الجنرال "خليفة حفتر". وتم إنشاء اللجنة بعد اجتماع برلين عام 2020، وكُلفت بتوحيد الجيش وتحديد الميليشيات والجماعات التي ستصبح جزءا من الجيش والجماعات التي سيتم استبعادها. لكن مع النقص الواضح في الدعم السياسي من كلا الجانبين، فإن التوقعات من هذه الاجتماعات لم تكن عالية. ويظل توحيد القوات المسلحة مهمة صعبة، لذلك تقرر استكمالها في وقت لاحق.

والتحدي الآخر الذي تواجهه الحكومة المؤقتة هو كيفية تمثيل المجموعات المختلفة في النظام الجديد بطريقة مرضية للجميع. وقد تم زيادة عدد أعضاء مجلس الوزراء في الحكومة المؤقتة إلى 35 وزيرا، بالرغم أنها ستعمل فقط حتى ديسمبر/كانون الأول. وقرر رئيس الوزراء "الدبيبة" عدم تعيين وزير للدفاع وتولى هذا المنصب بنفسه، والسبب الرئيسي هو تجنب أي منافسة محتملة على هذا المنصب الرئيسي.

ومن ناحية أخرى، يتحقق التوازن في حكومة الوحدة الوطنية من خلال القبائل أو المدن التي تنتمي إليها الجماعات المسلحة الكبيرة المؤثرة. على سبيل المثال، ينحدر "عبد الله اللافي"، نائب رئيس المجلس الرئاسي، من مدينة الزاوية، و"الدبيبة" من مصراتة. 

وليس من المؤكد بعد ما إذا كان مثل هذا الترتيب سيكون كافيا لإرضاء الجماعات المسلحة، وما إذا كانت مصالح السياسيين ستتطابق مع قاتل المقاتلون من أجله. وحتى الآن، لا توجد مؤشرات على سيطرة الحكومة على الجماعات المسلحة.

وفي طرابلس، على سبيل المثال، عرض الرئيس السابق لحكومة الوفاق الوطني، "فايز السراج"، قبل ترك منصبه، تفويضات وميزانيات لبعض الجماعات المسلحة، مثل قوات الردع الخاصة، لتكون جزءا من جهاز دعم استقرار الأمن الوطني، بالرغم من أدلة تشير إلى تورطها في أنشطة غير مشروعة.

وفي بنغازي، بعد أسابيع قليلة من وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة، تم اغتيال "محمود الورفلي"، القيادي البارز الموالي لـ "حفتر" في قوات الصاعقة. بالإضافة إلى ذلك، وقعت عدة اشتباكات وعمليات اختطاف في نفس المدينة الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني الليبي". وبعد وقت قصير من اغتيال "الورفلي"، وفي استعراض للقوة، أجرى "خالد حفتر" تدريبا تكتيكيا للواء 106، الجماعة المسلحة التي يقودها داخل "الجيش الوطني الليبي". وقد حضر الاستعراض "خليفة حفتر"، والد "خالد".

وكان من المعلوم أن حالة من التوتر سادت بين "الورفلي" و"خالد حفتر". وفي الواقع، هناك تكهنات بشأن منافسة محتملة بين الفصيلين للسيطرة على ثاني أكبر مدينة ليبية.

ولا يزال مصير "خليفة حفتر" في مستقبل ليبيا غير محدد. وبعد أن أصبح رئيسا للمجلس الرئاسي، التقى "المنفي" بـ "حفتر"، ما أدى إلى حالة من الجدل، لما قد يمثله هذا الاجتماع من إضفاء للشرعية على زعيم كان دوره مثيرا للجدل بطريقة كبيرة.

وزار رئيس المجلس 3 دول ذات مصالح متضاربة في المنطقة. وذهب إلى مصر وفرنسا وتركيا في محاولة لتعزيز العلاقات، فيما يمكن اعتباره حقبة جديدة من العلاقات المتوازنة مع جميع الجهات الخارجية.

عقبات في طريق الانتخابات

ومن أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة، من الضروري أن يكون هناك جو مستقر وآمن حتى يدلي الناخبون بأصواتهم دون خوف وحتى يثق جميع أصحاب المصلحة في العملية الانتخابية وبالتالي يلتزمون بقبول النتائج.

وبالنظر إلى الوضع غير المستقر في ليبيا، سيكون إجراء انتخابات حرة ونزيهة أمرا صعبا. علاوة على ذلك، فإن الإطار الزمني المتفق عليه في الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة ضيق نسبيا بسبب التحديات العديدة التي تواجهها الحكومة الجديدة.

