مسارح متشابكة.. تطورات شبوة ومأرب يتردد صداها من أبوظبي إلى فيينا

الجمعة 28 يناير 2022 12:13 ص

هناك مسافة كبيرة على الخريطة بين مأرب في اليمن وفيينا في النمسا، لكن التطورات في أبوظبي تشير إلى أن هذه المسافة أقصر بكثير في الواقع.

وفي الوقت الذي تتعثر فيه محادثات فيينا النووية، أكد الجيش الأمريكي أنه شارك في اعتراض صاروخين باليستيين تابعين للحوثيين استهدفا قاعدة الظفرة الجوية بالقرب من أبوظبي، والتي تضم جناح الاستطلاع الجوي 380 التابع لسلاح الجو الأمريكي و2000 عسكري أمريكي.

وفي أقل من شهر، حدث تطور دراماتيكي في حرب اليمن من صراع عربي إلى إقليمي ثم أصبح عالميا في الواقع.

وشن الحوثيون الهجمات الصاروخية على الإمارات ردا على انتكاسات كبيرة في معركة مأرب، بسبب تدخل ميليشيا يمنية قوية تدعمها الإمارات.

وبالنظر إلى أن هذه الصواريخ الحوثية المتطورة يتم توفيرها من قبل إيران وكذلك الدعم الفني الحاسم من قبل "حزب الله" اللبناني، فسيكون من الصعب تجاهل تورط إيران.

وبالنظر إلى أن مقرا عسكريا رئيسيا وجناحا جويا أمريكيا قد تعرضا لهجوم مباشر بهذه الأسلحة، فمن الصعب تجاهل الصلة المباشرة بين مأرب وفيينا وبينهما أبوظبي.

  • أسباب الغضب الهائل لدى الحوثيين

بدأت سلسلة الهجمات الصاروخية للحوثيين ضد الإمارات في 17 يناير/كانون الثاني، عندما دمرت ضربات صاروخية وطائرات مسيرة عدة ناقلات وقود إماراتية وقتلت 3 أشخاص على الأقل وأصابت عددا آخر.

ومن الواضح أن الهجمات كانت انتقاما لاستعادة القوات الموالية للحكومة مناطق رئيسية في محافظة شبوة من سيطرة الحوثيين.

ويرجع هذا الانقلاب الميداني في المقام الأول إلى التدخل الفعال للغاية من قبل "ألوية العمالقة" المدعومة من أبوظبي.

وبينما سحبت الإمارات معظم قواتها من اليمن عام 2019، إلا أنها تحتفظ بوجود قوي في جميع أنحاء الجنوب وفي أجزاء أخرى من البلاد.

وفي الواقع، يعد دور الإمارات أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب، إلا أن هذا الصراع تم فصله فعليا عن الجنوب، حيث تحاول الإمارات تحقيق التوازن بين مختلف الفصائل الجنوبية مع الاستمرار في حملتها ضد القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى.

وقد تم تيسير تدخل "ألوية العمالقة" عبر الإطاحة بمحافظ شبوة السابق "محمد صالح بن عديو" وهو أحد رجال حزب "الإصلاح" الذي لديه خلافات عميقة مع أبوظبي، وقد أقاله الرئيس اليمني "عبد ربه منصور هادي" بعد انتقادات حادة وجهها لدور الإمارات في البلاد في الوقت الذي تزايد فيه شعور القبائل بأنه غير قادر على التعامل مع هجوم الحوثيين على المحافظة الغنية بالنفط.

وتم تعيين محافظ جديد موالي للإمارات وهو "عوض العولقي" وبدأت "ألوية العمالقة" العمل على الفور.

وبحلول 10 يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن "العولقي" تحرير محافظة شبوة من أيدي الحوثيين بعد طرد قوات المتمردين من مناطق عين وعسيلان وبيحان، التي احتلها الحوثيون في وقت سابق في إطار حملة أوسع للسيطرة على محافظة مأرب المجاورة.

