مسقط والحسكة وإدلب.. 3 تطورات لافتة في سوريا رغم الجمود الاستراتيجي

الأربعاء 16 فبراير 2022 07:01 ص

خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت سوريا 3 أحداث بارزة تتباين مع حالة الجمود الاستراتيجي الأوسع التي يفرضها الصراع الطويل.

ففي 31 يناير/كانون الثاني، التقى وزير الخارجية العماني "بدر بن حمد البوسعيدي" رئيس النظام السوري "بشار الأسد" في دمشق، خلال زيارة هي الأحدث ضمن سلسلة من الزيارات على المستوى الوزاري والتي قام بها العمانيون إلى العاصمة السورية منذ بدء الصراع قبل عقد من الزمان.

وتعكس الزيارة سياسة عمان الخارجية التي تركز على احترام السيادة والحياد البارد؛ وهو الاتجاه الذي صححت دول الخليج مسارها إليه في السنوات القليلة الماضية.

تأتي زيارة "البوسعيدي" بعد أن التقى وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" مع "الأسد" في دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كما أوردت تقارير أنباء عن اجتماعات بين مسؤولي المخابرات السعودية والسورية. وفي السنوات القليلة الماضية، عاد سفراء البحرين وعُمان والإمارات إلى دمشق.

ومع ذلك، ما يزال التعليق ساريا بالنسبة لعضوية سوريا في جامعة الدول العربية، ويبدو أن المعارضة الأمريكية - بدعم من الاتحاد الأوروبي - حظرت أي تطبيع دبلوماسي أوسع من قبل دول خارج الخليج. كما يمنع تهديد العقوبات الأمريكية والأوروبية تدفق مساعدات إعادة الإعمار.

وبالرغم مخاطر العقوبات، أشار وزير الخارجية الإماراتي مؤخرًا إلى وضع الإمارات كأهم شريك تجاري لسوريا، حيث بلغت قيمة التجارة غير النفطية في النصف الأول من عام 2021 حوالي 272 مليون دولار. (تركز عقوبات قيصر على المعاملات التي تنطوي على دعم للحكومة السورية أو كبار المسؤولين)

وزار مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا "جير أو بيدرسن" دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2021 على أمل إحداث بعض التقدم يسمح بإعادة اجتماع اللجنة الدستورية على الأقل. ومع ذلك، فقد أخبر مجلس الأمن أن هناك "جمودًا استراتيجيًا" في سوريا.

هجوم تنظيم "الدولة" في الحسكة

على مشارف مدينة الحسكة في أواخر يناير/كانون الثاني، هزمت "قوات سوريا الديمقراطية"، بدعم تكتيكي ومخابراتي من قوات العمليات الخاصة الأمريكية، مقاتلين من تنظيم "الدولة" هاجموا سجن "الصناعة" من أجل تحرير 4 إلى 5 آلاف من المحتجزين هناك.

وتسبب القتال الدامي الذي استمر 10 أيام في مقتل حوالي 500 شخص، بما في ذلك 374 مقاتلًا وسجينًا مرتبطًا بتنظيم "الدولة" و 121 جنديا من "قوات سوريا الديمقراطية" وحراس السجن و4 مدنيين، وفقا لما قاله ضابط رفيع في "قوات سوريا الديمقراطية".

وفيما أشارت شهادات إعلامية إلى هروب مئات من مقاتلي التنظيم المعتقلين؛ أكد ضابط "قوات سوريا الديمقراطية" أنه تم استعادة 3800 من سجناء التنظيم.

ويعد الهجوم على السجن تذكيرا بالإرث الخطير الذي خلفته الحرب ضد التنظيم بين عامي 2014 و2017، بما في ذلك 10 آلاف معتقل من مقاتلي تنظيم "الدولة" بينهم ألفا مقاتل أجنبي معظمهم رفضت بلدانهم إعادتهم لها (ذكر أن هناك 20 جنسية أجنبية في سجن الصناعة)؛ بالإضافة إلى سلسلة من المدارس والمجمعات الصناعية المهجورة في شمال شرق سوريا والتي تعمل بمثابة سجون مؤقتة؛ وأكثر من 60 ألفًا من زوجات وأطفال هؤلاء المقاتلين في مخيم الحول.

يشير الهجوم أيضًا إلى الجهود المستمرة لتنظيم "الدولة" لتحرير مقاتليه المحتجزين لتعزيز صفوفه، وردود "قوات سوريا الديمقراطية" المرتبكة والفعالة في الوقت ذاته.

مقتل زعيم جديد للتنظيم

ويعد ثالث تطور مهم هو الغارة التي نفذتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في 3 فبراير/شباط قرب إدلب وانتهت بمقتل "أبوإبراهيم القرشي" زعيم تنظيم "الدولة"، الذي فجر نفسه لتجنب القبض عليه. كما قتل نائب مهم له والعديد من أفراد الأسرة.

وتولى "القرشي" الضابط العسكري العراقي السابق، منصب قيادة تنظيم "الدولة" بعد قيام سلفه "أبوبكر البغدادي" بتفجير نفسه بعد غارة مماثلة للقوات الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، في شمال غرب سوريا.

جمود متواصل

إذا تم وضع هذه التطورات الجديدة معًا، فإنها تصبح تذكيرًا صارخًا بأنه كلما زادت الأشياء التي تتغير في سوريا، كلما عادت إلى المتوسط ​​المأساوي.

