معهد أمريكي: المساعدات العسكرية لمصر استراتيجية فاشلة.. والدليل مبارك

الأحد 13 فبراير 2022 09:15 ص

"يجب أن يكون سقوط (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك قبل 11 عامًا بمثابة تذكير بأن نهج الولايات المتحدة المفرط عسكريًا كان غير فعال وغير مثمر".

بهذه العبارة، سلط معهد "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأمريكي الضوء على اعتماد الولايات المتحدة على استراتيجية المساعدات العسكرية في الوصول إلى أهدافها في مصر، مشيرا إلى أن تكرار هكذا استراتيجية لا يتوافق مع أولويات الرئيس "جو بايدن" المعلنة.

ونشر المعهد تحليلا لنتائج زيارة قائد القوات المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط "فرانك ماكينزي" إلى القاهرة الأسبوع الماضي، كتبته الباحثة والناشطة المصرية "نانسي عقيل"، ذكرت فيه أن زيارة الجنرال الأمريكي حملت رسالتين رئيسيتين للمسؤولين المصريين تتعلق بما يمكن أو لا يمكن أن يؤثر على مستوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

رسالة "ماكينزي" الأولى مفادها أن قرار إدارة "بايدن" بوقف 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية السنوية لمصر، البالغة 1.3 مليارات دولار، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، "لا يؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين"، فيما أفادت رسالته الثانية بأن هذه العلاقات ستتأثر إذا أبرمت مصر صفقات أسلحة كبيرة مع روسيا.

وجاءت رسالتا الزيارة في أعقاب إعلان أمريكي عن بيع أسلحة بقيمة 2.5 مليار دولار لمصر في الذكرى الـ 11 للانتفاضة المصرية التي أطاحت بالرئيس الراحل "حسني مبارك".

واعتبرت "نانسي" أن رسالتا "ماكينزي" تقدمان تمثيلًا دقيقًا لسياسة "بايدن" الخارجية تجاه الشرق الأوسط وطبيعة المساعدة الأمنية الأمريكية بشكل عام، وتعكسان "استمرار النظرة الاختزالية طويلة الأمد للأمن من خلال العدسة الضيقة للعسكرة على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية".

وأضافت أن رسالتا "ماكينزي" تتناقضان أيضا مع وعود "بايدن" بالقمة من أجل الديمقراطية، حول القضايا الثلاث ذات الأولوية لسياستها، وهي: مكافحة الفساد ومحاربة الاستبداد ودعم حقوق الإنسان.

وترى "نانسي عقيل" أن رسالة "ماكينزي" الثانية تحديدا تعكس كيف أن هذه الأولويات الثلاث "ترتكز بشكل أساسي على سياسات بايدن بشأن الصين وروسيا".

4 أدلة

وقدمت الباحثة 4 أدلة على فشل استراتيجية المساعدات العسكرية الأمريكية تاريخيا في الوصول إلى أولويات "بايدن" المعلنة، أولها نموذج نظام "مبارك" وكيف فشل في تحقيق الاستقرار لمصر رغم حصوله على مساعدات عسكرية سخية.

وفي هذا الإطار، أورد التحليل أنه "إذا كان الاستقرار هو أحد أهداف المساعدة الأمنية الأمريكية لمصر، فإن تزويد رجال السلطة الاستبداديين بمساعدات عسكرية عالية القيمة ومبيعات أسلحة ليس هو الحل، فقبل أكثر من عام بقليل من الإطاحة بمبارك، أعلنت الولايات المتحدة عن صفقة بقيمة 3.2 مليار دولار لبيع 25 طائرة إف-16 وأسلحة أخرى مرتبطة بها إلى مصر. ولم يمنع ذلك من سقوط نظام الرئيس المصري بعد 18 يومًا فقط من احتجاجات المصريين الثائرين ضد حكمه الاستبدادي وانتهاكات حقوق الإنسان والظلم الاجتماعي والاقتصادي".

وهنا أشارت "نانسي" إلى أن الانتهاكات والظلم في عصر "مبارك" تتضاءل مقارنة بتلك التي ارتكبها الرئيس المصري الحالي "عبدالفتاح السيسي"، الذي أنشأ "ديكتاتورية عسكرية قمعية"، حسب تعبيرها.

الدليل الثاني على فشل الاستراتيجية الأمريكية، بحسب التحليل، يتمثل في تسبب المساومة بالمساعدات العسكرية تاريخيا في "سباق تسلح" يؤجج الصراعات الإقليمية، فبعد أيام قليلة فقط من صفقة الـ2.5 مليار دولار المصرية مع الولايات المتحدة، وقعت كوريا الجنوبية صفقة بقيمة 1.7 مليارات دولار لتصدير مدافع هاوتزر ذاتية الدفع من طراز K9 ومركبات دعم أخرى إلى مصر. وعلق مسؤول كبير بالجيش المصري صراحةً على الصفقة الكورية بالقول إن "مصر تنوع مصادر أسلحتها بانتظام".

وبحلول نهاية العام الماضي، قفزت قيمة صادرات الأسلحة الألمانية إلى 10.65 مليار دولار، بزيادة 60% عن العام السابق، ويُعزى ذلك بالأساس إلى صفقة أسلحة كبيرة لمصر بقيمة 4.9 مليارات دولار.

كما أبرمت مصر مؤخرًا صفقات أسلحة عالية القيمة مع فرنسا وإيطاليا، على الرغم من الانتقادات الموجهة لنظام "السيسي" بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.

