مواجهة روسيا في البحر الأسود تدفع أمريكا للاعتماد على تركيا مجددا

الاثنين 21 فبراير 2022 10:34 م

تتطلب صياغة أي استراتيجية طويلة الأجل استعدادًا وشركاء موثوقين، لكن كلا العنصرين مفقود في منطقة البحر الأسود، مما يجعل موقف الغرب ضعيفًا. ولتغيير هذا الوضع وسط النفوذ الروسي المتزايد، قد يكون من المفيد جدًا للناتو والولايات المتحدة الاعتماد على تركيا.

نقطة هشاشة للغرب

يواجه الغرب تغييرات عنيفة في منطقة البحر الأسود، فهي واحدة من أكثر المناطق الجغرافية هشاشة في الجيوسياسية الأوراسية الحديثة. وهي ليست مساحة تحدث فيها العديد من النزاعات العسكرية المستمرة فقط، وإنما تتصادم فيها أيضًا الترتيبات الجيوسياسية المختلفة.

تنظر روسيا إلى المنطقة باعتبارها نقطة انطلاق لأهدافها الجيوسياسية جنوبًا في البحر الأبيض المتوسط، وتقوم موسكو ببناء رؤية تفترض مسبقًا وجود قيود على النفوذ الغربي في منطقة البحر الأسود.

ولكن ربما تكمن المشكلة الحقيقية في عدم وجود تفكير استراتيجي غربي طويل الأجل. فمع انشغال الغرب والولايات المتحدة بالتحديات الداخلية للنظام العالمي الليبرالي، تكافح هذه الجبهة لتحديد الوسيلة المناسبة لتغير التوازن العسكري في البحر الأسود بعد الضم الروسي للقرم في عام 2014.

وهناك مشكلة أخرى أقل أهمية، وهي أن الغرب لا يعرف حقًا كيف يتعامل مع موسكو، والواقع أن روسيا لم تصبح أقوى من قبل بكثير، بالتأكيد أصبحت أكثر تنظيمًا وقوة عسكريًا، لكن ركائز قوتها لا تزال أضعف من الغرب.

وبعبارة أخرى، إذا تمكنت الولايات المتحدة والغرب من اتباع سياسة خارجية أكثر انسجاما، فيمكن تبني أدوات موثوقة لإبطال تحركات روسيا العسكرية والاقتصادية المؤذية. لكن المشكلة هي غياب الاستعداد للقيام بجهود متضافرة.

من المفهوم أيضًا أن الدول الأعضاء في الناتو والولايات المتحدة مترددون للغاية في الالتزام عسكريًا لأن منطقة البحر الأسود لا تزال بعيدة جغرافيًا عن نواة المجتمع الأطلسي. وعلاوة على ذلك، من المستبعد أن تحجم روسيا عن بسط نفوذها على المناطق المجاورة لها، حتى لو كان ذلك قد يتسبب في إضعافها.

وسواء كانت روسيا تحت حكم ديمقراطي أو استبدادي بالكامل، فإن حجم روسيا الكبير مقارنة مع جيرانها في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى وأوكرانيا وبيلاروسيا، سوف يدفع موسكو بشكل لا مفر منه للسعي خلف بناء نظام مريح للكرملين.

تركيا رهان مناسب

وبالتالي، فإن المشكلة التي يواجهها الغرب في منطقة البحر الأسود طويلة الأمد وستظل هذه المنطقة نقطة ضعف في المنافسة مع روسيا حيث تفتقر فيها الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى حليف قوي أو شريك موثوق لبناء نهج استراتيجي.

وقد تكون أوكرانيا مرشحة لذلك بالتأكيد، لكنها لا تزال ضعيفة داخليًا، أما جورجيا فهي أصغر وأضعف، بينما لا ينظر إلى رومانيا وبلغاريا على أنهما لاعبان مستعدان لتولي هذا الدور.

وتعد الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تخدم هذا الهدف هي تركيا حيث أن ظروفها تتيح لها إمكانية أكبر لمقاومة التحركات الروسية إقليميًا واقتصاديًا وعسكريًا. لكن المقاومة الناجحة تتطلب تعاونًا وثيقًا مع الولايات المتحدة وأعضاء الناتو. ولتحقيق ذلك، يجب حل العقبة الرئيسية المتمثلة في الاختلافات بين أنقرة والغرب.

صحيح أنها ليست مهمة سهلة، إلا إن تركيا والغرب يتشاركان في الواقع في مخاوف مماثلة بشأن توسع النفوذ الروسي، ويجب إظهار استعداد حقيقي من كلا الجانبين بشأن الحاجة إلى تحسين العلاقات الثنائية.

