مصر وليبيا.. صفحة جديدة في العلاقات بحثا عن مآرب أخرى

الأربعاء 21 أبريل 2021 03:36 م

تعد زيارة رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" للعاصمة الليبية طرابلس، الأسبوع الجاري، هي الأولى من نوعها لمسؤول مصري كبير منذ العام 2011، وسط تحولات مفصلية تقف بالتأكيد وراء ذلك.

وتحمل الزيارة، طموحات عدة من القاهرة وطرابلس لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعد سنوات من التوتر المتصاعد، والقطيعة، والتورط المصري في الحرب الدائرة هناك، عبر دعم الجنرال المهزوم "خليفة حفتر".

وتمهد الخطوة المصرية لمقاربة مصرية جديدة للتعامل مع الملف الليبي، تختلف عما اتبعه النظام المصري في السنوات الأخيرة، وهو ما كان يهدد بفقدان تأثيره على المشهد الليبي، بعد تدخل تركيا وأطراف إقليمية ودولية أخرى في إدارة الملف المعقد.

ترتيبات جديدة

بلا شك فإن مصر، ووفق رؤية استخباراتية واستراتيجية، بصدد إعادة ترتيب أوراقها في ليبيا، بعد الدعم الدولي الذي جنته حكومة "عبدالحميد الدبيبة"، والاتفاق على خارطة طريق برعاية أممية، لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في البلاد بنهاية العام الجاري.

وفي ضوء خروج "حفتر" من المشهد، وانكسار المشروع الإماراتي المصري للسيطرة على طرابلس، تتجه القاهرة نحو تعديل بوصلتها، في انتظار نيل حصة ثمينة من كعكة إعادة الإعمار، وجني مكاسب اقتصادية، مع استعداد ليبيا لدخول مرحلة جديدة من الاستقرار.

وتكبدت مصر خسائر فادحة طوال الأعوام الماضية، جراء تورطها في الأزمة الليبية، وخسارة ملايين فرص العمل نتيجة عودة عمالتها من هناك، فضلا عن تضرر أمنها من الناحية الغربية قرب الحدود مع ليبيا، وفقدان الكثير من نفوذها في البلد العربي المجاور.

وتأمل القاهرة في استعادة النفوذ في ليبيا الجديدة، عبر وضع صيغة للعلاقات بين البلدين وفق رؤية جديدة تؤدي إلى تجنيب البلدين أي تدخلات خارجية إقليمية أو دولية، وبما يسرع بخروج التشكيلات الأجنبية المسلحة من الأراضي الليبية، وكذلك تعزيز العلاقات الثنائية، وفق الإعلان المشترك الصادر عن الجانبين.

اتفاقيات اقتصادية

يمكن التأكيد أن لغة البيزنس والمال كانت المسيطرة على زيارة "مدبولي" ومباحثاته مع "الدبيبة"، والتي انتهت بالتوقيع على 11 مذكرة تعاون في مجالات مختلفة، بحضور وفد ضم 75 شخصا بينهم 11 وزيرا  وكبار رجال الأعمال والمستثمرين المصريين.

وتضمنت وثائق التعاون المشترك، مذكرة تفاهم بشأن التعاون الفني في مجال المواصلات والنقل، وأخرى بشأن التعاون في تنفيذ مشروعات الطرق والبنية التحتية، وثالثة في المجال الصحي، وأخرى بشأن التعاون في مجال القوى العاملة، والاستثمار في مجال الكهرباء، والربط الدولي للاتصالات، ورفع السعات الدولية في منظومة الألياف البصرية، والتدريب التقني وبناء القدرات.

ووفق الخبير المختص بالشؤون الليبية "عبدالستار حتيتة"، فإن هناك استثمارات مصرية كبيرة في ليبيا متوقفة منذ عام 2011 تريد مصر إحياءها، كما أن هناك رغبة من رجال الأعمال المصريين للمشاركة في إعادة إعمار ليبيا وتدوير حركة الاقتصاد بالتعاون مع المستثمرين الليبيين، بحسب "سبوتنيك".

ويتصدر ملف العمالة المصرية، أجندة "مدبولي"، وهو ما ترجمه في توقيع مذكرة تفاهم لتنظيم عودة العمالة المصرية إلى ليبيا للمساهمة في إعادة الإعمار، على أن تكون هذه العودة منظمة ومخططة في المجالات التي يطلبها الجانب الليبي.

وتقدر كلفة إعمار ليبيا بـ200 مليار دولار، وهي كعكة ثمينة تتنافس عليها دول الجوار وأهمها مصر وتونس والجزائر، إضافة إلى قطر وتركيا، وفرنسا وإيطاليا وروسيا، بحسب تقديرات البنك الدولي.

