نموذج الدولة الريعية يتهاوى أمام أزمة الوافدين في الكويت

الخميس 6 يناير 2022 11:17 م

تشبه العلاقة الريعية بين النخب الحاكمة ومواطني دول الخليج علاقة صاحب العمل والزبون. وبالنسبة لكلا الطرفين، توفر العوائد والالتزامات الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وقد كتب الكثيرون عن طبيعة الدولة الريعية وتأثير هذا النموذج على التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. لكن ماذا عن العملاء الآخرين في هذا النموذج؟ ففي حالة الكويت على سبيل المثال، تتجاهل هذه العلاقة الريعية العمال الوافدين بالرغم أنهم يشكلون 68.2% من سكان البلاد.

وتوجد فجوة كبيرة بين هذين العميلين المختلفين بالرغم أن "صاحب العمل" هو نفس الجهة. وفي حين أن العمال المغتربين ليس لهم حضور سياسي إلا أنهم يلعبون دورًا مهمًا ولكن صامتًا. ويجب على الدول الريعية التي لديها أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية أن تحافظ على توازن معين مع المقيمين الأجانب بشكل يشبه إلى حد كبير العلاقة مع المواطنين.

وتعد الوظائف الثابتة والرعاية الصحية المجانية والغذاء والماء والكهرباء المدعوم جزءا من العقد الاجتماعي. وبموجب القانون، تضمن الكويت المرافق الأساسية للجميع من خلال الجمعيات التعاونية الغذائية ومراقبة أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والزيت والخبز والأرز التي تُباع في منافذ الطعام الخاصة والعامة الأخرى.

تفاقم الانقسامات الاجتماعية

يشير الباحثون في نموذج الدولة الريعية إلى أن توزيع الثروة النفطية يؤدي إلى انقسامات مجتمعية حيث يتم منح فرص الإثراء لأفراد ومجموعات دون غيرها. وفي حين أن وجودهم يتعرض لانتقادات شديدة من قبل المواطنين، إلا أن المغتربين يشغلون المناصب الأكثر أهمية في محطات الطاقة ومنصات النفط وخدمات الصيانة.

بالإضافة إلى ذلك، يتولى المغتربون مهمة الإدارة التنفيذية في العديد من البنوك وأنظمة الرعاية الصحية والمؤسسات المالية والشركات الكبيرة. وباعتبارهم أكبر مجموعة سكانية في الكويت، فإن المغتربين يجدون أنفسهم أمام موقف موحد مناهض لهم من قبل المواطنين، وهو أحد الأشكال النادرة لوحدة المواطنين في مجتمع مقسم على أساس الطائفية والقبلية.

ويجسد البرلمان الكويتي الشعبوي بشكل متزايد رد الفعل العنيف ضد المغتربين. وقالت النائبة السابقة "صفاء الهاشم" إن المغتربين "يجب أن يدفعوا مقابل الهواء الذي يتنفسونه" ويعلن البرلمان كل أسبوع تقريباً عن مجموعة من التشريعات الهادفة إلى معاقبة الوافدين.  

كما أن الإصلاحات التي تجعل من الصعب الحصول على تصريح عمل أو رخصة قيادة أو رعاية طبية متساوية ليست سوى طرق تستهدف المغتربين. وسلط وباء "كورونا" الضوء على معاناة المغتربين. وبصرف النظر عن لوم وسائل الإعلام للمغتربين على انتشار الفيروس، واجهت الأحياء الوافدة التي تم عزلها خلف نقاط التفتيش أقسى الأعباء الاجتماعية والاقتصادية للوباء.

وظل العمال المغتربون بدون طعام أو رواتب لشهور لدرجة أن كثيرين أصبحوا غير قادرين على دفع ثمن خط الهاتف للاتصال بالعالم الخارجي في ذلك الوقت. وازدادت حالات الانتحار داخل مجتمعات المغتربين، ولم تظهر الآثار الكاملة لهذه الفترة بعد. 

وكانت عناوين الصحف الشعبوية تعتبر الوباء فرصة لتخليص الكويت من المغتربين. وشبهت وسائل الإعلام العمال الوافدين بالغزو، معتبرة أن هذه المشكلة لا يمكن حلها إلا بإجراءات صارمة والترحيل القسري.

