ماذا حدث حين دعيت الولايات المتحدة للتدخل في سوريا قبل قرابة 100 عام؟

الاثنين 7 ديسمبر 2015 04:12 ص

زادت الهجمات المروعة التي وقعت في باريس، من الضغوط على الولايات المتحدة للقيام بدور أكبر في سوريا. هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة التدخل الأمريكي في سوريا. منذ ما يقرب من قرن من الزمان، في خضم أزمة أخرى وقعت في سوريا، واجهت الولايات المتحدة ضغوطا للتدخل، لكنها تمكنت في ذلك الوقت من مقاومتها. طبيعة التوجه الذي ستسلكه الولايات المتحدة هذه المرة يمكن أن يصبح السؤال الرئيسي للسياسة الخارجية خلال الأشهر المقبلة.

وقعت القضية السابقة في عام 1919، وقد كانت تتعلق بما وصفه الممثل العسكري الأميركي إلى مؤتمر باريس للسلام الجنرال «تاسكر بليس» بأنه «اصطفاف كبير ثلاثي الجبهات». في مقابل مساعدتهم أثناء الحرب ضد الدولة العثمانية، فإن بريطانيا قد وعدت العرب بقيادة الأمير العر«فيصل» بدولة عربية كبيرة، في رسالة إلى صديق له، وهي متاحة اليوم في مركز الجيش الأمريكي للتراث والتعليم في كارلايل بولاية بنسلفانيا، فقد أشار «بليس»، مع درجة من السخرية، إلى أن الحرب العالمية قد انتهت، وأن العرب يضغطون الآن بإصرار من أجل الوفاء بتلك العهود.

في ذلك الحين كانت الإمبريالية الفرنسية هي من تقف في طريقهم، مدعية أن صلاتها القديمة في سوريا تمنحها الحق أن يكون لها صوت في تحديد مستقبل المنطقة. ومع ذلك فقد تعهد «فيصل» بقتال الفرنسيين إذا قرروا المجيء لاستعمار سوريا. وقد أخبر «وليام فيسترمان»، مستشار الرئيس «وودرو ويلسون» لشؤون الشرق الأوسط والأستاذ في جامعة كولومبيا أنه كان على استعداد أن تصفي دماءه من جسده قبل أن يتم تحويل سوريا إلى فرنسا. في ذلك الوقت، لعب البريطانيون لعبة مزدوجة حيث حاولوا تحجيم المبررات الفرنسية، وفي ذات الوقت فقد استخدموا نفس هذه المبررات لشرعنة التدخلات الخاصة بهم في بلاد ما بين النهرين وفلسطين والأردن، وغيرها.

أراد «فيصل»، ومستشاره الإنجليزي «لورنس العرب»، أن تتولى الولايات المتحدة حماية سوريا من الإمبريالية الأوربية عبر إعلان سوريا محمية أمريكية. من هنا، كان تصور «فيصل» يعمد إلى خلق كونفدرالية كبيرة من الدول العربية وفق النموذج الأمريكي. وقد وعد «فيصل» بأنه حال وافق الأمريكيون على الأمر بأن منطقة الشرق الأوسط سوف تصبح منطقة مستقرة وبأنه سوف يكون هناك تماثيل للقادة الأمريكيين في كل مدينة في المنطقة. وقد أبدى «فيسترمان» إعجابه بالفكرة وانبهاره بشخصيتي كل من «لورانس» و«فيصل».

كان «بليس» أقل حماسا للأمر. الولايات المتحدة لم تعلن الحرب على الدولة العثمانية مما يحد من سلطة «ويلسون» على التدخل في قضايا الشرق الأوسط. الأهم من ذلك أن «بليس» كان يرى المخططات البريطانية والفرنسية على أنها محاولة لتوظيف القوى الأمريكية في أجندات إمبريالية لا تتشاركها الولايات المتحدة.

أعطى القدر الأمريكيين وسيلة للخروج من الأمر. اقترح دبلوماسيون بريطانيون في مؤتمر باريس للسلام أن تشكل لجنة للقيام برحلة لتقصي الحقائق في سوريا لمعرفة ماذا يريد السوريون أنفسهم. كان الفرنسيون غاضبون لأنهم يعلمون أن قلة من السوريين سوف تفضل الوقوع تحت الحماية الفرنسية. على النقيض من ذلك كان «فيصل» منتشيا بحيث كان يشرب كأسه الأول من الشمبانيا.

أعطت اللجنة الولايات المتحدة ما يكفي من الوقت إضافة إلى الغطاء الدبلوماسي للتخلي عن فكرة التدخل في سوريا. وقد استبقت القوات الفرنسية اللجنة وقامت بإجبار «فيصل» والجيش العربي على الخروج من سوريا قبل أن ترسله بريطانيا إلى بلاد ما بين النهرين عام 1921 ليكون ملكا على الدولة العراقية الجديدة التي لم يكن «فيصل» قد عرفها من قبل.

اليوم، وبطبيعة الحال، فإن السياق في سوريا مختلف، ويبدو أن تجنب التدخل الأمريكي هذه المرة سوف يكون أكثر صعوبة. في عام 2015، على عكس عام 1919، يشعر الأمريكيون أن مصالحهم مهددة بسبب الأحداث في سوريا، حيث يبدو أن حالة عدم الاستقرار قد ألهمت الإرهاب في جميع أنحاء العالم. في هذه المرة، فإن فرنسا لا تبدو تلك القوة الاستعمارية التي تبذل محاولات يائسة لتوسيع إمبراطوريتها، ولكن ذلك الحليف المحاصر الذي يستحق مساعدتنا والقتال على الخطوط الأمامية في المعركة المشتركة.

مشاكل اليوم هي أكثر تعقيدا في كل تفاصيلها من نظيرتها قبل قرن من الزمان. كما كتب «بليس» لزوجته فإننا «اعتدنا سلفا أن ندرس ليوم أو يومين متواصلين ربما شهر، ولكننا الآن نفكر من أجل 50 أو 75 عاما وربما قرون». كان «بليس» يهرب من ضغوط باريس عن طريق قراءة «ليفي وثيودوروس» في لغاتهم الأصلية. كان يرى بوضوح أن التاريخ العميق لكل من أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة من شأنه أن يجعل إيجاد حل أمرا صعبا، إن لم يكن مستحيلا.

على عكس الاصطفاف الثلاثي الذي شهده «بليس» في عام 1919 فإننا اليوم على موعد مع عدد لا حصر له من الجبهات على ما يبدو. المشكلة التي نواجهها اليوم هي عدم وجود أطراف واضحة ما يجعل عملية التوجيه غامضة إلى حد كبير. مسألة إذا ما كانت الولايات المتحدة سوف تتبع من جديد التحذيرات بشأن التدخل في سوريا من عدمه سوف تكون أحد القضايا المصرية لهذه الإدارة وتلك الإدارة القادمة قريبا.

  كلمات مفتاحية

سوريا الثورة العربية الكبرى لورانس العرب الولايات المتحدة التدخل الأجنبي العراق

تقرير: تخبط أمريكا في سوريا يشجع «تحالفا عسكريا» بين روسيا و(إسرائيل)

واشنطن تقرر إرسال قوات خاصة إلى سوريا لتدريب وإرشاد المعارضة المعتدلة

خيارات محدودة أمام أمريكا وحلفائها في سوريا

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

حرب أمريكا في سوريا قد تستمر حتى عام 2024 أو 2034 أو 2044

«بروكينجز»: عقدة العراق وأفغانستان وراء رفض الولايات المتحدة التدخل في سوريا