ويعني إجراء الانتخابات وفقا لهذا الإطار الزمني أنه يجب الانتهاء من جميع الاستعدادات في غضون أقل من عام. وانقضت بالفعل 3 أشهر ولم يوافق البرلمان بعد على الميزانية.

ووفقا لمعايير منتدى الحوار الوطني، لا يحق لأعضاء الحكومة المؤقتة الترشح للانتخابات المقبلة.

وقد يدفع هذا البعض في حكومة "الدبيبة" إلى تأجيل الانتخابات من أجل البقاء في السلطة لفترة أطول. وفي الواقع، فإن تجاوز مدة الولاية المنصوص عليها قانونا ليس بالأمر الجديد في ليبيا.

  • التحديات الاقتصادية

وعلق الشعب الليبي آماله على الحكومة المؤقتة الجديدة. ومع ذلك، هناك العديد من التحديات الاقتصادية المقبلة.

ووفقا للأمم المتحدة، يوجد أكثر من 100 ألف نازح و61 ألف عائد في حاجة ماسة للخدمات العامة والمساعدات الإنسانية. ويعتبر نظام الرعاية الصحية في البلاد على وشك الانهيار لا سيما في المناطق الريفية.

ويمكن أن يؤدي الوباء الحالي إلى تفاقم هذا الأمر.

وتأثر توليد الكهرباء سلبا، وأصبح الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي أمرا شائعا، خاصة خلال فصل الصيف عندما تكون هناك حاجة ماسة إلى الكهرباء.

ومن المفترض أن تخصص الميزانية الجديدة أموالا كثيرة لإعادة تأهيل قطاع النفط الذي كان تاريخيا الدعامة الأساسية للاقتصاد الليبي.

ومن المتوقع أن يصدر القطاع أكثر من مليون برميل نفط في اليوم. وبالأسعار الجارية، سيوفر ذلك ما يقرب من 20 مليار دولار لاقتصاد البلاد.

وتعاني الخزانة الليبية من نقص في السيولة بسبب الأزمات المالية وانقسام مصرف ليبيا المركزي.

وفي الوقت الحاضر، يواجه الناس صعوبة بالغة في سحب رواتبهم.

واعتبرت الحكومة الحالية أن مصرف ليبيا المركزي موحد بالفعل، بالرغم من عدم وجود دلائل على الوحدة الكاملة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، عقد مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي أول اجتماع له مع جميع الأعضاء منذ عام 2016، عندما انقسمت المؤسسة بين شرق وغرب البلاد.

وقد أدى الاجتماع إلى تغيير سعر صرف الدينار، وكانت هذه خطوة حاسمة لكنها لم تسفر عن أي نتائج بعد من حيث تكاليف المعيشة أو أسعار الخدمات أو معدل التضخم.

ولكي يكون التوحيد فعالا بشكل كامل، من المهم أن يتم عقد اجتماعات أكثر تواترا بين أعضاء مجلس الإدارة في المقر الرئيسي للبنك في طرابلس. وقد يؤدي ذلك بعض النتائج الملموسة.

  • ما الذي قد يحمله المستقبل؟

وتعد الحكومة المؤقتة نوعا من التحالف المتوازن، وبالتالي لديها القدرة على إخراج البلاد من الاضطرابات السياسية الحالية.

ومع ذلك، هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها. ومن الواضح أن القوى الأجنبية سيكون لها دور في حل الصراع وكذلك في عملية ما بعد الصراع.

وطالما كان القادة الليبيون قادرين على تلبية الحد الأدنى من مصالح جميع أصحاب المصلحة، المحليين والدوليين، فإن هناك فرصة للسلام وتجنب النزاعات في المستقبل.

وهناك قاسم مشترك مهم للغاية بين الأعضاء الحاليين في الحكومة المؤقتة، وهو أن معظمهم لم يشاركوا بشكل مباشر في الصراع الليبي خلال الأعوام الـ 6 الماضية على الأقل. ومن الواضح أن هذه نقطة إيجابية حيث تنظر المجموعات المختلفة إلى هذه الوجوه على أنها محايدة.

ويبقى توحيد الجيش مهمة شاقة وقد لا تكون سلسة. ولهذه السبب، ستحدد نتائج اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة مستقبل المشهد السياسي الليبي.

المصدر | المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحكومة الليبية الموحدة عبد الحميد الدبيبة محمد المنفي خليفة حفتر حكومة الوحدة الليبية

وكالة: اللجنة القانونية الليبية تتفق على القاعدة الدستورية للانتخابات المقبلة