تركيا وإسرائيل.. تفاهمات جديدة بلغة المصالح ورائحة الغاز

الأربعاء 9 مارس 2022 09:13 ص

ترقب واهتمام إقليمي ودولي يصاحب زيارة الرئيس الإسرائيلي "إسحق هرتزوج"، إلى العاصمة التركية أنقرة؛ لإجراء محادثات الأربعاء مع نظيره التركي "رجب طيب أردوغان".

يعود مبعث الاهتمام إلى كون المباحثات بين رئيسي البلدين هي الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، بعد توتر دام منذ العام 2010، ووصل بالعلاقات الثنائية إلى أدنى مستوى في 2018 عند طرد متبادل لسفيري البلدين.

وتوترت العلاقات منذ العام 2010 عندما قامت قوات خاصة إسرائيلية بقتل 10 ناشطين أتراك خلال هجوم على السفينة التركية "مافي مرمرة" التي كانت تنقل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة.

وما بين المصالح المشتركة، وملفات الخلاف القائمة، يبدو أن أنقرة وتل أبيب، بصدد إعادة ترتيب أوراقهما الدبوماسية في المنطقة، وصياغة تفاهمات جديدة، تراعي التغيرات القائمة في العالم بعد جائحة "كورونا".

ملف الغاز

يفرض ملف الغاز نفسه على الطاولة التركية الإسرائيلية، خاصة مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي، والهرولة الأوروبية لتأمين احتياجاتها من الغاز؛ تحسبا لتوقف الغاز الروسي.

ويسوق "أردوغان" مشروعا طموحا بين البلدين لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا، في إحياء لفكرة نوقشت للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، إضافة إلى خطط في جعبته لاستخراج 540 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في البحر الأسود.

ويثير المشروع التركي شهية الإسرائيليين، الأمر الذي عبر عنه الرئيس التنفيذي لشركة "نيوميد إنرجي"، التي تضخ الغاز من حقل عملاق في شرق البحر المتوسط، "يوسي أبو"، قائلا الشهر الماضي: "موقفنا واضح على الدوام. إذا كنتم تريدون الغاز حسنا فنحن مستعدون لذلك. أنتم تبنون خط الأنابيب لنا وسنقوم بضخ الغاز".

ويمكن لإمدادات الغاز من البحر المتوسط أن تخفف من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، كما ستجعل من تركيا معبرا للغاز الإسرائيلي، ما يمنح أنقرة نصيبا من كعكة سوق الغاز في العالم.

ووفق الباحث والمحلل الأمريكي "سورين كيرن"، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، فإن سحب الدعم الأمريكي لخط أنابيب "إيست ميد" الذي وقعته إسرائيل واليونان وقبرص في بداية 2020، مستثنيا تركيا، يقوي موقف أنقرة.

وكان من المقرر استكمال المشروع بحلول العام 2025 ليوفر 10% من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي، ما سيقلل من اعتماد الأوروبيين على الغاز الروسي، ولذلك فإن أي اتفاق إسرائيلي تركي محتمل حول تصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا سيكون محط اهتمام للأوروبيين أيضا.

وحال التفاهم حول الخطوط العريضة لهذا الاتفاق، فإن ذلك وفق الباحث التركي، "طه عودة أوغلو"، سينقل أنقرة بالتأكيد للحديث مع تل أبيب حول الملف الأهم، وهو إمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

تعاون اقتصادي

بالنظر إلى تداعيات جائحة "كورورنا"، والحرب الروسية الأوكرنية، تسعى تركيا التي تعاني من أزمة اقتصادية لتحسين العلاقات مع مجموعة من الخصوم الإقليميين، مثل مصر والإمارات والسعودية، وليس أخيرا إسرائيل، فيما يعرف بسياسة "تصفير المشاكل".

ويصل حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل 6.4 مليارات دولار، مقابل صادرات إسرائيلية إلى تركيا بملياري دولار، العام الماضي، بحسب بيانات مجلس المصدرين الأتراك.

ووفق رئيس المجلس "إسماعيل غوله"، فإن تركيا تسعى خلال العام الجاري إلى جني 9 مليارات دولار من صادراتها إلى إسرائيل، بل والذهاب إلى ما هو أبعد من الأهداف المحددة.

ويرى سفير تركيا السابق لدى إسرائيل "نامق تان"، خلال حديثه لـ"DW"، أن سياسة تركيا الخارجية تميل إلى "الخطوات البراجماتية"، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية تدفع أنقرة إلى البراجماتية، فهي لا تستطيع تحمل قطع علاقاتها التجارية مع الخارج.

ووفق "تريدماب"، وهو مزود خدمات على شبكة الإنترنت يقدم إحصاءات التجارة العالمية، احتلت إسرائيل عام 2020 المرتبة الرابعة على قائمة البلدان الأكثر شراءً للمنتجات التركية، فيما شغلت تركيا المرتبة الثامنة على قائمة البلدان التي تستورد منتجات إسرائيلية.