كما يوجد تفاوت واضح في التعامل مع فئات المغتربين. وبينما يتم تصوير بعض الجنسيات على أنها غير نظيفة وفاسدة وغير مرحب بها، يتم التعامل مع الغربيين ومواطني الدول المتقدمة على أنهم فئة مختلفة تمامًا.

ويتزايد خطاب الكراهية تجاه الوافدين حتى أصبح أي مغترب يرفع صوته (حتى في أكثر الموضوعات اعتيادية مثل الشكوى من الطقس) عرضة للتهديد بطريقة غير قانونية اعتمادًا على مزاج الكفيل. ويتم التعامل مع الوافدين بازدراء على وسائل التواصل الاجتماعي ويجري تهديدهم من قبل المواطنين بالترحيل أو ما هو أسوأ.

لا مساعدة من المجتمع المدني

وتغيب المنظمات الحقوقية عن هذا المشهد في بلد غالبًا ما يتم الإشادة به باعتباره موطنًا لمجتمع مدني نابض بالحياة. وعلى المستوى التنظيمي، فإن منظمات المجتمع المدني الكويتية خاملة وغير فعالة ومعزولة عن واقع المغتربين. وتنظم معظم منظمات المجتمع المدني سلسلة من ورش العمل المتكررة التي لا نهاية لها والتي تؤدي دورًا رمزيًا فقط، بدلاً من الاستخدام البنّاء للموارد التنظيمية.

وتقف منظمات المجتمع المدني عند مهمة تحديد المشكلة دون تنفيذ خطة فعلية. كما تروج بعض منظمات المجتمع المدني لروايات مضللة تقلل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعتبر عدم وجود إشراف حكومي "مشكلة ثقافية"،وتلقي بالمسؤولية على سفارات المغتربين المتضررين، بدلاً من بلد الإقامة.

لكن العامل الرئيسي الذي يسهم في عدم فعالية منظمات المجتمع المدني في الكويت هو أنها تخضع لنخبة من المواطنين الذين يتولون إدارة هذه المنظمات لفترة طويلة تجعلهم ينظرون إلى مناصبهم كمصدر للإثراء الشخصي ووسيلة لتحقيق الطموحات الفردية. نتيجة لذلك، غالبًا ما تكون عملية الدفاع عن حقوق الإنسان مجرد وسيلة وليست مسعى جادًا. 

أما معظم المنظمات الدولية مثل المنظمة الدولية للهجرة ومنظمة العمل الدولية فهي غير قادرة على إجراء تغييرات ملموسة على هذا النمط. وبالمثل، فإن معظم السفارات لا تنفذ أي سياسات جادة لحماية مواطنيها من الإساءة وسوء المعاملة، وبدلاً من ذلك تركز على بناء علاقات وثيقة مع الناشطين الذين يوفرون لهم صلة مع دوائر النخبة السياسية. وبصرف النظر عن اختلاق الشعارات أو إطلاق مبادرات قصيرة المدى، فإنهم يظلون غير مهتمين بحقوق الإنسان أو حماية مواطنيهم مع أن هناك استثناء ملحوظ هو حكومة الفلبين التيظهرت جهودها لحماية المغتربين.

وأدى الإهمال الجسيم وسوء معاملة الوافدين إلى اتجاهين: أولا نزوح جماعي للعديد من المغتربين في عامي 2020 و 2021 فقد تم الإعلان رسميًا عن مغادرة ما يزيد عن 200 ألف شخص، لكن العدد ربما يكون أكبر بكثير؛ وهذا بخلاف أكثر من 280 ألف حوصروا في الخارج أثناء الوباء وفقدوا أماكن إقامتهم.

أما الاتجاه الثاني والأوسع نطاقاً فهو تراجع التوظيف. وبالرغم أن نقص العمالة يواصل الإضرار بالاقتصاد الضعيف بالفعل، فإن الحكومة تواصل خفض أعداد العمالة الوافدة.

