معادلة دقيقة.. إيران تمارس لعبة دبلوماسية ذكية في غزة

الثلاثاء 25 مايو 2021 09:50 ص

مع تصاعد المعركة بين فصائل المقاومة المسلحة في غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، أرسل رئيس حماس "إسماعيل هنية" رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" يدعو فيها إلى "التحرك الفوري وحشد المواقف الإسلامية والعربية والدولية من أجل إجبار العدو الصهيوني على وقف جرائمه بحق أهل غزة المحاصرين". وكذلك تحدث "هنية" هاتفيا مع وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف".

لكن بغض النظر عن مدى كرههم لإسرائيل، يبدو أن قادة إيران بذلوا قصارى جهدهم لتجنب الانجرار إلى القتال المباشر. ويمكن قول الشيء نفسه عن "حزب الله". ومن المرجح وقوف فصيل فلسطيني وراء الهجمات الصاروخية المتكررة من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل خلال معركة غزة الأخيرة.

وخوفا من اندلاع حرب كبرى مع إسرائيل، يتجنب قادة "حزب الله" الإجراءات التي يعرفون بالتأكيد أن طهران لن تدعمها.

وفي الحقيقة لم يظهر قادة إيران أنهم مجازفون أو متهورون. وبالنظر إلى الوضع الاستراتيجي في المنطقة والانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران، فقد فضّل قادة إيران اتباع الحذر طوال الصراع الذي استمر 11 يوما.

وبعد التوصل إلى وقف هش لإطلاق النار، قد يضاعف "ظريف" جهوده للتركيز على الدبلوماسية الإقليمية والدولية، وهو نهج قد يكون له تأثيرات على الانتخابات الرئاسية القادمة في إيران. ومن المتوقع تكرار تصريحات التحدي والتضامن مع الفلسطينيين، ولكن من الناحية العملية ستكون النتيجة أقل بكثير مما دعا إليه "هنية". وبالرغم من ذلك، فإن هذا النهج سيخلق ديناميكية أوسع يمكن أن يكون لها زخمها الخاص.

ضبط النفس

وقد يكون من المنطقي أن يشعر قادة إيران أنهم لا يحصلون على القدر الكافي من الثناء والاعتراف بالفضل من قبل القادة الفلسطينيين. فبعد كل شيء، فإن قدرة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على إطلاق الصواريخ على القدس وتل أبيب ترجع بشكل أساسي للدعم العسكري والتدريب الإيراني. ولا يتعلق الأمر بمداها فحسب، بل العدد الهائل من الصواريخ التي تم إطلاقها في المرة الواحدة، ما أحدث فجوات في نظام الدفاع الإسرائيلي المسمى بـ "القبة الحديدية".

وفي حين أن التكتيك العسكري يشير إلى تحول كبير (وإن كان محفوفا بالمخاطر) في استراتيجية حماس والجهاد الإسلامي، فيبدو أن قرارهما لم يكن بتشجيع من إيران، بل نتيجة الحسابات الداخلية الفلسطينية في أعقاب هجوم قوات الشرطة الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى بالقدس.

ومهما كانت دوافعهم، فإن الحريق الأخير الذي نشب في غزة يمكن أن يضع طهران في موقف صعب، فدعم إيران للفصائل الفلسطينية سلاح ذو حدين، لأن لديهم حساباتهم السياسية والاستراتيجية الخاصة. وتشير تصريحات القادة الإيرانيين إلى أن طهران تستخدم هذا السلاح بحذر.

وعلى سبيل المثال، في المحادثة مع "ظريف"، التي كرر فيها "هنية" رغبة حماس في اتخاذ إجراء من قبل طهران، كرر الدبلوماسي الإيراني دعم إيران للفلسطينيين لكنه لم يقدم سوى القليل من الوعود الملموسة.

وقبل يومين من المكالمة الهاتفية، حدد "ظريف" موقف إيران الأساسي خلال اجتماع افتراضي لمنظمة التعاون الإسلامي. وقال إن "فلسطين ليست قضية عربية أو إسلامية فحسب، بل معضلة دولية". ومن خلال وضع إطار واسع النطاق لهذه المسألة، قال إن "المجتمع الدولي عليه واجب إجبار إسرائيل على إنهاء الدمار والحصار المفروض على غزة".

وجاء هذا البيان بعد عدة أيام من دعوة الرئيس الإيراني "حسن روحاني" منظمة التعاون الإسلامي "للعب دور أكثر نشاطا في التطورات الأخيرة". وردد متحدث باسم وزارة الخارجية هذه الرسائل ودعا "مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته".

