اتفاقيات أبراهام وآثارها.. كيف تعمل إيران على توحيد الفضاء السيبراني في المنطقة؟

الأحد 13 يونيو 2021 02:57 م

شهد العالم في 15 سبتمبر/أيلول 2020، حقبة جديدة من العلاقات الإسرائيلية العربية، حيث فتحت الإمارات والبحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيما يعرف باتفاقات "أبراهام". وعلى عكس اتفاقات السلام الإسرائيلية المصرية أو الإسرائيلية الأردنية، التي تهدف إلى إنهاء المواجهات العسكرية المباشرة، سعت اتفاقيات "أبراهام" إلى تعظيم المصالح المشتركة ومعالجة القضايا الأمنية لتشكيل جبهة جديدة ضد التهديدات الإيرانية.

بينما تُظهر إدارة "بايدن" استعدادًا للعودة إلى شكل من أشكال الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، أصبح التعاون المشترك بين إسرائيل ودول الخليج أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، لا سيما في الفضاء السيبراني، حيث يجمعهما عدو مشترك. يجب أن تكون الشراكة الجديدة مفيدة لجميع الأطراف المعنية حيث ستستفيد دول الخليج من القدرات السيبرانية الإسرائيلية المتقدمة والتكنولوجيا في تأمين بنيتها التحتية الحيوية ضد التهديدات الإيرانية بينما ستفتح إسرائيل أسواقًا مربحة جديدة لشركات الأمن السيبراني ولمستثمريها. وبالتالي، فإن التعاون التقني المشترك وتبادل المعلومات سيمكنان كلا الجانبين من معالجة الأنشطة السيبرانية الإيرانية بشكل أفضل.

على مدى العقد الماضي، تعاونت دول الخليج بهدوء مع إسرائيل في مجال الأمن السيبراني. على سبيل المثال، وفقًا لصاحب رأس المال الاستثماري وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق "إريل مارجاليت"، ساعدت شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية السعودية في إصلاح الضرر الناجم عن الهجوم السيبراني على أرامكو السعودية الذي دمر حوالي 30 ألف محطة عمل وشكل أكبر هجوم إلكتروني تجاري في ذلك الوقت. في عام 2018، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الإمارات كانت تعتمد على برامج التجسس التي طورتها مجموعة "NSO" الاسرائيلية لأغراض المراقبة. في عام 2019، دعت البحرين مسؤولاً إسرائيلياً رفيعاً لحضور مؤتمر أمني لمناقشة السبل الممكنة لتشكيل تحالف ضد تدخلات طهران في المنطقة. وقبل ذلك، أيد وزير الخارجية البحريني "خالد بن أحمد آل خليفة" الضربات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، قائلاً إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الإيرانية من خلال تدمير مصادر الخطر. يُظهر هذا أن جزءًا من التعاون المبكر بين دول الخليج وإسرائيل قد بُني على أساس المصالح والتحديات الأمنية المشتركة. ومع ذلك، يبقى السؤال الملح: كيف سيؤثر تطبيع العلاقات على مستقبل التعاون السيبراني على مستوى الدولة والقطاع الخاص؟

الضعف السيبراني في الخليج وقدرات إسرائيل

شرعت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة في تنفيذ مبادرات تحول رقمي غير مسبوقة كجزء من خططها للتنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة. في السعودية ، تتوقع مؤسسة البيانات الدولية أن يتجاوز الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات 11.1 مليار دولار في عام 2021 بمعدل نمو سنوي يبلغ 4.2%. وفي الوقت نفسه، تعهدت الحكومة السعودية بتقديم 500 مليار دولار لبناء المدينة الذكية "نيوم"، التي تخطط لتوليد انبعاثات كربونية صفرية بالاعتماد على أحدث التقنيات. من جهتها، قدمت دولة الإمارات نفسها كواحدة من أكثر أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جاذبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مدفوعة بالمبادرات العامة التي تهدف إلى تعزيز التحول الرقمي والابتكار مثل تطبيق "UAEPass" الذي يساعد المستخدمين تلقي الخدمات العامة التي تقدمها 114 جهة حكومية، بالإضافة إلى منصة التعليم الإلكتروني "مدرسة" التي توفر 5000 فيديو تعليمي مجاني يستفيد منها 50 مليون طالب.

بشكل عام، من المتوقع أن يزداد الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دولة الإمارات بمعدل نمو سنوي يبلغ 8% خلال الفترة 2019-24 ليصل إلى 23 مليار دولار أمريكي في عام 2024. وفي الوقت نفسه، وكجزء من جهود البحرين، للتغلب على الانخفاض في أسعار واحتياطيات النفط، أعلنت الحكومة عن خطط طموحة لتحويل الدولة الجزيرة إلى مركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار من خلال تحرير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإدخال تشريعات وأنظمة رقمية رائدة. ومع ذلك، فقد عرّضت جميع جهود التطوير الرقمي هذه المنطقة أيضًا لتهديدات وتحديات إلكترونية كبيرة تفرضها الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.

أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة "Tenable" أن 95% من الشركات السعودية واجهت تهديدات إلكترونية تؤثر على العمليات العام الماضي. وكشف الاستطلاع أيضًا أن 85% من المشاركين السعوديين أشاروا إلى ارتفاع كبير في التهديدات الإلكترونية في العامين الماضيين مما أدى إلى فقدان البيانات أو إلى خسائر المالية.

وقد خلص تقرير المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي إلى أن السعودية من بين أكثر الدول استهدافًا عبر الإنترنت في العالم ويعتقد أن إيران هي المصدر الرئيسي لهذه الهجمات. على سبيل المثال كان 42% من الهجمات الإلكترونية التي نفذتها مجموعة "APT33" الإيرانية موجهة ضد المملكة.

كما سلط التقرير الضوء على أن السعودية لا تزال معرضة بشدة للهجمات السيبرانية حيث أوضحت دراسة حديثة أن 4 فقط من أصل 10 من قادة الأعمال السعوديين ذكروا أن كياناتهم مستعدة للتعامل مع التهديدات السيبرانية. بالإضافة إلى ذلك، أعلن رئيس الأمن السيبراني الإماراتي "محمد الكويتي"، أن بلاده شهدت ارتفاعًا بنسبة 250% في الهجمات الإلكترونية وسط التقارب الخليجي الإسرائيلي. في عام 2016، فقد حوالي 5.1 مليار درهم (1.3 مليارات دولار) في الإمارات بسبب الجرائم الإلكترونية، بينما أفادت شرطة دبي أن واحدًا من كل 5 مقيمين في الإمارات تعرض للجرائم الإلكترونية في عام 2015.

وبالنسبة للكويت أيضًا فهي واحدة من أكثر البلدان المستهدفة في المنطقة. كشف تقرير حديث لـ"Bitdefender" أن مجموعة "APT" الإيرانية استهدفت وسائل النقل الجوي والهيئات العامة هناك وفي السعودية.

تجعل هذه الثغرات السيبرانية دول مجلس التعاون الخليجي سوقًا قويًا لصناعة الأمن السيبراني، ومن المتوقع أن يحقق الأمر معدل نمو سنوي بنسبة 5.9% خلال الفترة 2017-2030.

وفي الوقت نفسه، تعد إسرائيل في طليعة التكنولوجيا السيبرانية العالمية وتمثل صناعة الأمن السيبراني لديها حوالي 31% من إجمالي الاستثمارات في السوق العالمية بينما بلغت صادرات الأمن السيبراني 6.85 مليار دولار في عام 2020.

على مر السنين، أنشأت إسرائيل إطارًا متكاملًا للأمن السيبراني يركز على تطوير القوة والمرونة والقدرة في مجال الإنترنت. وحشدت الحكومة الإسرائيلية أيضًا تمويلًا كبيرًا لبرامج البحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني، والتي مكنها من التطور لتصبح مركزًا عالميًا لشركات الأمن السيبراني الرائدة ومراكز الأبحاث في موقع التقنيات المتقدمة في بئر السبع.

كما لعب توافر القدرات البشرية المؤهلة دورًا رئيسيًا في صعود صناعة الإنترنت في إسرائيل حيث تقدم الدولة دورات فريدة في مجال الأمن السيبراني لطلاب المدارس المتوسطة جنبًا إلى جنب مع الدورات الإلكترونية المتقدمة التي يتم تدريسها في الجامعات الإسرائيلية.

بشكل عام، تسترشد استراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي بالمبادئ الأربعة لعقيدة "دافيد بن جوريون" الدفاعية: الردع، والنصر الحاسم، والإنذار المبكر، والتحالفات. وبالتالي، فإن إنشاء شراكات وتعزيز التعاون الاستراتيجي هما في صميم الرؤية الإسرائيلية، مما شجعها على الانخراط والتعاون مع الدول الغربية والآسيوية لتعظيم قدراتها السيبرانية.

ومع ذلك، فإن هذا يفتح الباب للتكهنات حول طبيعة وآليات التعاون بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر بمعالجة التهديدات السيبرانية المشتركة التي تشكلها إيران.

لمحات من التعاون السيبراني المشترك

بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، عقد رؤساء الأمن السيبراني في كلا البلدين اجتماعًا عامًا غير مسبوق لمناقشة كيفية معالجة التهديدات السيبرانية المشتركة من خلال توسيع التعاون وقنوات الاتصال. من المؤكد أن مشاركة القطاع الخاص تمثل النهج الأكثر مرونة لبناء نظام متكامل يعزز التعاون السيبراني الإسرائيلي الخليجي على مستوى الدولة وغير الدول. حتى في حالة السعودية، التي لم تطبع علاقاتها السياسية مع إسرائيل بعد، فإن التعاون المحتمل على مستوى القطاع الخاص يلوح في الأفق. وفقًا لصحيفة "جيروزاليم بوست"، تتفاوض الشركات الإسرائيلية سرًا مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشأن السبل الممكنة لتبادل الخبرات والمهارات التقنية اللازمة لإكمال مدينة "نيوم" السعودية الذكية.

