عودة مقلقة لتنظيم "الدولة" في سوريا ودول أخرى

الثلاثاء 1 فبراير 2022 08:07 ص

تُلقي الأحداث الأخيرة في الحسكة شمال شرقي سوريا، الضوء مجددا على تهديدات تنظيم "الدولة" الذي واصل نشاطاته طوال السنوات الماضية بوتيرة متصاعدة دون أن تحظى بتغطية إعلامية كافية، أو اهتمام القوى الدولية المعنية بالحرب على الإرهاب.

منذ خسارته آخر معاقله في الباغوز بريف دير الزور الشرقي على الحدود مع العراق في مارس/آذار 2019، أعاد "الدولة" بناء استراتيجياته القتالية وفق متغيرات فرضها واقع فقدانه الكثير من قياداته ومقاتليه ومحاصرة قدراته المالية وخسارته معظم المعدات الثقيلة وتراجع قدراته على تجنيد مزيد من المقاتلين لتعويض خسائره البشرية.

ويُركز التنظيم على جعل مناطق بادية الشام غرب الفرات في ريف دير الزور مركزا لتجميع مقاتليه، وهي مناطق تضعف فيها السيطرة الأمنية لأطراف الحرب السورية، قوات النظام والقوات الحليفة لها وفصائل المعارضة.

وتشير تقارير الأمم المتحدة في فبراير/شباط 2021، إلى وجود ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل من "الدولة" ينشطون في سوريا والعراق، إلى جانب أعداد أخرى تنتشر في أفريقيا وأفغانستان وليبيا والصومال وجنوب شرق آسيا.

ووفق مواقع مقربة من "الدولة" فإن التنظيم نفذ ما يزيد على 2748 عملية في جميع مناطق نشاطاته حول العالم أسفرت عن 8147 قتيلا، بواقع 1065 عبوة ناسفة ونحو 855 اشتباكا أو تعرضا مسلحا و203 كمائن، إضافة إلى عمليات أخرى منها 23 انتحارية.

وتوزعت العمليات على العراق بـ1127 عملية قتل جراءها 2083 شخصا، ونحو 370 عملية في سوريا، و415 في نيجيريا، و372 في أفغانستان، وعمليات أخرى في باكستان ومصر وليبيا والصومال والفلبين وإندونيسيا ودول أخرى خلال 2021.

وفي أفغانستان التي انسحبت منها القوات الأمريكية منتصف أغسطس/آب 2021، نفذ التنظيم ما يزيد على 370 عملية خلال 2021 تسببت بمقتل 2210 أشخاص كان أبرزها الهجوم الانتحاري قرب مطار كابل الذي قُتل فيه 13 جنديا أمريكيا ونحو 170 مدنيا أفغانيا.

بعد ثلاثة أيام من محاولة اقتحام سجن "الصناعة" بمحافظة الحسكة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تبنى "الدولة" هجوما في أفغانستان أسفر عن مقتل 7 أشخاص، وهو أحد هجمات يشنها التنظيم بشكل أسبوعي تقريبا في أفغانستان منذ انسحاب القوات الأمريكية.

ومنذ خسارته معقله الأخير في درنة الليبية عام 2018 واصل التنظيم شن هجمات صغيرة وسط وجنوب البلد.

وحاول التنظيم تعويض خساراته في العراق عام 2017 وفي سوريا 2019 بالتمدد جغرافيا إلى ما يزيد على 14 دولة منها 6 أفريقية ضمنها مصر وليبيا والصومال وتونس، وإلى أفغانستان وباكستان والهند وإندونيسيا، والتركيز على توفير الإيرادات المالية من عمليات الخطف وأخذ الإتاوات في العراق وسوريا وتجنيد المزيد من المقاتلين.

وتبرز نشاطات "الدولة" فيما يعرف باسم "ولايتي وسط أفريقيا وغرب أفريقيا" بشكل متزايد في حوض بحيرة تشاد وفي بوركينا فاسو التي يسيطر على أجزاء واسعة من مساحة البلد الذي شهد انقلابا عسكريا تتحدث وكالات الأنباء أنه جاء على خلفية عجز الحكومة وقواتها عن مواجهة تهديدات التنظيم وهجماته التي راح ما يزيد على 50 شخصا ضحية إحدى الهجمات قبل أسابيع.

وكان من أبرز عمليات التنظيم خلال سنوات ما بعد خسارته العسكرية في العراق وسوريا، هجمات عدة في العراق على قوات "البيشمركة" الكردية وقوات "الحشد الشعبي" التابعة للجيش والقوات الأمنية العراقية وقوات النظام السوري في ريف دير الزور الغربي ومناطق سيطرة قوات "قسد" في محافظتي دير الزور والحسكة.

