تهديد وجودي.. العراق يواجه أزمة مياه حادة وسط انشغال وضعف حكومي

الخميس 2 سبتمبر 2021 03:24 ص

يتمتع العراق المعروف تاريخيا باسم بلاد الرافدين بوفرة المياه منذ فجر الحضارة. ومع ذلك، فإن معظم إمدادات المياه في العراق تأتي إما من البلدان المجاورة أو تمر عبرها. وقد أدت السياسات المائية في هذه البلدان إلى خفض إمدادات المياه في العراق وأثرت على الزراعة وزادت من تلوث المياه في معظم مناطق البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، يؤثر زيادة عدد سكان العراق وسوء إدارة الحكومة للمياه وتغير المناخ على وصول العراقيين إلى المياه. ولا تبشر الاتجاهات الحالية بالخير بالنسبة للأمن المائي للعراق، وربما تزرع المنافسة على المياه بذور أزمة داخل العراق ستتفاقم فقط في المستقبل.

التنافس الدولي

يعتبر نهرا دجلة والفرات من المصادر الرئيسية للمياه في العراق، حيث يمثلان 98% من المياه السطحية في البلاد. وينبع كلا النهرين من تركيا، بينما يمر نهر الفرات عبر سوريا، وتتدفق بعض الروافد عبر إيران.

كان العراق دولة غنية بالمياه حتى السبعينيات، حتى بدأت تركيا في بناء السدود على النهرين مما أدى إلى انخفاض كبير في إمدادات المياه. وقد بدأت الحكومة التركية مشروع جنوب شرق الأناضول من خلال بناء 22 سداً و19 محطة طاقة هيدروليكية لتطوير المحافظات الجنوبية الشرقية، وكانت غير مستعدة للتفاوض على اتفاقية مع العراق وسوريا بشأن حصص المياه.

وبينما تقل إمدادات المياه في العراق بشكل عام، فإن تركيا لديها أيضًا القدرة على خفض تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر في غضون فترة قصيرة.

وقد أدت سياسة المياه في إيران إلى تقليص إمدادات المياه في العراق حيث تساهم الروافد التي منشؤها إيران بنسبة 40% من مياه شط العرب في العراق، وكان لبناء السدود تأثير مدمر على تدفق المياه إلى المحافظات الشرقية للعراق. ومع بناء 600 سد في إيران فضلا عن المزيد من السدود المخطط لها، تم تحويل مياه الأنهار مثل "كارون" و "سيروان" للبقاء داخل الأراضي الإيرانية ولم تعد تتدفق إلى العراق.

ولم تؤد عمليات التحويل إلى تقليل تدفق المياه إلى العراق فحسب، بل أدت أيضًا إلى زيادة الملوحة. وفي البصرة وحدها، تم إدخال 118 ألف شخص إلى المستشفى بسبب مشاكل صحية تتعلق بجودة المياه في صيف 2018.

وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يجف نهرا دجلة والفرات تمامًا داخل العراق بحلول عام 2040 بسبب سياسات المياه لدى جيران بلاد الرافدين. ومع ضعف الدولة العراقية، لم يعد لديها نفوذ كبير للتفاوض مع إيران وتركيا بشأن إمدادات المياه.

سوء إدارة الحكومة

بالرغم من خطورة الموقف إلا أن استجابة الحكومة العراقية لأزمة المياه كانت متواضعة بسبب ضعفها ومحدودية الخيارات المتاحة.

وقد جذبت العديد من المشكلات المحلية انتباه الحكومة بعيدًا عن صياغة استراتيجية قابلة للتطبيق لمعالجة نقص المياه. وعلى مدى العقدين الماضيين، كان تركيز الحكومة العراقية على محاربة الإرهاب والتعامل مع الميليشيات القوية المتحالفة مع إيران والتصدي للفساد، فيما أهملت الحكومة أولويات أخرى.

على سبيل المثال، تخلف العراق عن الركب في قطاع الزراعة، ولم تفعل الحكومة ما يكفي لتحديث أساليب الري.

أخيرًا، هددت الحكومة العراقية بتدويل أزمة المياه من خلال تقديم شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة إذا استمرت إيران في الحد من تدفق المياه، لكن الحكومة لم تتابع وفشلت في صياغة أي خيارات بديلة قابلة للتطبيق للتعامل مع إيران.

آثار تغير المناخ

يعتبر العراق من أكثر البلدان تضرراً من تغير المناخ، حيث ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة السنوية بمقدار 1-2 درجة مئوية بين عامي 1970 و 2004، مما أدى إلى تفاقم حالات الجفاف. ووفقًا للحكومة العراقية، أصبح متوسط ​​هطول الأمطار السنوي أقل قابلية للتنبؤ به منذ سبعينيات القرن الماضي وانخفض بنسبة 10% في العشرين عامًا الماضية.

ويقدر العلماء أنه بحلول عام 2050 سينخفض ​​هطول الأمطار بنسبة 25% في العراق، مما سيزيد من حدة التصحر وندرة المياه. وقد تسبب ارتفاع درجة الحرارة أيضًا في زيادة التبخر مما يقلل من مستويات المياه المتاحة بشكل أكبر.

وفي كثير من الحالات، يعتمد العراق على إدارة الفيضان في المناطق الزراعية، وقد بنى العديد من السدود لحماية المدن الكبيرة من الفيضانات مما يجعل المياه أكثر عرضة للتبخر.

