ن.تايمز: تصنيف الحرس الثوري يعرقل المفاوضات الإيرانية الأمريكية.. وهذه أبرز العقبات

الثلاثاء 11 مايو 2021 09:28 م

يقول الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وقادة إيران إنهما يشتركان في هدف مشترك، فكلاهما يريد إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" قبل 3 أعوام. ويعني إحياء الاتفاق استعادة القيود الصارمة على إنتاج إيران من الوقود النووي مقابل رفع العقوبات التي أضرت باقتصادها.

ولكن بعد 5 أسابيع من المحادثات في غرف فنادق فيينا، حيث يقوم الجانبان بتمرير الملاحظات عبر وسطاء أوروبيين، أصبح من الواضح أن الاتفاق القديم لم يعد صالحا لأي منهما، على الأقل على المدى الطويل.

ويطالب الإيرانيون بالسماح لهم بالاحتفاظ بمعدات إنتاج الوقود النووي المتقدمة التي قاموا بتركيبها بعد أن تخلى "ترامب" عن الاتفاق، كما يطالبون بالتكامل مع النظام المالي العالمي بما يتجاوز ما حققوه بموجب اتفاقية عام 2015.

من جانبها، تقول إدارة "بايدن" إن إحياء الاتفاق القديم مجرد نقطة انطلاق، لكن يجب أن يتبع ذلك على الفور اتفاق للحد من الصواريخ الباليستية و"دعم الإرهاب" وأي أنشطة إيرانية مستقبلية تجعلها قادرة على الوصول للحد الكافي لصنع قنبلة نووية.

وتشير المقابلات مع المسؤولين الأوروبيين والإيرانيين والأمريكيين إلى أنه أصبح من الممكن استعادة اتفاق 2015، بالرغم من كل عيوبه. لكن الحصول على ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" باتفاق "أطول وأقوى يمنع إيران من تكديس المواد النووية لأجيال ويوقف تجارب الصواريخ وينهي دعم الجماعات الإرهابية"، يبدو بعيدا أكثر من أي وقت مضى.

ومن المحتمل أن تكون هذه نقطة ضعف رئيسية لـ"بايدن"، الذي يعرف أنه لا يستطيع ببساطة تكرار ما تفاوضت عليه إدارة "أوباما" قبل 6 أعوام.

وقال "فالي نصر"، المسؤول الأمريكي السابق الذي يعمل الآن في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، إن إيران والولايات المتحدة تتفاوضان بالفعل على اتفاقين مختلفين. لهذا السبب كانت المحادثات بطيئة للغاية.

ويرى الأمريكيون استعادة الاتفاق القديم كخطوة أولى لشيء أكبر بكثير، وقد شجعتهم رغبة إيران في تخفيف القيود المالية التي تتجاوز ذلك الاتفاق (تتضمن في الغالب إجراء معاملات مع البنوك الغربية) لأنها ستخلق ما وصفه أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية بـ"ظرف مناسب للتفاوض بشأن اتفاق لاحق".

ويرفض الإيرانيون حتى مجرد مناقشة أي اتفاق أوسع. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه لم يتضح بعد ما إذا كانت إيران تريد حقا استعادة الاتفاق القديم، الذي سخر منه المتشددون الأقوياء في الداخل.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد 6 أسابيع، يقول الفريق الإصلاحي بقيادة الرئيس "حسن روحاني" ووزير الخارجية "محمد جواد ظريف" إن اتفاقا على وشك الحدوث. وقال "روحاني" للإيرانيين يوم السبت: "لقد تم رفع جميع العقوبات الرئيسية تقريبا"، في إشارة على ما يبدو إلى الخطوط العريضة الأمريكية لما هو ممكن إذا أعادت طهران القيود الصارمة على إنتاجها النووي. وتابع: "المفاوضات جارية للانتهاء من بعض التفاصيل".

ورد "بلينكين": "ليس بهذه السرعة". ويؤكد هو ودبلوماسيون أوروبيون أن إيران لم تقدم وصفا تفصيليا للحدود النووية التي سيتم استعادتها.

ولكن حتى لو حدث ذلك، فإن قدرة "بايدن" علي إقناع حكومة إيرانية جديدة (غالبا متشددة) بالالتزام بمزيد من المحادثات لإطالة أمد الاتفاق وتعزيزه هو سؤال يجد المسؤولون الأمريكيون صعوبة في الإجابة عليه.

لكن مساعدي "بايدن" يقولون إن استراتيجيتهم تستند إلى فكرة أن استعادة الاتفاق القديم ستخلق وحدة دولية أكبر، خاصة مع الأوروبيين الذين اعترضوا بشدة على قرار "ترامب" الانسحاب من اتفاق. 

ويحوم الإسرائيليون خارج المحادثات، حيث يواصلون حملة التخريب والاغتيال لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، وربما المفاوضات نفسها. لذلك كان من اللافت للنظر أن رئيس الموساد، الذي قاد تلك العمليات، دخل مؤخرا إلى البيت الأبيض للاجتماع مع الرئيس الأمريكي. وبعد انفجار في محطة "نطنز" النووية الشهر الماضي، أخبر "بايدن" مساعديه أن التوقيت كان مريبا، في إشارة إلى الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة إحراز تقدم بخصوص الاتفاق مع إيران.

