هكذا تعمل التكنولوجيا على تعزيز التحالف بين الإمارات وإسرائيل

الاثنين 17 مايو 2021 09:45 م

منذ الإعلان للمرة الأولى عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، ركزت الكثير من التعليقات الدولية فقط على الأهمية السياسية والدبلوماسية للاتفاق. ومع ذلك، تنشئ الاتفاقية أيضا نظاما رقميا جديدا في الشرق الأوسط، نظام تشترك فيه إسرائيل والإمارات بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى في تطوير التقنيات الناشئة والقدرات السيبرانية. وسيكون هذا التعاون في طليعة صعود الطلب على التكنولوجيا في الإمارات وإسرائيل.

عاملا تركيا وإيران

ويمهد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الطريق لتحالف بين أبوظبي وتل أبيب يهدف إلى مواجهة الخصمين الإقليميين تركيا وإيران في العديد من النقاط الساخنة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان ودول الخليج.

وبالنسبة لإيران، هناك شعور متزايد بـ"الحصار الاستراتيجي" وفقدان العمق الاستراتيجي بسبب الاتفاقات بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل، وإمكانية إبرام اتفاق تطبيع بين إسرائيل وعُمان. ولفترة طويلة، عملت طهران بنشاط لتطويق إسرائيل بشكل استراتيجي في غزة ولبنان وسوريا. ومع توقيع اتفاقيات التطبيع، تغيرت الديناميكيات، وأصبحت إسرائيل موجودة رسميا في الخليج على بعد أميال من إيران.

الطائرات التركية بدون طيار والحرب الإلكترونية الإيرانية

وبالإضافة إلى الآثار الاستراتيجية المهمة لاتفاقات التطبيع، يوجد عنصر تقني وسيبراني لا يمكن إنكاره في الاتفاقية الأخيرة بين إسرائيل والإمارات أيضا. وفي العقد الماضي، غيرت تركيا وإيران ميزان القوى الإقليمي لصالحهما على حساب دول الخليج العربي من خلال الاستثمار بكثافة في قدراتهما الإلكترونية والتكنولوجية. على سبيل المثال، أتقنت تركيا عملية تصميم وتصنيع وتشغيل الطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة. وبدعم من أساطيل الطائرات بدون طيار المنتجة محليا ومنخفضة التكلفة والفعالة للغاية، ولا سيما "أكنجي بيرقدار" و"تي إيه آي أنكا"، اتبعت أنقرة سياسة خارجية توسعية عبر المنطقة من سوريا إلى ليبيا ومن العراق إلى أذربيجان.

واجتذب النجاح التشغيلي للطائرات التركية بدون طيار في تغيير ديناميكيات القوة في ساحة المعركة اهتمام المشترين المحتملين مثل تونس وأوكرانيا وباكستان، وأجبر القوى العالمية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند، على إعادة النظر في استراتيجيات حرب الطائرات بدون طيار.

ونظرا للحرب الباردة المستمرة بين تركيا ودول الخليج العربي، احتاجت عواصم الخليج إلى قوة طائرات أخرى بدون طيار من شأنها أن تساعدها على سد فجوة الطائرات بدون طيار مع تركيا، وكانت الوجهة المفضلة هي إسرائيل. ومن خلال صناعة محلية قوية، كانت تل أبيب في طليعة صناعة الطائرات بدون طيار منذ الثمانينيات، لتصبح أكبر مصدر للطائرات بدون طيار في العالم من خلال اتفاقيات مع العديد من القوى العالمية والإقليمية مثل أذربيجان والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبولندا هولندا وإسبانيا والهند.

وطورت إيران قدراتها في مجال الحرب الإلكترونية بشكل كبير في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ونجحت طهران في دمج الحرب الإلكترونية في استراتيجيات الحرب غير المتكافئة الإقليمية، خاصة ضد أعدائها العرب.