وفي حين أن هجوم تنظيم "الدولة" على السجن هو أخطر اشتباك مع "قوات سوريا الديمقراطية" والقوات الأمريكية منذ الهزيمة الإقليمية التي تعرض لها التنظيم في عام 2019، فإنها لا تزال تقع ضمن نطاق جهود إعادة بعث تنظيم "الدولة" التي تكافحها الولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية".

وبالمثل، تمثل الغارة ضد "قرشي" حلقة ضمن سلسلة طويلة من جهود القضاء على قيادة التنظيم التي ستستمر بالتأكيد في شمال غرب وشمال شرق سوريا (وأماكن أخرى).

وبالرغم من الجهود الدبلوماسية المتعلقة بسوريا، لا يزال هناك نفس النمط من "الارتداد إلى المتوسط" حيث لم تُفضِ تلك الجهود بشكل عام إلى أي شيء منذ بداية النزاع، فقد نجا "الأسد" ونظامه من جرائم الحرب وسفك الدماء التي تعرقل أي مبادرة دبلوماسية تهدف إلى حل النزاع أو حتى تضع تصورًا واقعيا للمستقبل.

ويبدو أن موقف معظم دول الخليج يرتكز على 4 نقاط رئيسية:

  • التقييم السياسي بأن "الأسد" انتصر في الحرب.
  • إدراك الحقائق التي اتسم بها النزاع والتي تشمل الفوضى والتطرف وفشل الدولة.
  • التقليل النسبي لأهمية محاسبة "الأسد" ونظامه على الجرائم التي جرى ارتكابها لاستعادة السيطرة على البلاد.
  • الرغبة في تعزيز العلاقات مع سوريا (والسعي لإعادة إدماجها في العالم العربي) لمواجهة نفوذ إيران.

وحتى الآن، ما تزال السعودية بمعزل عن هذا الجهد الخليجي (كما هو الحال مع قطر لأسباب مختلفة)، وسيكون أي تحول نحو مزيد من المشاركة السعودية مع دمشق دافعًا لدول الخليج لمزيد من التطبيع.

سياسة "بايدن": صبر استراتيجي مع عصا العقوبات

ركزت سياسة إدارة "بايدن" تجاه سوريا على كبح هذه الاندفاعات الاستراتيجية الخليجية، مع التركيز على الحفاظ على وجود قوات أمريكية لمكافحة لتنظيم "الدولة"، وتعزيز الدعم الإنساني على نطاق واسع مع استمرار العقوبات الاقتصادية.

وتشير الإجراءات التي اتخذت في سجن "الصناعة" وغارة "القرشي" بوضوح إلى أن الإدارة الأمريكية ستواصل دعم "قوات سوريا الديمقراطية" لتفادي عودة تنظيم "الدولة" في الشمال الشرقي وستواصل اتخاذ إجراءات أحادية في مناطق أخرى لاستهداف قيادة التنظيم.

وتجعل عقوبات قيصر مهمة إعادة الإعمار مستحيلة تقريبًا، كما تمثل هاجسا ورادعا للاستثمارات الخليجية. وتظل مسألة مساءلة النظام - جنبًا إلى جنب مع المعارضة الأمريكية - معرقلة لزخم التطبيع.

المساعدات الإنسانية

هناك نقطة هشاشة في سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا التي تركز على المساعدات الإنسانية. وتنشأ نقطة الضعف من قدرة النظام وروسيا على استغلال هذه المساعدات لصالحهما.

ومن المتوقع أن تتجه روسيا لتقويض الجهود الأمريكية في يوليو/تموز عندما يحين موعد تجديد قرار مجلس الأمن 2585 المتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية من خلال معبر باب الهوى الشمالي الغربي الذي يعد الشريان الوحيد المتبقي لتسليم المساعدات عبر الحدود.

وتأتي جميع مساعدات الأمم المتحدة الأخرى عبر دمشق، ما يمكّن النظام ومؤسساته مثل الهلال الأحمر العربي السوري من ممارسة ضغوط كبيرة على آلية تقديم المساعدات لمحاولة مكافأة المناطق الموالية ومعاقبة المناطق المتمردة سابقًا.

من المرجح أن تستغل روسيا مخاوف أعضاء مجلس الأمن من عبور كل مساعدات الأمم المتحدة عبر دمشق للضغط من أجل تنازلات تفتح الطريق لمزيد من مشاريع "التعافي المبكر"، وهي مقدمة لمساعدات إعادة الإعمار.

ومن شأن الرفض الروسي (والصيني) لتجديد القرار أن يمنح النظام نفوذا أكبر على المساعدات الإنسانية التي تعد رئيسية بالنسبة للسياسة الأمريكية.

الارتداد إلى الوضع ​​المأساوي

شهد الصراع في سوريا مواجهات متكررة ومبادرات دبلوماسية وجهود تطبيع ثنائية وحربا معقدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وتطورات متعددة قد تبشر بالتغيير والحركة، لكن الجمود التراجيدي يعيد فرض نفسه مجددًا كل مرة.

المصدر | السفير ويليام رويبوك | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا الأسد إعادة الإعمار التطبيع مع سوريا روسيا عقوبات قيصر السياسة الأمريكية في سوريا تنظيم الدولة القرشي

سوريا.. أنباء عن نقل مئات من سجناء تنظيم الدولة إلى سجن جديد بريف الحسكة