ويقول الباحث في الجامعة العبرية بالقدس "روني شاكيد" لـ"الأناضول"، إن تركيا هي وجهة سياحية مهمة للإسرائيليين، وأن الشعب الإسرائيلي يتوق لزيارة تركيا، وكذلك تركيا تريد عودة السياح الإسرائيليين إليها، مضيفا: "أعتقد أن البلدين بحاجة لبعضهما".

تفتيت الأعداء

من المؤكد أن "أردوغان" المعروف عنه الدهاء السياسي، يخطط لضرب عدة عصافير بحجر واحد، من هذا التقارب اللافت مع إسرائيل، واستقبال رئيسها على رأس وفد رفيع المستوى.

ولا شك أن الإحباط الذي شعرت به أنقرة بسبب استبعادها من محادثات مشروع الغاز، مثلت دافعا لهذا التقارب التركي الإسرائيلي، إلى جانب حالة الصدام بينها وبين الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة "جو بايدن"، وفق المحللة السياسية "غاليا ليندنشتراوس" من معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب.

يتفق معها في الرأي، خبير الشؤون التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "بشير عبدالفتاح"، قائلا لـ"سكاي نيوز"، إنه لا يمكن لـ"أردوغان الاحتفاظ بعلاقات إيجابية وبناءة مع الغرب والولايات المتحدة من دون علاقات قوية مع إسرائيل.

كذلك تنظر أنقرة بعين الريبة إلى التحالف القائم بين إسرائيل وقبرص واليونان ومصر، وهذا الأمر لا يتماشى مع مصالح تركيا، ويحتم عليها كسر ذلك الطوق شرقي المتوسط، وربما تفتيته لاحقا، أو على أقل تقدير تحييد أحد أعضائه.

وفي المجمل، يعزز نجاح استراتيجية تركيا في تصفير المشاكل مع دول الجوار، تذويب الخلافات مع إسرائيل، بعد تطبيع العلاقات مع الإمارات، والتهدئة مع مصر، وفتح قنوات اتصال مع اليونان وأرمينيا.

نقاط خلافية

تبرز القضية الفلسطينية كأبرز ملفات الخلاف بين البلدين، في ظل رفض تركي لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، والحرب على غزة مايو/أيار الماضي، وتدمير البنى التحتية في القطاع، واستمرار سياسات تهويد القدس، والاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى.

في المقابل، تنتقد تل أبيب استضافة تركيا العديد من كبار المسؤولين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتطالب أنقرة بقطع علاقاتها مع الحركة، وهو ما ترفضه الرئاسة التركية.

وحسب ما نقله موقع "i24News" الإسرائيلي، أبلغت أنقرة "حماس" بأنها لا تريد بقاء العسكريين من قيادات الحركة على أراضيها، ولكنها ستسمح فقط باستمرار النشاط السياسي لها على أراضيها.

لكن الخبيرة في الشأن التركي في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب "غاليا لندنشتراوس"، ترى في حديثها لـ"أ ف ب"، أن الإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو"، في يونيو/حزيران الماضي، وتشكيل حكومة جديدة، سيعزز التقارب بين الجانبين.

وتفرض إيران نفسها كملف شائك بين البلدين، لاسيما في ظل العلاقات الوطيدة بين أنقرة وطهران، وتنامي القلق الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني، وتزايد نفوذ "حزب الله" اللبناني.

مقابل نقاط الخلاف، يمكن التعويل على تزايد العلاقات الاستخبارية بين الموساد الإسرائيلي ونظيره التركي "جهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MIT)"، وارتفاع وتيرة التنسيق الأمني بين البلدين، في صياغة تفاهمات جديدة بين أنقرة وتل أبيب، خاصة في ظل تزايد قوة الآلة العسكرية التركية وتفوق ترسانتها من الطائرات المسيرة حول العالم.

ويمكن التأكيد على أن انعكاسات الحرب الروسية على أوكرانيا، ستدفع بالعلاقات التركية الإسرائيلية إلى إعادة التموضع سياسيا، والتقدم نحو الأمام، باتجاه التنسيق شرقي المتوسط، وترسيم الحدود البحرية، واقتسام كعكة الغاز، وتعزيز التعاون الاقتصادي بما يخدم مصالح الطرفين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا إسرائيل العلاقات التركية الإسرائيلية أردوغان إسحق هرتزوج الغاز شرقي المتوسط حماس الحرب الروسية الأوكرانية

الأولى منذ 14 عاما.. رئيس إسرائيل يبدأ زيارة إلى تركيا لتحسين العلاقات

منذ أزمة مافي مرمرة.. محطات بارزة في مسار العلاقات التركية الإسرائيلية

إعلام عبري: وزير خارجية تركيا يزور إسرائيل وفلسطين مطلع أبريل

كارنيجي: الغاز الطبيعي كلمة السر وراء التقارب التركي الإسرائيلي

بديل أوروبا للطاقة الروسية.. تركيا وإسرائيل تبحثان إقامة خط لأنابيب الغاز

تشاووش أوغلو: تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر يسير ببطء