وبعد هجوم مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة، طورت إيران البرمجية الخبيثة "ستوكس نت"، وهندستها عكسيا لتنشئ "شمعون"، الذي تم استخدامه في هجوم إلكتروني على أرامكو السعودية. وفي عام 2021، نفذت جهة منسوبة إلى إيران عددا من حملات التجسس السيبراني ضد العديد من البلدان في المنطقة وحول العالم، بما في ذلك الإمارات والكويت. ونظرا لقدرات إسرائيل السيبرانية التي لا مثيل لها، ظهرت تل أبيب كشريك إلكتروني مرجح.

التكامل التكنولوجي

وتعد الإمارات وإسرائيل مركزان تقنيان رئيسيان في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن قطاع التكنولوجيا لكل دولة له موقعه الخاص. وتتخصص إسرائيل للغاية في التكنولوجيا العميقة مثل "البلوك تشين" والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، بينما أصبحت الإمارات رائدة في مجال التكنولوجيا بين الدول العربية من خلال ميزتها النسبية في التحول الرقمي والمدن الذكية.

بهذا المعنى، فإن التحالف التكنولوجي بين الإمارات وإسرائيل تكاملي، ويسمح للبلدين بالاستفادة من القيمة التي يملكها كل منهما.

ولدى الإمارات هدف استراتيجي يتمثل في التركيز على التكنولوجيا العميقة في مجالات مثل الحوسبة السحابية و"البلوك تشين" والذكاء الاصطناعي. وبمساعدة إسرائيل، سيكون أمام الإمارات مسار أقصر في تحقيق تلك الأهداف. وبالنسبة لإسرائيل، تمثل الإمارات سوقا رائدا للتقنيات الإسرائيلية، ومصدرا للاستثمار في التقنيات كثيفة رأس المال، ومنصة انطلاق للصادرات والشراكات الإسرائيلية في بقية المنطقة.

التعاون السيبراني

وقبل اتفاقيات التطبيع، كانت أبوظبي تنظر إلى تل أبيب على أنها قوة إلكترونية إقليمية وشريك محتمل في المنافسة الحالية بين الدول العربية الأخرى وإيران وتركيا. ومما لا يثير الدهشة، أن أحد الخطوات الأولى التي أعقبت اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات كان لقاء بين قياصرة المجال السيبراني في البلدين في تل أبيب، حيث ناقش قادة الأمن السيبراني التعاون. ووصف القيصر الإلكتروني لدولة الإمارات، "محمد الكويتي"، المخاطر الإلكترونية التي تواجه الإمارات، وطرح فكرة التعاون في مجال الدفاع السيبراني والذكاء الاصطناعي وتقنيات الحكومة الذكية بين بلاده وإسرائيل.

الذكاء السيبراني

وسرعان ما تُرجم التفاهم بين القياصرة السيبرانيين في الإمارات وإسرائيل إلى تعاون استخباراتي إلكتروني ملموس بشأن التهديدات العابرة للحدود التي تواجه البلدين. وفي أبريل/نيسان 2021، أجرى "الكويتي" مقابلة مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية وكشف أن الإمارات وإسرائيل تشاركا معلومات استخباراتية حول أنشطة حزب الله السيبرانية. وكان يشير إلى تقرير صدر في يناير/كانون الثاني عن شركة "كلير سكاي للأمن السيبراني" ومقرها تل أبيب حول "سيدار اللبنانية"، وهي مجموعة قرصنة منسوبة إلى حزب الله.

واستخدمت "سيدار اللبنانية" برامج وتكتيكات مرتبطة في الماضي بقراصنة تابعين للدولة الإيرانية لاختراق أكثر من 250 خادما لأهداف في الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية ولبنان وإسرائيل وفلسطين. وأكد "الكويتي" أن الإمارات تم استهدافها من قبل "سيدار اللبنانية"، وأشار إلى التعاون بين الإمارات وإسرائيل لتحديد حجم الاختراق.

الدبلوماسية السيبرانية

وكمركز أعمال رائد في المنطقة، استضافت دبي مؤتمرا إلكترونيا إسرائيليا بعنوان "سايبرتك جلوبال". وسلط المؤتمر الضوء على السرعة التي شهدها التعاون السيبراني بين الإمارات وإسرائيل في الأشهر القليلة التي أعقبت توقيع اتفاقيات التطبيع.