أبعد من الأسلحة

ورغم أن مبيعات الأسلحة من روسيا يمكن أن تؤثر بالفعل على حصول مصر على المساعدات العسكرية الأمريكية بموجب قانون "مكافحة خصوم الولايات المتحدة"، الذي يفرض عقوبات على الدول التي تبرم صفقات الأسلحة مع موسكو، إلا أن التحليل يرى في رسالة "ماكينزي" الثانية للقاهرة دليلا ثالثا على فشل الاستراتيجية الأمريكية.

فعلاقات مصر مع روسيا لا تقتصر على مبيعات الأسلحة، ولا يتم تحديدها من خلال التعاون الأمني ​​وحده، حسبما أكدت "نانسي عقيل"، مشيرة إلى إجراء مناورة بحرية مشتركة بين مصر وروسيا تحت عنوان "جسر الصداقة 4" بالبحر المتوسط، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ​​بهدف تبادل الخبرات وتعزيز التعاون.

وأضافت أن أحد الجوانب الأكثر أهمية في العلاقات الاستراتيجية بين مصر وروسيا يتمثل في "واردات القمح"، فمصر هي أكبر مستورد عالمي للقمح، الذي يمثل أهم ركائز الاستقرار في البلد العربي.

في المقابل، تعد روسيا هي المصدر الرئيسي للقمح إلى مصر، بقيمة بلغت 2.55 مليار دولار في العام المالي 2019-2020، وستحتاج مصر إلى دفع 1.5 مليار دولار إضافية لتغطية تكلفة الاستيراد خلال الفترة المقبلة مع ارتفاع الأسعار، بما يمثل 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ويعد ذلك أحد أكبر التحديات التي تواجهها مصر، التي تعاني اقتصادا ضعيفا، حسبما ترى "نانسي"، رغم الإشادة الدولية بقدرة "السيسي" على اتخاذ ما وصفت بأنها "إجراءات شجاعة لخفض الدعم عن الغاز والسلع الأخرى".

وتشير الباحثة، في هذا الصدد إلى أن هذه القرارات لم تؤد إلا إلى زيادة الضغط الاقتصادي على المصريين، ما ينذر بعاقبة شبيهة بما جرى عام 1977، حينما اضطر الرئيس المصري الراحل "أنور السادات" إلى إلغاء قراره برفع الدعم عن القمح بسبب احتجاجات شعبية كاسحة، عُرفت باسم "انتفاضة الخبز".

وبحسب التحليل، فإن هكذا تحد يعد خطيرا بالنظر إلى سياسات مصر الاقتصادية غير المستدامة، خاصة مع الزيادة الحادة في ديون البلاد الخارجية والاعتماد الشديد على القروض قصيرة المدى عالية الفائدة لتغطيتها.

ففي 2020، اضطرت مصر إلى دفع خدمة دين بقيمة 28 مليار دولار، بما يتجاوز القيمة الإجمالية للصادرات، ويصل إلى نحو 5 أضعاف الإيرادات القادمة من قناة السويس خلال هذا العام.

وتزيد أزمة المياه في مصر من خطورة الوضع، إذ أعلن "السيسي"، الشهر الماضي، أن بلاده تعاني من فقر مائي، ما يضاعف الخوف من التأثير المحتمل لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه نهر النيل.

وإزاء ذلك، تتعاون مصر مع روسيا في إقامة مشاريع لتحلية المياه كجزء من محاولات معالجة أزمة المياه التي تلوح في الأفق، ما يؤكد أن العلاقات مع روسيا تتجاوز صفقات السلاح.

العامل الصيني

أما رابع الأدلة على فشل الاستراتيجية الأمريكية، بحسب التحليل، فتتمثل في عدم فعالية الحوافز العسكرية في اكتساب المزيد من النفوذ من زاوية العداء للصين، التي تشكل سياسة "بايدن" الخارجية.

فخلال زيارة "السيسي" الأخيرة للصين؛ لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، أدلى الرئيس "شي جين بينغ" ببيان سلط فيه الضوء على أن الصين ومصر "تشتركان في رؤى واستراتيجيات متشابهة في الدفاع عن مصالحهما" حسب قوله.

وجاء إعلان الرئيس الصيني بعدما التقى بنظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، حيث أبرما عشرات الاتفاقيات الاقتصادية وأكدا على اصطفاف بلديهما ضد "الهيمنة الأمريكية".

وهنا تشير "نانسي عقيل" إلى أن كل هذه التطورات تحدث مع استمرار انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع غير المسبوقة لنظام "السيسي"، الذي سجن آلاف المصريين لسنوات دون تهمة، أو بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب، فيما تحتل مصر المرتبة الخامسة عالميا من حيث تنفيذ أحكام الإعدام، في ظل تآكل مستمر في استقلال القضاء.

ويأتي ذلك تزامنا مع افتقار صفقات الأسلحة الأمريكية مع مصر إلى المساءلة والشفافية، إذ "لا يسمح الفساد المتزايد بإلقاء نظرة ثاقبة على الاستخدام الفعلي لمبيعات الأسلحة".

وفي الختام، تشير الباحثة أن واشنطن دعت مؤخرا إلى إجراء تحقيق في مزاعم تشير إلى إساءة استخدام مصر لمعدات عسكرية أمريكية وتورطها في عمليات قتل غير قانونية، شبيهة بتلك التي سربتها استخبارات الجيش الفرنسي حول قتل الجيش المصري لمدنيين على الحدود مع ليبيا.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

أمريكا مصر المساعدات الأمريكية روسيا الصين السيسي الإرهاب القضاء مبارك السيسي الإرهاب القضاء مبارك

دعم متواصل.. الولايات المتحدة تعتزم تزويد مصر بطائرات "إف-15"

سيناتور أمريكي يعرقل مساعدات لمصر بـ75 مليون دولار.. ما القصة؟