ويعد استئناف رحلات الطيران المباشر بين البلدين، بعد تعليقها لأكثر من ست سنوات، وهي خطوة بدأ تنفيذها بالفعل، طوق إنقاذ لصناعة الطيران المصرية، بعد تكبدها خسائر فادحة جراء توقف أنشطة السفر والسياحة بفعل أزمة تفشي فيروس "كورونا".

ومن المقرر أن تبدأ ليبيا وفقاً للاتفاق المبرم باستقبال نصف مليون عامل مصري في قطاعات البناء والتشييد، وعدد من القطاعات الأخرى.

وتخطط مصر، لإنشاء خط ملاحي مشترك، ومدّ خط للسكة الحديد بين البلدين يتضمن تسيير قطارات ركاب وبضائع، انطلاقاً من خط القطار السريع في محافظة مرسى مطروح، ثم إلى ميناء جرجوب، ومنه إلى داخل الأراضي الليبية.

وتتضمن الخطط المصرية للاستثمار في ليبيا، إنشاء جامعة مصرية متكاملة في إحدى المدن الليبية، ومستشفى في العاصمة طرابلس، على أن يتم تعزيز ذلك بإعادة فتح السفارة المصرية قريبا، وتعزيز التعاون القنصلي والوجود الدبلوماسي ورفع تمثيله بين البلدين.

ملفات ساخنة

خلف الكواليس، هناك ملفات ساخنة تحظى بأهمية استراتجية وعسكرية لدى مصر، تتعلق بتأمين أمنها الاستراتيجي من الناحية الغربية، والتعاون في ضبط الأمن المشترك، والاستقرار بما يضمن سلامة أراضي الجانبين.

ووفق "الدبيبة"، فإن المباحثات مع "مدبولي" تناولت توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، والدور المصري في ذلك، بالنظر إلى علاقة القاهرة الوثيقة ببعض الأطراف المسلحة في ليبيا"، في إشارة إلى "حفتر".

ولا شك أن الجانب المصري تسيطر عليه مخاوف من تمدد النفوذ التركي في ليبيا، وأن يكون تشكيل المؤسستين العسكرية والأمنية هناك بعيدا عن أعينه، ما قد يشكل تحديا أمنيا له على المدى البعيد.

وتجرى مباحثات بين البلدين، لإنشاء منظومة معلومات وقاعدة بيانات مشتركة لمكافحة الإرهاب، ورصد ومتابعة وتبادل المعلومات حول الأنشطة الإرهابية، وحصر العناصر الإرهابية في البلدين، وإعداد دليل موحد للعناصر المطلوبة، والمشتبه فيها، وتسيير دوريات حدودية مشتركة، وإقامة نقاط أمنية ومراقبة على طول الحدود البرية والبحرية.

في المقابل، فإن حكومة "الدبيبة" في حاجة ماسة لتحييد الدور المصري، بما يقصي بشكل تام "حفتر" وقواته من المشهد، ويؤهل البلاد لمرحلة من الاستقرار، ستتعزز بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ديسمبر/كانون الأول المقبل.

كذلك فإن طرابلس ترى في خبرات الجانب المصري، وشركات المقاولات المصرية العملاقة، والعمالة المدربة والرخيصة، مكسبا لها، وسط مساع مكثفة لكسب دول الجوار إلى جانبها، بما يقوي موقفها لسحب المرتزقة من أراضيها، ووقف تهريب السلاح، وتأمين المرحلة الانتقالية في البلاد.

مكاسب متعددة للمصريين والليبيين، ومآرب واضحة لكل طرف، من خلال فتح صفحة جديدة من العلاقات، مصحوبة بكعكة ثمينة تسيل لها لعاب قوى إقليمية ودولية، في بلد نفطي، سيكون له شأن مستقبلا، حال استقراره سياسيا وأمنيا واقتصاديا، خلال السنوات المقبلة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية الليبية زيارة مدبولي لطرابلس عبدالحمد الدبيبة خليفة حفتر مصطفى مدبولي ليبيا مصر عبدالحميد الدبيبة

اتصالات مصرية لنيل حصة من كعكة إعمار ليبيا

السيسي: لدينا وفرة في الكهرباء ومستعدون لتصديرها لليبيا والسودان والأردن والعراق

رويترز: الشركات المصرية تستعد للعودة إلى ليبيا

طرابلس تتهم القاهرة بـ"إساءة معاملة" رعاياها ونفي مصري