مصالح مشتركة

تتلاءم الاستراتيجية التركية في البحر الأسود والقوقاز مع الاستراتيجيات الغربية تجاه روسيا، وخاصة استثماراتها في ترقية دفاعات أوكرانيا وأذربيجان وجورجيا، كما تخدم الاستراتيجية التركية المصالح الغربية في هذه المناطق بشكل عام.

ومثل تركيا، فإن الغرب مهتم بتلقي الغاز والنفط الأذربيجاني ومهتم بالاستثمار في البنية التحتية للسكك الحديدية وخط الأنابيب في جورجيا.

كما يدعم الغرب أيضًا طموح تركيا الأوسع لتقديم نفسها كمركز لنقل الطاقة من خلال خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول "تاناب"، وخط أنابيب الأدرياتيك "تاب"، وخط أنابيب جنوب القوقاز.

كما يتشارك الغرب وتركيا الاهتمام بالحفاظ على أمن بحر قزوين، حيث يوفر رابطًا ضيقًا جدًا ولكنه حاسم لآسيا الوسطى التي يبسط فيها الغرب نفوذًا محدودًا، فيما تتطلع تركيا لدور اقتصادي وسياسي أكبر هناك، وتستثمر علاقاتها التاريخية والثقافية مع المنطقة، وبالتالي يمكنها أن تصبح قناة للمصالح الغربية، كما كانت في التسعينيات.

ومع توسيع روسيا لنفوذها وبصمتها العسكرية في منطقة البحر الأسود وجنوب القوقاز خلال العقد الماضي، وجدت تركيا نفسها مضطرة لتبني استراتيجيات مضادة. وفي حين تستهلك مشاركتها في سوريا وليبيا الطاقة السياسية والموارد العسكرية والاقتصادية، فإن أنقرة تعيد تركيز اهتمامها على البحر الأسود وجنوب القوقاز لتحقيق التوازن ومواجهة موسكو.

وأصبحت أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان اللبنات الأساسية في استراتيجية الاحتواء التركية الناشئة، وتظهر الجهود التركية لكبح روسيا ولضمان أمن ممر الطاقة والنقل في جنوب القوقاز أن المصالح التركية والغربية تتلاقى.

اتساق مع الاستراتيجية الأمريكية

إذا اعتمد الغرب على تركيا فإن ذلك سيتسق مع توجه الولايات المتحدة بتفويض بعض مسؤولياتها إلى اللاعبين الإقليميين الأقوياء لاحتواء القوى الأوراسية، وأحد الأمثلة التي تجلى فيها ذلك هو تحالف "أوكوس" و"كواد" في منطقة الهندي-الهادي، حيث سعت الولايات المتحدة لتمكين القوى الإقليمية للدفاع عن أنفسهم ضد ما ينظر إليه على أنه مسعى من الصين لبناء نظام جديد.

ولا يعني ذلك أن واشنطن تنسحب بشكل كامل، ولكنها تسعى لتكون المرتكز خلف النظام الإقليمي وأن تلقي بثقلها العسكري والاقتصادي خلف مجموعة من اللاعبين.

ولكن لمتابعة هذه السياسة، تحتاج أمريكا إلى أن يكون لديها لاعبين أقوياء. وفي آسيا هناك العديد من هذه الدول، أما في منطقة البحر الأسود، فتركيا مرشح محتمل.

إن جعل أنقرة لاعبًا حاسمًا في استراتيجية الغرب في منطقة البحر الأسود، لا يجب أن يدفع تركيا إلى مواجهة عسكرية مع روسيا في نهاية المطاف، وستحرص أنقرة على تجنب ذلك.

وبدلًا من ذلك، ينبغي أن يكون التفكير طويل الأجل متمحورًا حول زيادة الإمكانات العسكرية لدول البحر الأسود مما يجعل التدخلات العسكرية المحتملة لروسيا أكثر تكلفة.

المصدر | أوراسيا ريفيو - إميل أفداليناي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا الأزمة الأوكرانية البحر الأسود الناتو الهادي الهندي القوقاز

أردوغان يلوح باتخاذ تدابير بعد اعتراف روسيا بدونيتسك ولوهانسك

حركة السفن .. كيف تستطيع تركيا توجيه دفة الحرب الروسية الأوكرانية؟

حفاظا على العلاقات التجارية.. تركيا لا تخطط لعقوبات ضد روسيا

موازنة صعبة.. كيف ستتعامل تركيا مع الحملة الغربية لعزل روسيا؟

تحسبا للتصعيد.. حاملة الطائرات الأمريكية ترومان تصل إلى بحر إيجه

أكثر من 20.. لغز الدلافين النافقة على سواحل إسطنبول

ناشونال إنترست: تركيا وروسيا تبنيان نظاما إقليميا جديدا في البحر الأسود