وعود الانبعاثات الكربونية الصفرية في الخليج لا تعني وقف إنتاج النفط.. كيف؟

السبت 5 فبراير 2022 02:59 ص

لا يتصور منتجو النفط في الخليج أن يكون عالم ما بعد عام 2050 خاليًا من الهيدروكربونات، بالرغم أن اثنين من أكبر المنتجين في المنطقة (الإمارات والسعودية) التزمتا بانبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050 و2060 على التوالي.

وسيكون التوفيق بين الالتزامات البيئية لهاتين الدولتين واعتمادهما الحالي على الهيدروكربونات رحلة شاقة ومكلفة تبدأ بإزالة الكربون من إنتاجهم من النفط والغاز لتقليل انبعاثات الكربون وزيادة إنتاجهم المحلي من الطاقة الخضراء. ولكن مع توقع استمرار الطلب على النفط والغاز بعد عام 2050، وإن كان بمستويات أقل من الآن، فإن هدف "صافي انبعاثات كربونية صفري" لا يعني بالضرورة صفرًا من إنتاج النفط والغاز.

ولم تنشر كل من السعودية والإمارات بعد خططهما للوصول إلى صافي الصفر أو استراتيجيات الطاقة الوطنية الخاصة بهما حتى عام 2050. ومن المتوقع أن تستند هذه الاستراتيجيات إلى اعتماد الاقتصاد الأخضر المستمر على المشتقات النفطية، ما يضمن طلبًا معينًا على النفط والغاز.

ومهما كان الطلب على الوقود الأحفوري الذي سيظل موجودًا في العقود الثلاثة المقبلة وما بعدها (بغض النظر عن الشكل) يمكن بالتأكيد أن يلبيه المنتجون الخليجيون.

وسيكون العبء على المنتجين الخليجيين و"أوبك" بشكل عام أكبر مع استمرار شركات النفط العالمية في سحب أصولها من النفط والغاز تحت ضغط من أصحاب المصلحة والممولين والتحول إلى الطاقة الخضراء. ولكن ذلك أقرب إلى تحول في الملكية وليس إنهاء الأصول الهيدروكربونية. وبصفتها مالكة لأكبر احتياطيات النفط التقليدية وأرخص البراميل في الإنتاج، فإن شركات النفط الوطنية، ولا سيما أكبر المنتجين في المنطقة، هي التي ستتحمل مسؤولية تأمين انتقال الطاقة والاستيلاء على نصيب الأسد من أي طلب متبق.

وبالنسبة للمنتجين الخليجيين، سيتطلب هذا التحول زيادة استثماراتهم في مصادر الطاقة المستدامة، مع ضمان أن يحافظ العالم على الطلب أثناء المرحلة الانتقالية على الأقل، وكذلك الحفاظ على الطاقة الإنتاجية النفطية مع التدهور الطبيعي في حقولهم النفطية. ولكي يتجنب العالم أزمات العرض المشابهة لأزمة الغاز التي تشهدها أوروبا هذا الشتاء - وأسعار الطاقة المرتفعة التي تصاحبها حتماً - يرى المنتجون الخليجيون أنفسهم على أنهم الضامنون للطاقة الآمنة وبأسعار معقولة وبالتالي للنمو الاقتصادي العالمي على نطاق أوسع خلال هذا الفترة الانتقالية.

وسيضع التمويل المطلوب لدفع تكاليف هذا التحول ضغوطًا أكبر على المنتجين الخليجيين لتحويل أصولهم الهيدروكربونية إلى نقود مع دفعهم إلى تعظيم إنتاجهم. ومع اعتماد اقتصاداتهم الراسخ على عوائد النفط، سوف تحتاج هذه الدول إلى الاستفادة من هذه العوائد لتمويل إزالة الكربون. وقد يستلزم ذلك تعظيم إنتاجهم من النفط والغاز والقتال من أجل الحصول على أكبر حصة في السوق في بيئة يتراجع فيها الطلب على النفط، بالإضافة إلى إطلاق جزء كبير من الأسهم المحتفظ بها من أصول الوقود الأحفوري، والتي قد تصبح أصولًا عالقة في ظل انخفاض الطلب على النفط.

وستتمثل التكلفة الأكبر في تقنيات إزالة الكربون، مثل احتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين، التي تقلل من البصمة الكربونية لقطاع النفط والغاز. وباعتبارها المصدر الرئيسي لتمويل عملية التنويع الاقتصادي، لا يُنظر إلى المصادر التقليدية للطاقة على أنها تهديد لصافي الصفر ولكن كطريق للوصول إلى هذا الهدف. ومع توسيع مشاريع الطاقة النظيفة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح و(بدرجة أقل) الطاقة النووية، تتدفق الاستثمارات لتطوير التقنيات التي ستضمن استمرار إنتاج الهيدروكربونات ولكن الأنظف.