وفي محاولة لاقتحام سجن "الصناعة" في محافظة الحسكة نفذ التنظيم مستخدما عجلتين مفخختين وعشرات المقاتلين هجوما على السجن في 20 يناير الماضي تسبب في مقتل العشرات من مقاتليه ومقاتلي قوات "قسد" والإفراج عن أعداد غير معروفة من معتقليه البالغ عددهم نحو 3500 في ذات السجن.

وعلى الرغم من أن الهجوم على السجن الذي انتهى بعد سبعة أيام من الاشتباكات والمعارك لم ينجح في تحقيق كامل أهدافه، فإنه يُعد العملية الأكثر تعقيدا من حيث التخطيط والإعداد والتنفيذ بعيدا عن كونها ضمن الاستراتيجيات التي تحظى بأولويات قادة التنظيم باقتحام السجون وإطلاق معتقليه لرفد كتلته البشرية بمزيد من المقاتلين والقادة.

مع غياب أي دليل على أن الهجوم على ثكنة عسكرية في منطقة "العظيم" بمحافظة ديالى العراقية كان منسقا مع هجوم آخر شنه مقاتلو تنظيم "الدولة" في محاولة لاقتحام سجن "الصناعة" في الحسكة السورية، لكن ذلك يؤشر إلى حقيقة استمرار التهديد الأمني للتنظيم في العراق وسوريا.

ولا تبدو هناك أوجه للمقارنة بين ما جرى في الحسكة واحتمالات تكرار اقتحام سجون عراقية على غرار ما حدث في سجن "أبو غريب" في يوليو/تموز 2012، لعوامل تتعلق بواقع قدرات التنظيم القتالية والعددية وحاجته إلى أماكن إيواء آمنة في محيط السجون العراقية للعشرات أو المئات من مقاتليه لتشكيل خلايا قوة الاقتحام وخلايا إسناد ومؤازرة.

لكن قيادات في المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران روجت لمخاوف تسلل مقاتلي التنظيم الفارين من سجن "الصناعة" بالحسكة إلى العراق، وهي مخاوف ذات أبعاد سياسية لا تستند إلى معلومات أمنية.

ودفع ذلك مؤسسات الدولة العراقية الأمنية والعسكرية في وزارتي الدفاع والداخلية إلى نفي أي احتمالات لقدرة الفارين من السجن على التسلل إلى العراق أو اقتحام سجون عراقية تشير مصادر أمنية إلى أنها معززة بتحصينات وأجهزة مراقبة وحراسات بأعداد كافية إضافة إلى الجهد الاستخباراتي الاستباقي.

تعتقد الكثير من دول العالم بينها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوربي، أن هناك حاجة لتكثيف الجهود الدولية للحد من تنامي قدرات التنظيم في تهديد الأمن والاستقرار في أوربا ودول العالم الأخرى.

وتثير نشاطات تنظيم "الدولة" مخاوف العديد من دول المنطقة والدول الأوربية والولايات المتحدة من عودة التنظيم إلى تهديد الأمن والاستقرار الدوليين في ظل واقع ضعف أداء القوات الحليفة والشريكة لواشنطن مثل القوات الأمنية في العراق وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في مواجهة تهديدات التنظيم واحتمالات عودته مستغلا الأزمات السياسية في العراق وتغيير مهمة القوات الأمريكية إلى مهام غير قتالية.

أثبت "الدولة" قدرته على تلافي جزء من تداعيات خسارته الأرض وكبار قادته والآلاف من مقاتليه والتكيّف مع متغيرات الواقع الذي يعيشه التنظيم لإثبات قدرته على البقاء وديمومة تهديداته للأمن والاستقرار في مناطق ودول انتشاره.

لكن من غير المرجح أن يستعيد التنظيم قدرته على إعادة هيكلة مقاتليه وشن هجمات نوعية أو اقتحام سجون عراقية أو السيطرة على مدن في العراق أو سوريا مرة أخرى.

من المؤكد أن بقاء التنظيم بعد نحو 3 سنوات على خسارته في سوريا و5 سنوات على خسارته في العراق، يؤشر إلى حقيقة قدرته على ديمومة وجوده والتكيّف مع المتغيرات وإعادة بناء قدراته القتالية والمالية بخطوات بطيئة قد لا تظهر نتائجها في سنوات قليلة قادمة.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

سوريا تنظيم الدولة العراق أفغانستان ليبيا