وأشارت العديد من التقارير الإعلامية إلى قيام العديد من الشركات الخليجية بتشغيل خبراء أمن إلكتروني إسرائيليين ومسؤولين استخبارات سابقين. ذكرت صحيفة "هآرتس"، على سبيل المثال، أن شركة للأمن السيبراني مقرها أبوظبي أقنعت العديد من خريجي الجيش الإسرائيلي للعمل مع الشركة. وفي الوقت نفسه، تشير التقارير أيضًا إلى أن شركة "DarkMatter" التي تتخذ من الإمارات مقراً لها تعمل بنشاط على البحث عن الخبراء الإسرائيليين العاملين في "الوحدة 8200"، وهي قوة النخبة الإلكترونية الإسرائيلية.

في الواقع، يمكن أن يؤدي ارتفاع الحوادث الإلكترونية ضد أهداف دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل إلى تسريع عملية إنشاء إطار عمل تعاوني موجه نحو الأعمال يعزز المواءمة والتنسيق لمواجهة التهديدات السيبرانية المحتملة من خلال تبادل الأفكار والتحليلات حول قضايا الأمن المشتركة.

في الواقع، أصبحت بداية التعاون على مستوى الدولة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل أكثر وضوحًا. ووفقًا لصحيفة "هآرتس"، تتبادل الإمارات وإسرائيل حاليًا معلومات استخباراتية ومعلومات حول أنشطة حزب الله الإلكترونية الأخيرة. وقد دعا رئيس الأمن السيبراني في دولة الإمارات خلال مؤتمر "Cybertech" العالمي الذي عقد في دبي، إلى تدريبات مشتركة للأمن السيبراني مع إسرائيل لتبادل الخبرات والاستعداد لردع الهجمات المحتملة. كما أعلن أن فرق الاستجابة للطوارئ الإسرائيلية والإماراتية ستتبادل المعلومات خلال الفترة المقبلة لمساعدة كلا البلدين في التعامل مع الحوادث السيبرانية وتشجيع الشركات على التعاون على نطاق واسع.

لإنشاء نظام أكثر تعاونًا، دعا بعض المحللين إلى إنشاء مركز متعدد الدول لتبادل المعلومات وتحليلها يهدف إلى تعزيز قدرات الشركاء المعنيين في منع التهديدات السيبرانية والاستجابة لها والتعافي منها. يمكن لهذا المركز البناء على التقارب الأخير بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل لبناء استراتيجيات أمن إلكتروني متكاملة بين الدول ويمكن أن تساعد السلطات المختصة بشكل جماعي وتعاوني على الاستجابة للتحديات المشتركة بالإضافة إلى مشاركة أفضل الممارسات والمعلومات في الوقت الفعلي.

التقارب السيبراني الإيراني الروسي

في الوقت نفسه، يجري حاليًا تشكيل تحالف إلكتروني آخر في المنطقة بين إيران وروسيا. في 26 يناير/كانون الثاني 2021، وقّعت إيران وروسيا اتفاقية تعاون مشتركة في مجال الأمن السيبراني تشمل نقل التكنولوجيا والتدريب وتبادل المعلومات والتعاون الثنائي خلال الأحداث الدولية. بالرغم من الاعتقاد بأن هذا التعاون سيركز على تحسين الدفاعات السيبرانية الإيرانية بدلاً من تزويد إيران بالقدرات الهجومية بسبب الاختلافات الأيديولوجية بين البلدين والأهداف المتضاربة، إلا أن هذا التعاون لا يزال يمثل تحديًا لخصوم إيران في المنطقة. ووفقًا "لمجلس العلاقات الخارجية"، يمكن لروسيا تزويد إيران بأنظمة الدفاع الإلكتروني والتدريب لمعالجة أوجه القصور الدفاعية لديها، مما سيجعل الهجمات الإلكترونية المحتملة ضد الأهداف الإيرانية أكثر تكلفة وصعوبة في المستقبل. علاوة على ذلك، يمكن لإيران بدورها توفير التقنيات الروسية لوكلائها في المنطقة، مثل حزب الله وميليشيا الحوثي، والتي يمكن استخدامها ضد أهداف خليجية أو إسرائيلية. أخيرًا، يمكن إرسال فرق إلكترونية روسية إلى إيران لمراقبة الشبكات الإيرانية وفحص البرامج الضارة الأمريكية أو الإسرائيلية المستخدمة ضد إيران، مما يساعد كلا البلدين على تعزيز قدراتهما الدفاعية ضد الهجمات المستقبلية.

المصدر | أحمد المصرى - معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأمن السيبراني اتفاقيات أبراهام العلاقات الاسرائيلية الخليجية نيوم العلاقات الإيرانية الروسية

هيئة سعودية للأمن السيبراني لمواجهة الهجمات الإلكترونية

جنرال إيراني يهاجم حكومة روحاني بسبب الفضاء السيبراني.. ما القصة؟

السعودية تدير ظهرها لاتفاقيات أبراهام

فأس إبراهيم.. مجموعة سيبرانية إيرانية تستهدف إحباط تطبيع السعودية وإسرائيل