وفي المؤتمر، نُقل عن "الكويتي" والإسرائيلي "ييجال أونا" وصف العلاقات الإلكترونية بين الإمارات وإسرائيل بـ"الأخوية". وأطلقت تل أبيب وأبوظبي أيضا "منطقة التكنولوجيا الإماراتية الإسرائيلية"، وهي مبادرة تهدف إلى بناء اتصالات من شأنها "التركيز على المشاريع المتعلقة بالتكنولوجيا" من خلال العلاقات والتواصل وإنشاء الأعمال التجارية.

استثمار الإمارات في الصناعات الاستراتيجية الإسرائيلية

وبعد مكالمة في مارس/آذار بين ولي عهد أبوظبي الشيخ "محمد بن زايد" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، أعلنت الإمارات عن تأسيسها لصندوق استثمار بقيمة 10 مليارات دولار في إسرائيل يركز على الصناعات الاستراتيجية، التي تشمل الطاقة والمياه والفضاء والرعاية الصحية التكنولوجيا الزراعية والذكاء الاصطناعي و"البلوك تشين" وغيرها من التقنيات الناشئة.

وكان سفير الإمارات المعين مؤخرا في إسرائيل "محمد آل خاجة"، قوة دافعة في العديد من المبادرات التقنية بين إسرائيل والإمارات. ودعم "الخاجة" مركز "ستارت أب نيشن" في إسرائيل، وهو مؤسسة تكنولوجية رائدة غير ربحية، عبر إنشاء فريق عمل مشترك لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال التكنولوجيا والابتكار.

ويركز فريق العمل بشدة على الصناعات الاستراتيجية للإمارات، بما في ذلك "التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا الأغذية الزراعية والتعليم والإنترنت والصحة الرقمية والطاقة والبتروكيماويات والتكنولوجيا النظيفة والاستدامة.

شراكة في مكافحة الطائرات بدون طيار

وعلى عكس التعاون التقني، فإن صناعة الطائرات بدون طيار أو مجال مكافحة الطائرات بدون طيار هي صناعة عسكرية بطبيعتها. وكان الخوف من الطائرات التركية بدون طيار، وبشكل أقل الطائرات الإيرانية بدون طيار، واحدة من أولى دوافع اتفاقيات التعاون الدفاعي بين الإمارات وإسرائيل التي طورت قدرات مضادة للطائرات بدون طيار.

واتفقت شركة "إيدج" الإماراتية وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية على تطوير نظام مضاد للطائرات بدون طيار مستقل تماما "مدعوما بالرادار ثلاثي الأبعاد وتكنولوجيا استخبارات الاتصالات والبصريات الكهربائية المدمجة في نظام قيادة وتحكم موحد".

تغير الديناميكيات الإقليمية

وبينما لا تزال اتفاقيات التطبيع في عامها الأول، توضح الشراكة التكنولوجية والإلكترونية بين الإمارات وإسرائيل عمق إعادة التنظيم الجيوستراتيجي بين تل أبيب وأبوظبي. وبعد الاتفاقية، يعمل الإماراتيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب لبناء تحالف تكنولوجي وسيبراني يستفيد من الميزة النسبية لكل دولة، مع قيادة إسرائيل للحرب الإلكترونية، والتكنولوجيا العميقة، وقدرات الطائرات بدون طيار والمضادة للطائرات بدون طيار، مع تقديم الإمارات للعضلات المالية، بهدف توسيع نطاق الحلول الرقمية.

المصدر | محمد سليمان - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاقيات التطبيع التطبيع الإماراتي الإسرائيلي التعاون التكنولوجي الطائرات بدون طيار الأمن السيبراني الإمارات إسرائيل تطبيع

مشروع إماراتي إسرائيلي للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا البيانات الضخمة

ببرمجية خبيثة فريدة.. إيران تشن هجمات مدمرة ضد أهداف إسرائيلية بالإمارات

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يشكك في جدوى اتفاقات التطبيع