ويعكس هذا التركيز على التعددية الروح البراجماتية لمؤسسة السياسة الخارجية الإيرانية، لكن القادة المتشددين في الواقع لم يبتعدوا كثيرا عن هذه الرسالة. وندد رئيس مجلس النواب الإيراني "محمد باقر قاليباف" بإسرائيل ووصفها بأنها "الشر الرئيسي" في المنطقة، ودعا بعد ذلك "جميع القادة في المنطقة إلى مساعدة قوى المقاومة في أسرع وقت ممكن".

وقدم نائب قائد الحرس الثوري للشؤون السياسية العميد "يد الله جافاني" للفلسطينيين طمأنة بأن "النظام الصهيوني ليس لديه القدرة على تغيير الوضع لصالحه"، وأن "المستقبل ملك للشعب الفلسطيني". ومع ذلك، لم يقدم أي مؤشر على أن إيران ستسعى للعب دور عسكري أكثر مباشرة على المدى القريب.

ويبدو أن هذه الرسالة المصممة بعناية تحظى بمباركة "خامنئي".

وقال "جافاني" إن "على الفلسطينيين أن يجعلوا أنفسهم أقوياء وأن يقاوموا ويتصدوا للطرف الآخر لإجباره على التخلي عن جريمته والاستسلام لسيف الحق والعدل". ولكن فيما يتعلق بمسألة ما يجب القيام به، فقد شدد على ضرورة قيام العالم الإسلامي بصياغة موقف موحد، ما يشير إلى حدود استعداد إيران للتدخل نيابة عن فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة التي دعمتها في غزة.

اعتبارات متعددة

وفي جميع الاحتمالات، فإن القلق الأساسي الذي دفع إيران إلى تحفظها هو احتمال أن يؤدي الصراع في غزة إلى حرب إقليمية أوسع قد تدفع إيران ثمنا باهظا فيها، ليس فقط على المستوى الإقليمي والدولي ولكن أيضا في الداخل.

وكان من المرجح أن تبدأ تلك الحرب في لبنان. ويعرف المسؤولون اللبنانيون وقادة "حزب الله" على وجه الخصوص أنه في حال إطلاق هجمات صاروخية على حيفا أو تل أبيب، فإن إسرائيل سترد بقوة هائلة. وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد غير مسبوق يمتد بسرعة إلى سوريا وربما العراق بطرق قد تدفع إيران إلى صراع أوسع، وهو الصراع الذي تريد تجنبه.

لذلك ليس من المستغرب أن يوضح المسؤولون اللبنانيون أن قادة "حزب الله" أكدوا أنه لا مصلحة في توسيع حرب غزة إلى لبنان. وفي الواقع، صرح نائب الأمين العام لحزب الله، "نعيم قاسم"، بموقف الحزب الأساسي في مارس/آذار، وأكد أن "الحزب سيبقى في حالة دفاع وليس لديه نية لبدء حرب"، وليس هناك ما يشير إلى أن "حزب الله" قد هذا الموقف العاقل.

وعلى الصعيد الإقليمي، يوفر الصراع في غزة فرصا محتملة لإيران لتسجيل نقاط دبلوماسية. وتشير تصريحات القادة الإيرانيين إلى رغبة في عزل الدول العربية التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل تحت عنوان "اتفاقات إبراهيم". وكان القادة الإيرانيون، و"خامنئي" على وجه الخصوص، غاضبين من الإمارات والبحرين بعد أن قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ومن خلال دعم موقف غزة الذي يتعارض مع تلك الدول العربية التي أبرمت صفقات لم تضمن أي تنازلات من إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، تحاول طهران وضع نفسها كمتحدث باسم العالم الإسلامي الأوسع. وتوفر المحادثات الإيرانية السعودية فرصة لتعزيز هذا النهج الدبلوماسي. ومن اللافت أن مسؤولي حماس أكدوا دعمهم للتقارب بين إيران والسعودية.

وعلى الصعيد الدولي، تعمل طهران في سياق يتزايد فيه التعاطف مع القضية الفلسطينية. ومن المؤكد أن القادة الإيرانيين يتابعون انتقادات إسرائيل في الكونجرس الأمريكي، والتقارير الأخيرة الصادرة عن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" وهيومن رايتس ووتش، التي تنتقد بشدة الفصل العنصري الديمغرافي والاقتصادي الذي يستهدف الفلسطينيين في كل من الأراضي المحتلة والداخل الإسرائيلي. وتعكس التغطية الإعلامية الدولية لجهود طرد الفلسطينيين من منازلهم في حي "الشيخ جراح" بالقدس الشرقية تغير المناخ العالمي لصالح القضية الفلسطينية.

ومن شأن التورط في صراع عسكري خطير مع إسرائيل أن يضع إيران على خلاف مع روسيا والصين وكذلك مع القادة الأوروبيين، ناهيك عن المسؤولين الأتراك، الذين تواصلوا معهم في الأيام الأخيرة. وبالتأكيد فإن التصور بأن إسرائيل "خسرت ساحة معركة الرأي العام" أمام الفلسطينيين قد حفز التركيز الإيراني على الدبلوماسية.