وخلال الوباء، دفعت صناعة النفط الحكومية الثمن الأعلى. وأدت بعض الأمور المتزامنة، بما في ذلك نضوب حقول النفط وتأخر المشاريع وانخفاض الطلب وارتفاع تكاليف العمالة، إلى توقف المشاريع. وأصبح من الصعب أيضًا دفع الشركات إلى تقديم عطاءات، كما أن نقص المفتشين وموظفي الصيانة والمهندسين المؤهلين للحفاظ على العمليات الحالية لا يزال يعيق الإنتاج.

ومن الناحية القانونية، فإن الأدوات اللازمة لحماية المغتربين في الكويت موجودة حيث تضمن المادتان 36 و37 من الدستور الكويتي حرية التعبير "لكل شخص"، ويمكن للمغتربين إنشاء منظمات مع الشركاء المحليين لحماية أنفسهم لكن الخطوة الأولى الأساسية تتمثل في أن تتخذ الحكومة إجراءات صارمة ضد العنصرية وكراهية الأجانب على الإنترنت.

كما يتعين على الحكومة تطبيق التشريعات الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان في الكويت. وتجرم المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 2012 (قانون الوحدة الوطنية) الكراهية وتنص على أن "أي كراهية أو ازدراء لأي فئة من فئات المجتمع من خلال إثارة الفوضى الطائفية أو القبلية أو الترويج لأفكار تدعو إلى تميز أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو عقيدة دينية أو جنس أو قرابة قد يؤدي إلى السجن لمدة 7 سنوات وغرامة قد تصل إلى 100 ألف دينار أو أي من هاتين العقوبتين".

وقبل الوباء، كان هناك تدفق مستمر للموظفين القادمين من الخارج بالرغم من سوء المعاملة. ولكن مع الوباء والخطاب الشعبوي الواسع الانتشار والسياسات الإقصائية التي يتبناها البرلمان أصبحت الكويت أقل جاذبية للعمالة. وبدأت الدول المجاورة مثل الإمارات بالفعل في تحركات إيجابية مثل تقديم إقامات دائمة ومنح حق التملك للأجانب لتشجيع للمستثمرين والمغتربين على الانتقال إلى دولة الإمارات.

وأصبحت العنصرية ضد المغتربين وكراهية الأجانب "أزمة أمن قومي" فقد أضرت بسمعة الكويت في جميع أنحاء العالم في الوقت الذي تحتاج فيه إلى تحسين علاقتها للاستعداد لمرحاة ما بعد النفط. علاوة على ذلك، فإن إزالة القوانين الشعبوية، مثل قانون التكوين الديموغرافي الذي تم إلغاؤه في وقت سابق من هذا العام، أمر بالغ الأهمية لإصلاح العلاقات مع المغتربين.

وتحتاج الحكومة الكويتية إلى البدء في التعامل مع أكبر مجموعة ديموغرافية لديها بجدية أكبر. ويعتبر المغتربون أكثر أهمية لاقتصاد الكويت من أي شيء آخر عدا موارد النفط. ولا يوجد شارع نظيف، أو بئر نفط، أو مستشفى، أو محطة توليد كهرباء، أو منشأة لتحلية المياه، أو رف مملوء بالأدوية أو الطعام بدون دور المغتربين.

علاوة على ذلك، فإن حماية حرية المغتربين تحافظ على النمو الاقتصادي المستمر. وفي الدولة الريعية، يؤدي توزيع العائدات على الفئات الأكثر أهمية إلى استقرار سياسي. وقد حان الوقت لأن تعكس السياسة الكويتية هذا الواقع.

المصدر | جيفري مارتين / منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الدولي

  كلمات مفتاحية

الوافدين في الكويت العاملين الأجانب العنصرية القومية الدولة الريعية وباء كورونا

%75 تراجعا بتحويلات الأجانب في الكويت خلال 2020

الكويت.. مؤسسة حكومية تنهي خدمات 33% من الأجانب

تفاصيل التعديلات الجديدة باللائحة التنفيذية لقانون إقامة الأجانب بالكويت

بنوك كويتية تحدد راتبا معينا للسماح بإقراض الوافدين