النمو السكاني

تفاقم الانخفاض في إمدادات المياه بسبب الارتفاع الحاد في عدد السكان في العقود القليلة الماضية، مما أدى بدوره إلى زيادة الطلب على المياه. وبين عامي 1970 و 2007، تضاعف عدد سكان العراق 3 مرات ليصل إلى 30 مليون نسمة. وبحلول نهاية 2020، تجاوز عدد سكان العراق 40 مليونًا، وفقًا لوزارة التخطيط العراقية. وذكرت الوزارة في  يوليو/تموز أن النمو السكاني السنوي بلغ 2.6%.

وبالرغم من انخفاض معدل النمو في السنوات العشر الماضية، أشارت الوزارة إلى أنه لا يزال مرتفعًا مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى.

في الوقت نفسه، دعمت الحكومة العراقية أسعار المياه للعملاء العراقيين، مما أدى إلى زيادة الاستهلاك والهدر من قبل المواطنين العراقيين حيث يستهلك العراقيون 392 لترًا للفرد يوميًا، بينما يبلغ المتوسط ​​العالمي 200 لترًا للفرد.

وبدون إصلاح تسعير المياه، من شبه المؤكد أن الاستهلاك المفرط ونقص العرض سيستمران، وستتسع الفجوة بين العرض والطلب.

النزوح والصراع القائم على المياه

أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في عام 2019 أن 21.314 عراقيًا نزحوا داخليًا في محافظات جنوب ووسط العراق بسبب نقص المياه الصالحة للشرب.

كما حذر الرئيس العراقي "برهم صالح" من أن العراق قد يواجه عجزًا قدره 10.8 مليارات متر مكعب من المياه سنويًا بحلول عام 2035 وأن 54% من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق مهددة بسبب زيادة الملوحة.

 وبالفعل سيواجه القطاع الزراعي العراقي ضربة قاسية في المستقبل بسبب انخفاض منسوب المياه. وبالرغم أن الزراعة تساهم بأقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها توظف ما يقرب من ثلث العراقيين الذين يعيشون في المناطق الريفية ويعتمدون على الزراعة.

وبالنظر إلى هذا الضغط، فإن التوتر بين القبائل حول المياه آخذ في الارتفاع بالفعل. وبالفعل فإن المحرك الرئيسي لبعض الصراعات المحلية هو نقص المياه وتكرار الجفاف كما هو الحال في المحافظات الجنوبية، مثل ميسان وذي قار. وقد أفادت الأمم المتحدة في عام 2013 أنه تم تسجيل حوادث مواجهات شبه يومية، بما في ذلك الاشتباكات أو المشادات الكلامية، في 38 موقعًا في بغداد وحدها. وكانت هناك صراعات على المياه بين العرب والأكراد والتركمان في كركوك.

وعلى سبيل المثال، أعرب مسؤولون من محافظتي ميسان والمثنى عن استيائهم من المحافظات الواقعة شمالهم قائلين إنهم يأخذون أكثر من حصتهم من المياه.

بالإضافة إلى ذلك، حاول بعض العراقيين الاستفادة من سيطرتهم على إمدادات المياه محليًا. وقد هددت حكومة إقليم كردستان، التي تقع في الشمال وتسيطر على جزء كبير من تدفق المياه إلى أجزاء أخرى من العراق، بخفض إمدادات المياه بسبب الخلافات السياسية مع الحكومة المركزية في بغداد في عام 2016.

كما قطعت حكومة إقليم كردستان تدفق المياه إلى المحافظات العربية بعد خفض إيران إمدادات المياه لنهر الزاب الصغير في عام 2018.

معالجة أزمة المياه

ساهمت الانقسامات السياسية وفساد الحكومات العراقية المتعاقبة وكذلك الانقسامات الاجتماعية في إهمال قضايا مهمة مثل المياه. وللأسف، تسبب ضعف الحكومة في الحد من قدرتها على المناورة لمعالجة انعدام الأمن المائي.

ولعكس الاتجاهات السلبية الحالية، أو على الأقل تحسينها، لن تحتاج الحكومة العراقية فقط إلى التوصل إلى اتفاق مع جيرانها الأقوياء حول حصص المياه، ولكن أيضًا إلى الالتزام بعملية طويلة من السياسات والإصلاحات المحلية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك استخدام المياه وتسعيرها.

ومع الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، فإن الحكومة العراقية الجديدة -التي تواجه العديد من القضايا الملحة الأخرى- ستحتاج إلى بذل جهد كبير لمعالجة أزمة المياه. لكن الوقت لن يكون في صالحها.

المصدر | مصعب الألوسي - معهد دول الخليج العربية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المياه في العراق برهم صالح العلاقات العراقية التركية أزمة المياه الجفاف في العراق السدود المائية

العراق: ملف المياه مع تركيا شهد تطورا إيجابيا

بعد تراجع منسوب المياه.. ظهور قرية عراقية غارقة منذ 36 عاما (صور)

بغداد تفعّل مذكرة مع تركيا للحصول على حصة كاملة من المياه

العراق يهدد إيران باللجوء لمحكمة العدل الدولية لاستحصال حقوقه المائية

بلومبرج: الجفاف أجبر العراق على خفض مساحة محاصيله المزروعة إلى النصف

أهوار العراق تستسلم للجفاف وتتحول إلى أراضي يابسة قاحلة