ولا يزال الانقسام مع إسرائيل قائما. وفي الاجتماعات التي عُقدت في واشنطن الأسبوع الماضي، والتي ضمت "بلينكين" ورئيس الاستخبارات المركزية "وليام جي" ومستشار الأمن القومي "جيك سوليفان"، جادل المسؤولون الإسرائيليون بأن الولايات المتحدة كانت ساذجة لرغبتها في العودة إلى الاتفاق القديم، والذي يعتقدون أنه حافظ على قدرة نووية كبيرة لإيران.

وقال كبار مساعدي "بايدن" إن 3 أعوام من "الضغط الأقصى" على إيران فشلت في إسقاط النظام الإيراني أو الحد من دعمه للإرهاب. وفي الواقع، أدى ذلك إلى سباق نووي.

وفي فيينا، قدم كبير المفاوضين، "روبرت مالي"، الذي تعود علاقته بـ"بلينكين" إلى المدرسة الثانوية التي التحقا بها معا في باريس، عرضا مهما لرفع العقوبات غير المتسقة مع الاتفاق الأصلي.

ويوم الأربعاء، قال "بلينكين" إن الولايات المتحدة "أظهرت جدية بالغة في تحقيق هدف العودة إلى الاتفاق". وقال لـ"بي بي سي": "ما لا نعرفه بعد هو ما إذا كانت إيران مستعدة لاتخاذ نفس القرار والمضي قدما".

وتريد إيران رفع المزيد من العقوبات بما في ذلك تلك التي لا علاقة لها بالاتفاق، كما تصر على الاحتفاظ ببنيتها التحتية النووية، لا سيما أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وهو أكثر مما يسمح به ذلك الاتفاق. وبدلا من ذلك، تقول إيران إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكنها ببساطة بتفتيش أجهزة الطرد المركزي الجديدة، وهو أمر غير مقبول لدى واشنطن.

وبينما تستمر المحادثات، تواصل إيران الضغط من خلال زيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب والمعدات اللازمة لصنعه، وكل ذلك في انتهاك للاتفاق الأصلي.

وتعمل كل من إيران والولايات المتحدة في ظل قيود سياسية دقيقة. وبالرغم أن المرشد الإيراني"علي خامنئي" دعم محادثات فيينا، فإن "روحاني" و"ظريف" يتعرضان للانتقاد من قبل المحافظين الأقوياء الذين لا يثقون في واشنطن والذين يتطلعون للفوز بالرئاسة. ومن جانبه، يتعين على "بايدن" التعامل مع الكونجرس الذي يشك بشدة في الاتفاق ويتعاطف إلى حد كبير مع مخاوف إسرائيل.

لكن مع اقتراب الانتخابات الإيرانية، فإن الوقت يمضي. وطالب الأمريكيون في البداية أن تعود إيران إلى الامتثال، ثم اختاروا الإبقاء على بعض عقوبات إدارة "ترامب" سارية كوسيلة ضغط لمحاولة فرض مفاوضات أوسع.

وفي مناقشتين في فبراير/شباط، حث الأوروبيون المسؤولين الأمريكيين على بدء التفاوض بجدية ورفع بعض العقوبات كبادرة حسن نية تجاه إيران. وتم تجاهل هذه الاقتراحات. ولكن عندما قال "خامنئي" إن البلاد يمكن أن تشرع في تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، بدلا من الحد الأقصى البالغ 3.67% في الاتفاق النووي، أخذ المسؤولون في واشنطن الأمور على محمل الجد، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تقليص الوقت اللازم لصنع قنبلة نووية إيرانية.

وفي نهاية مارس/آذار فقط، اتفق الجانبان على التفاوض على الاتفاق بأكمله دفعة واحدة، وبدأت محادثات فيينا في أوائل أبريل/نيسان. ثم استغرق الأمر مزيدا من الوقت حتى يقر الأمريكيون بأن العودة إلى اتفاق 2015 كما هو مكتوب كان أفضل وربما الطريقة الوحيدة لبناء ثقة كافية مع إيران تجعلها تشارك في محادثات تابعة أوسع.

وتم تشكيل 3 مجموعات عمل، واحدة لمناقشة العقوبات التي يجب على واشنطن رفعها، وواحدة لمناقشة كيفية عودة إيران إلى حدود التخصيب، والأخرى لمناقشة كيفية ترتيب العودة المشتركة للاتفاق. ولم تنخرط إيران بجدية في تلك الخطط بعد، وما زالت تصر على أن تتحرك واشنطن أولا، لكن تبقى نقطة شائكة أخرى، وهي أي العقوبات سيتم رفعها؟

وفضلا عن العقوبات التي أعادها "ترامب"، فقد فرض أكثر من 1500 عقوبة في محاولة لمنع إحياء الاتفاق. وتم وضع العقوبات في 3 مجموعات، خضراء وصفراء وحمراء، اعتمادا على مدى اتساقها مع الاتفاق. وسيتم رفع العقوبات باللون الأخضر، وسيتوجب التفاوض على اللون الأصفر، بينما يبقى اللون الأحمر، بما في ذلك العقوبات المفروضة على الأفراد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

ويعد تحديد العقوبات التي سيتم رفعها أمر حساس من الناحية السياسية لكلا البلدين. على سبيل المثال، ففي الفئة الصفراء تصر إيران على وجوب رفع عقوبات "ترامب" على بنكها المركزي بموجب تصنيف المنظمات الإرهابية، لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن رفع واشنطن التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري سيكون أكثر تعقيدا.