وتعتبر شبوة الغنية بالنفط، وكذلك مأرب، ضرورية للحوثيين من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ومع سيطرة الحوثيين على شبوة، كان من المحتمل أن تكون مأرب هي التالية، وكان ذلك سينهي عمليا آمال حكومة "هادي" في الاحتفاظ بأي نفوذ سياسي ذي مغزى في البلاد.

لكن الانعكاس المفاجئ للأوضاع على الأرض، عبر الانتصارات التي حققتها "ألوية العمالقة" في غضون أيام، يعني أن سيطرة الحوثيين على المناطق الحاسمة لا تزال محل نزاع، وأن الانتصار ليس حتميا للقوات المدعومة من إيران.

وقد يؤدي ذلك إلى استمرار القتال في المستقبل المنظور أو إلى اضطرار الحوثيين إلى الانخراط في مفاوضات جادة  للمرة الأولى.

وكانت مشاركة الحوثيين في المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة شكلية وعكست في المقام الأول اعتقاد الحركة بأن استمرار القتال على الأرض قد يؤدي إلى مكاسب إضافية.

وتُظهر الهجمات التي استهدفت المنشآت العسكرية الإماراتية والأمريكية مدى الصدمة والإحباط لدى الحوثيين بسبب الهزيمة المفاجئة وغير المتوقعة.

ولكن تحويل المعركة إلى الداخل الإماراتي، جعل حرب اليمن إقليمية أكثر من أي وقت مضى.

وجر الحوثيون الولايات المتحدة إلى المعركة مع هجومهم على قاعدة الظفرة الجوية.

ومن خلال استخدام صواريخ باليستية يعتقد أنها إيرانية مع وجود مستشارين تقنيين من "حزب الله"، حوّل الحوثيون معركة شبوة إلى معركة عالمية.

  • واشنطن وطهران وحرب اليمن

ولم تتخل إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بعد عن المحادثات غير المباشرة في فيينا، لكن هذه المحادثات لم تسفر عن تقدم ملموس حتى الآن.

وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى أن السقف الزمني للمحادثات لن يتجاوز بضعة أسابيع إضافية.

لكن سيكون من المحرج تعاطي واشنطن بإيجابية مع إيران في هذه "اللحظة الحاسمة" التي يقوم فيها حلفاء طهران بتصدير الحرب ليس فقط إلى شريك مهم للولايات المتحدة ولكن أيضا إلى منشآت عسكرية أمريكية.

ومن المستبعد للغاية أن يتم تحديد الطبيعة الدقيقة لدور إيران أو "حزب الله" في هذه الهجمات، بخلاف توفير الأسلحة.

لكن بالنظر إلى تصاعد الهجمات خلال الأسبوع الماضي لتشمل منطقة الظفرة ما أجبر الجيش الأمريكي على التدخل المباشر لاعتراض الصواريخ، فليس هناك ما يشير إلى أن طهران كانت غير مرتاحة للتصعيد الحوثي، أو أنها فعلت أي شيء لمحاولة كبح جماحهم. ويعزز تفاخر الحوثيين بالهجمات هذا الانطباع.

  • الآثار الاستراتيجية على اللاعبين الرئيسيين

رد التحالف الذي تقوده السعودية بضربات جوية كبيرة على الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن ألحقت أضرارا كبيرة بالبنية التحتية وقوات الحوثيين وتسببت في مقتل العديد من المدنيين.

وبالرغم أن الإمارات تعهدت برد أكثر جوهرية، إلا أن ذلك يعتمد على حسابات مختلفة، بما في ذلك الموقف الأمريكي ورد فعل إيران المحتمل ومدى خطورة التهديد الذي قد تشكله الهجمات الحوثية الانتقامية.

وقد تدفع مثل هذه المخاوف الإماراتيين إلى التركيز بشكل أساسي على شبوة ومأرب.