بدأت عملية إنتاج البراميل الأنظف منذ بضع سنوات، خاصة في شركة "أرامكو" السعودية. وتعتبر بصمة "أرامكو" الكربونية، بما في ذلك انبعاثات الميثان من عمليات النفط والغاز، من بين أصغر البصمات في العالم.

وبدأت جهود تسييل الأصول الهيدروكربونية في السعودية عندما تم طرح 1.5% من "أرامكو" للاكتتاب في عام 2019. وتعد خصخصة الأصول التي ظلت لفترة طويلة تحت الملكية الوطنية والسيادية اتجاها صاعدا خاصة في السعودية والإمارات. 

بينما يتوقع بعض المحللين حدوث أزمة استثمارية من شأنها تحويل الأموال بعيدًا عن المصادر التقليدية للطاقة، تشير الدلائل إلى أن الاستثمارات تتطور بدلاً من أن تنضب من خلال مخططات تمويل جديدة لها علامة "خضراء" مرتبطة بها، حتى مع وجود الهيدروكربونات.

وتعتبر السندات الخضراء أحد مصادر التمويل الإبداعية. وأصدرت الشركة العربية للاستثمار البترولي سندات "خضراء" بقيمة 750 مليون دولار في عام 2021، وهو أول إصدار لها، وتجاوز الإقبال 3 مرات المتوقع تقريبًا وقد جاء 93% من المستثمرين من خارج المنطقة بالرغم من حقيقة أن المؤسسة هي مؤسسة تمويل بترولية بحكم تعريفها ومملوكة من قبل 10 من منتجي النفط العرب.

ويعد نجاح السندات تصويتًا على الثقة في المنتجين الخليجيين ومسار الطاقة النظيفة الخاص بهم نحو الاستدامة بينما يواصلون تطوير أصول الهيدروكربونات منزوعة الكربون.

وبعد أن فاتهم قطار التنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط، يتحول تركيز المنتجين الخليجيين الآن نحو نموذج هجين للتنويع له وجهان. أولاً، تستثمر هذه الدول في تقنيات الطاقة النظيفة وتطورها بحيث يمكن تصديرها إما كتقنيات إنتاج أو منتجات طاقة نظيفة أو استثمارات في الخارج في مشاريع الطاقة النظيفة. وإلى جانب براميل النفط "الأكثر اخضرارًا"، ستعتمد اقتصادات هذه الدول على تصدير الطاقة الخضراء، بدءًا من الطاقة الشمسية إلى أنواع متعددة من الهيدروجين. ثانيًا، تتبنى هذه الدول نهجًا مختلفًا للتنويع داخل صناعة الهيدروكربونات من خلال تحويل الثقل من التنويع الأوسع للاقتصاد بشكل كامل إلى تنويع مصادر الإيرادات مع الحفاظ على إنتاج النفط والغاز.

وستلعب خصخصة الأصول الهيدروكربونية دورًا رئيسيًا في تنويع مصادر الإيرادات. ويعد إلغاء دعم الوقود المحلي، الذي يمثل جزءًا كبيرًا من نفقات ميزانية المنتجين الخليجيين، خيارًا آخر من شأنه أن يدعم ميزانياتهم العمومية، شريطة توفير التعويضات الاجتماعية المناسبة وشبكات الأمان. كما سيضمن تطوير صناعات جديدة حول قطاع النفط والغاز الخالي من الكربون تدفقات جديدة للإيرادات. وحتى إدخال ضريبة الكربون، لا يمكن استبعاده كمصدر دخل محلي للمنتجين الخليجيين، وإن كان بكميات أقل وفي مرحلة لاحقة.

وفي النهاية، أقر منتجو النفط الخليجيون أن الانتقال إلى اقتصاد عالمي قائم على الطاقة النظيفة أمر حتمي. وقد وضعوا لأنفسهم أهدافًا صعبة ومكلفة في سعيهم لتقديم أنفسهم كجزء من الحل، وليس المشكلة فيما يتعلق برحلة التحول العالمية. والآن على هذه الدول إقناع العالم بأن "الوقود الأحفوري الأكثر اخضرارًا" يجب أن يكون جزءًا من معادلة صافي الصفر. وستكون هذه هي مهمتهم عندما ينضمون إلى المناقشة للمرة الأولى كمنتجي الهيدروكربونات في مؤتمر المناخ المقبل "COP27" في مصر في وقت لاحق من هذا العام وكذلك عندما تستضيف الإمارات الدورة 28 للمؤتمر في 2023.

المصدر | ربى الحصري | معهد ميدل إيست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الانتاجات الهيدروكربونية إنتاج النفط الاقتصاد الأخضر الطاقة النظيفة أرامكو الانبعاثات الكربونية

وزير الطاقة السعودي: سنستخرج النفط حتى آخر جزء من الكربون

الإمارات.. الثانية عالميا في نصيب الفرد من انبعاثات الكربون

حتى نهاية 2030.. دبي تعتمد خطة لخفض انبعاث الكربون 30%

تحول الطاقة.. هكذا تقترب الدول النفطية من التحول إلى الحياد الكربوني