وستكون موافقة الإيرانيين على اتفاق لا يحسم تصنيف الحرس الثوري أمرا صعبا حتى بالنسبة للمرشد الأعلى.

وقال "علي فايز"، مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية": "بالنسبة لبايدن، من الصعب تبرير رفع العقوبات عن المؤسسات التي لا تزال تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، ومن الصعب على روحاني العودة إلى الوطن متفاخرا برفع جميع العقوبات باستثناء تلك المفروضة على منافسيه".

وقال "فايز": "إنها عملية هشة"، مشيرا إلى الهجمات الصاروخية الإيرانية في العراق. وأضاف: "إذا قُتل أمريكي واحد، فإن العملية برمتها ستخرج عن مسارها".

لكن السؤال المطروح هو كيف يستطيع "بايدن" إقناع إيران بالتفاوض على اتفاق أفضل جديد لاحقا.

وليس لدى المسؤولين الأمريكيين إجابة حقيقية لهذه المعضلة بينما يحاولون إحياء الاتفاق القديم، لكنهم يؤكدون أن إيران تريد فوائد أكثر من تلك التي تحصل عليها من الاتفاق القديم، لذا ستكون على استعداد لمزيد من الحديث. ويقول الأمريكيون إنهم مستعدون لمناقشة كيفية تعزيز الاتفاق لتحقيق المنفعة المتبادلة، لكنهم يقولون إن هذا سيكون قرارا تتخذه إيران.

وبالرغم من تكتيكات الضغط الإيرانية، مثل زيادة التخصيب ومنع المفتشين الدوليين من الوصول إلى المواقع الرئيسية يصر "ظريف" على أن هذه التحركات يمكن عكسها بسهولة.

ويقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إنه بينما عززت إيران إنتاجها من المواد النووية وأصبح أمامها أشهر فقط لمراكمة يورانيوم عالي التخصيب يكفي لإنتاج قنبلة أو قنبلتين، فلا يوجد دليل حتى الآن على أن إيران تذهب باتجاه صنع رأس حربي. وقالت "أفريل دي هاينز"، مدير الاستخبارات الوطنية، في تقرير لها الشهر الماضي: "نواصل التأكيد على أن إيران لا تقوم حاليا بأنشطة تطوير الأسلحة النووية الرئيسية التي نرى أنها ستكون ضرورية لإنتاج قنبلة نووية".

لكن الإسرائيليين أكثر تشككا، حيث يجادلون بأن الأدلة التي سرقوها من "أرشيف" البرنامج النووي الإيراني قبل 3 أعوام تظهر أن العلماء الإيرانيين قاموا بالفعل بعمل مكثف لتصميم الرؤوس الحربية.

ويقول "بلينكين" إن محادثات فيينا تهدف إلى العودة إلى الاستقرار والإشراف على البرنامج النووي الإيراني طبقا لاتفاق عام 2015، وأضاف: "لا يوجد شيء ساذج في هذا. على العكس من ذلك، إنها طريقة واضحة للغاية للتعامل مع مشكلة تم التعامل معها بفعالية من قبل. وسيتعين علينا أن نرى ما إذا كان بإمكاننا فعل الشيء نفسه مرة أخرى".

وتعقدت الأجواء في إيران بسبب تسريبات "ظريف" الأخيرة التي انتقد فيها عملية صنع القرار الداخلي في بلاده، في محاولة على ما يبدو للإضرار بسمعته وبأي فرصة لترشحه للرئاسة. ودحض "خامنئي" الانتقادات دون أن يسمي "ظريف"، لكنه قال إن التعليقات كانت "خطأ كبيرا يجب ألا يرتكبه مسؤول في الجمهورية الإسلامية أو أن يكرر ما يقوله أعداء إيران".

وتقول "إيلي جيرانمايه" من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "في نفس الوقت الذي يتم فيه التقليل من دور "ظريف"، يؤكد المرشد الأعلى دعمه للمحادثات بينما يحميها أيضا من انتقادات المتشددين".

المصدر | ستيفن إرلانجر وديفيد سانجر- نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المفاوضات النووية مباحثات فيينا الاتفاق النووي الإيراني حسن روحاني أنتوني بلينكن إدارة بايدن

الخارجية الأمريكية: التفاهم بشأن العودة للاتفاق النووي ممكن خلال أسابيع

قائد الحرس الثوري: بايدن لا يختلف عن ترامب