لكن القضية الدولية الأكثر إلحاحا بالنسبة لطهران هي المحادثات الجارية في فيينا حول مصير الاتفاق النووي الإيراني. وتشير تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن إدارة "بايدن" عازم على استمرار المفاوضات (بالرغم من الوضع في غزة) إلى أن مسؤولي البيت الأبيض جادون في إنهاء هذا الملف. ومع اقتراب اختتام محادثات فيينا، تزداد الضغوط على كل من واشنطن وطهران للتوصل إلى اتفاق. ومن ثم، فهناك منطق في الحفاظ على شيء من الفصل بين المحادثات والأحداث الجارية في الشرق الأوسط.

وسيكون للمحادثات النووية، وكذلك الوضع في غزة، تداعيات على الساحة الإيرانية الداخلية. ومع الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران، ربما يفضل القادة الإيرانيون بمختلف توجهاتهم الحفاظ على قدر من الهدوء الإقليمي.

وتشير التجربة إلى أنه حتى الانتخابات الإيرانية التي يتم التحكم فيها عن كثب يمكن أن تنتج مفاجآت. وفي الواقع، يبدو أن قادة إيران، ولا سيما "خامنئي"، قلقون بشكل مبرر بشأن احتمالات المشاركة الضعيفة في الانتخابات. وبالتالي، فإن تجنب الصراعات الإقليمية التي يمكن أن تخلق حالة من الذعر في أوساط الشعب الإيراني أمر منطقي. كما أن الصراعات الإقليمية المشتعلة قد تصب في مصلحة مرشحين أكثر براجماتية أو إصلاحيين، لذلك ليس هذا هو وقت المغامرة.

الشكوك لا تزال قائمة

والآن وبعد أن تم التوصل إلى وقف إطلاق نار غير مستقر بين إسرائيل وحماس، فمن الممكن أن نرى كيف وما إذا كان "ظريف" يستطيع تحريك جهوده الدبلوماسية إلى الأمام بطرق قد تخلق فرصا على جبهات متعددة.

ومن جهته، أشار "ظريف" إلى أنه لا ينوي خوض السباق الرئاسي، وسوف يتشكل المصير السياسي لحلفائه في المعسكر الإصلاحي الضعيف والمنقسم من خلال الدبلوماسية الإقليمية والدولية المتطورة لطهران. وسوف يتعزز موقف هؤلاء إذا اكتسبت جهود "ظريف" في دعم الجهود متعددة الأطراف لمعالجة القضية الفلسطينية زخما بطرق يمكن أن تؤمن دعما أكبر في العواصم الأوروبية.

ومع ذلك، تظل المعضلة الأساسية لإيران قائمة، وهي كيفية دعم المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في الوقت الذي ترفض فيه طهران وحماس وجود إسرائيل من حيث المبدأ. وربما يكون اقتراح "خامنئي" المصوغ بذكاء لإجراء "استفتاء داخل فلسطين" جديرا بالملاحظة، لكنه لا يعني تغييرا في موقف إيران الرئيسي.

وتعكس التصريحات الأخيرة للقادة الإيرانيين بأن طهران "مستعدة للتعاون مع دول المنطقة لتعزيز الأمن الجماعي" هذه التوترات الأساسية في سياستها الخارجية. والحقيقة أن ما يميز إيران عن كل الحكومات العربية هو أنها ترفض حل الدولتين. علاوة على ذلك، فقد أعطت طهران حلفاءها في لبنان وغزة الوسائل اللازمة لتخريب المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية.

وصحيح أن سياسات الحكومة الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية قد ساعدت في إخفاء التناقضات في السياسة الإيرانية. لكن في النهاية يواجه قادة إيران تحديا لتمسكهم بموقف يتعارض مع المجتمع الدولي. وبالرغم من ذلك، فإن لعب القادة الإيرانيين بالورقة الدبلوماسية يجعل من مصلحة أوروبا والولايات المتحدة الانخاط مع طهران أو على الأقل اختبار النوايا الإيرانية

وفي كل الأحوال، فإن حالة عدم اليقين فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ستضطر البيت الأبيض للتعامل مع هذه القضية بشكل لم يتوقعه فريق السياسة الخارجية لـ"بايدن" عندما دخل إلى المسرح العالمي قبل بضعة أشهر فقط.

المصدر | دانييل برومبرج - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سيف القدس اقتحام المسجد الأقصى مباحثات فيينا الاتفاق النووي الإيراني حركة حماس معركة غزة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية حزب الله

روحاني: الأمريكيون أعلنوا نيتهم رفع العقوبات عن إيران

ماذا قال خامنئي في رسالتيه لإسماعيل هنية وزياد النخالة؟