ويشير التقدم المستمر للقوات الموالية للحكومة، وخاصة "ألوية العمالقة"، في منطقتي جوبا والعبدية بمأرب إلى أن استمرار هذا الهجوم المضاد القوي قد يكون الوسيلة الأكثر فعالية والأقل خطورة للرد على الحوثيين.

وخارج منطقة الشرق الأوسط، تصبح الأمور أكثر تعقيدا.

وبالنظر إلى أهمية محادثات فيينا لإدارة "بايدن"، قد تحاول واشنطن التقليل من أهمية أي صلة بين هجمات الحوثيين ضد الإمارات والمفاوضات.

ومع ذلك، ما لم يتمكن كبير المفاوضين "روبرت مالي" وفريقه من الإشارة إلى بعض النتائج قريبا، فإن الغضب من الهجمات الصاروخية ضد المنشآت العسكرية الأمريكية سوف يتضافر حتما مع الإحباط من عدم استعداد إيران للعودة إلى الاتفاق.

وفي الواقع، بالإضافة إلى الرد المباشر على الانتكاسة الدراماتيكية على الأرض في اليمن، تعكس هجمات الحوثيين ضد الإمارات جزئيا أيضا الاستعداد المستمر لشبكة إيران الإقليمية من مجموعات الميليشيات العربية لاستعراض عضلاتها بطرق استفزازية للغاية.

وتوضح هجمات الحوثيين استعداد إيران وقدرتها على ضرب الخصوم بجرأة تحت غطاء إنكار شبه معقول.

وعلى مدى العامين الماضيين، وجدت إيران أن استخدام الوكلاء لضرب الخصوم أداة فعالة للضغط بتكاليف منخفضة عادة، إذا استثنينا مقتل قائد فيلق القدس الجنرال "قاسم سليماني" والقيادي بالحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس".

كما تعد هذه الهجمات تذكيرا مقلقا بمدى هشاشة العلاقات الاستراتيجية في الشرق الأوسط بالرغم من الأشهر الـ 18 الماضية التي شهدت تراجعا للتصعيد في الجهات الإقليمية الرئيسية ومحاولات للتقارب وتهدئة الأجواء بين الفاعلين الإقليميين.

ومن بين أكثر هذه الجهود إثارة كانت محاولات التقارب بين الإمارات وإيران.

ووصلت هذه العملية إلى ذروتها في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2021 عندما زار مستشار الأمن القومي الإماراتي "طحنون بن زايد" طهران ودعا الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" لزيارة الإمارات هذا العام.

وبدا الطرفان حريصين على تحسين العلاقات. لكن بالطبع، سيكون من الصعب للغاية أن تتم زيارة "رئيسي" لأبوظبي طالما تضرب الصواريخ الإيرانية أهدافا داخل الإمارات.

علاوة على ذلك، يوضح اندلاع العنف الإقليمي المفاجئ والتطورات الدراماتيكية في ساحة المعركة في اليمن أن ما يحدث في صراع شرق أوسطي بعيد نسبيا لا يبقى بالضرورة هناك.

وفي غضون أيام، يمكن سحب لاعب إقليمي رئيسي مرة أخرى إلى الصراع اليمني بعد أن كان يحاول الانسحاب منه، ويمكن أن تصبح الرهانات العالمية أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.

ولا تزال التداعيات المفاجئة للصراع قادرة على إنتاج مشهد استراتيجي وسياسي معقد حيث تقع مأرب وأبوظبي وفيينا في نفس الجوار وظيفيا.

المصدر | حسين آيبش/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

شبوة مأرب قاعدة الظفرة الجوية الحوثيون كتائب العمالقة حرب اليمن محادثات فيينا العلاقات الإماراتية الإيرانية ألوية العمالقة

التحالف العربي يعلن مقتل 350 مسلحا حوثيا بشبوة ومأرب

رئيسي لماكرون: إيران أثبتت جديتها في التوصل لاتفاق بمفاوضات فيينا