لم يدر بمخيلة المصريين بعد أكثر من 8 سنوات، أن الأغنية التي رددوها كثيرا احتفاء بالانقلاب على الرئيس المصري الراحل "محمد مرسي"، 3 يوليو/تموز 2013، ستعاود تصدر المشهد، وهم يشكون الغلاء الفاحش، وتزايد معدلات الفقر في البلاد تحت حكم الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي" الذي قاد الانقلاب حين كان وزيرا للدفاع.

ولم يظن النظام المصري الحاكم، أن "تسلم الأيادي" التي أنتجتها آلته الدعائية؛ للاحتفال بالإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمون"، ستقترن بالغضب والاستياء من تدهور الأحوال المعيشية في البلاد، وتتحول بشكل ساخر  إلى " تسلم الأيادي، اللي فقرت بلادي".

على أنغام "تسلم الأيادي"، باتت "رقصة الفقر" تتصدر التريند في مصر، مصحوبة بمقاطع فيديو ساخرة، على مواقع التواصل، تعبر عن الغضب الشعبي المكتوم، جراء اختفاء سلع أساسية من الأسواق، وارتفاع أسعار أخرى بشكل جنوني، على خلفية تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

زجاجة زيت

المشهد الأكثر سخرية، بدا بظهور أحد المواطنين، وهو يحتضن زجاجة زيت وهو نائم، ويمنح بضع قطرات منها لزميل له طلب اقتراض بعض الزيت لإعداد الطعام.

ويظهر في مقطع فيديو آخر، مواطنة تلطم على وجهها، وأخرى تولول، وثالثة تعدد فواتير الكهرباء والمياه والغاز التي أثقلت كاهلها.

وعلى أنغام "تسلم الأيادي" تظهر مجموعة من الشباب وهم  يبرزون جيوبهم الفارغة من النقود، ويتراقصون وسط أجواء من السخرية من الحال الذي وصلوا إليه، بعد ان وعدهم "السيسي" بـ"جمهورية جديدة" و"مصر هتبقى أد الدنيا".

وترفع مواطنة حافظة نقودها الخالية، وهي تضع أواني الطهي فارغة على موقد النار، في إشارة إلى عدم القدرة على توفير الطعام لأسرتها.

جيوب فارغة

وداخل أحد المحال التجارية، يقوم صاحب المحل بإخراج أدراج خزانته المالية وهي فارغة، ليعقب ذلك بإبراز جيوبه الخاوية، وهو ما ذهب إليه شاب آخر معلنا إفلاسه.

وتحت عنوان "والله بروح السوق برجع معيطة"، روت سيدة مصرية معاناتها في شراء الخضروات والفاكهة، قائلة إنها "تنتظر الفاكهة في الآخرة، وإنها تنتظر الموت بسبب الغلاء".

وأضافت: "حتى الأساسيات مبنعرفش نجيبها، والبيض الأورجانيك اللي بيتكلم عنه عمرو أديب (إعلامي مصري مقرب من السلطة) منعرفش شكله، والفراخ حتى مبقتش أكلة الغلبان، وكرتونة البيض وصلت إلى 60 جنيها (نحو 4 دولارات).

بيع العفش

ويظهر آخر وقد باع أثاث بيته، معلقا "تسلم الأيادي، تسلم يا سيسي، بعنا عفش البيت، نبيع إيه تاني"، مصحوبة بمقطع من الأغنية التي تقول كلماتها "تسلم الأيادي، سلام يا جيش بلادي، تسلم ياللي شايلها... ياللي حلفت لترد جميلها، وقلت المايلة لازم تعديلها.. بعلو الصوت، تسلم ياللي رافعت رايتها... وقدرتها ودفعت قيمتها".

لكن الأكثر طرافة، كان ظهور سيدة تعلق حبات من البطاطس والطماطم والخيار والباذنجان في خيط، وتقوم بتلمسهم، وتذوقهم بلقمة خبز، وكأنها تأكل لسد حاجتها من الجوع، على أنغام الأغنية التي ألفها ولحنها الملحن والمطرب "مصطفى كامل" وشارك في أدائها مجموعة من الفنانين.

غلاء فاحش

ووفق رئيس شعبة الزيوت باتحاد الصناعات المصرية ورئيس شركة القاهرة للزيوت والصابون "أيمن قرة"، فإن أسعار زيت الصويا "الأولين" ارتفعت إلى 29 ألفا و500 جنيه للطن، مقابل 25 ألفا بزيادة نحو 4500 جنيه للطن.

وارتفع سعر طن الزيت الذرة إلى 36 ألف جنيه للطن، مقابل 28 ألفا، بينما زاد سعر طن زيت الصويا بنحو 4500 جنيه ليصل إلى 25 ألف جنيه، مقابل 20 ألفا و500 جنيه قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

وارتفع سعر زجاجة الزيت الذرة كريستال (800 مل) إلى ما بين 37 و38 جنيهًا (2.3 دولار)، وسجل زيت عباد الشمس كريستال (2.2 لتر) 78 جنيهًا، وهو ما يعني ارتفاع أسعار المأكولات الشعبية مثل الطعمية والبطاطس المقلية.

ووفقا لأرقام شعبة المخبوزات باتحاد الغرف التجارية المصرية، فإن سعر طن الدقيق غير المدعوم كان يبلغ 9 آلاف جنيه (600 دولار أمريكي تقريبا) وارتفع خلال الأيام القليلة الماضية بقيمة 3 آلاف جنيه، ليصبح بنحو 12 ألف جنيه.

وقفز سعر عبوة الطحينة إلى 25 جنيهًا (نحو دولار ونصف)، والسكر إلى 12 جنيهًا (نحو ثلاثة أرباع الدولار) بعدما كان سعره لا يتجاوز 10 جنيهات، وحتى حلويات الأطفال لم تسلم من زيادة الأسعار.

ولم يقتصر ارتفاع الأسعار في مصر على القمح فقط، الذي تسبب بزيادة سعر الخبز غير المدعم إلى 75 قرشا للرغيف، فشملت الزيادة أسعار اللحوم والدواجن، ومواد البناء، والأسمنت والحديد.

الملفت في الأمر، أن تداول الأغنية التي أشاعت أجواء راقصة لمباركة عزل "مرسي"، ولاحقا إراقة دماء أنصاره في مجزرتي "رابعة" و"النهضة" 14 أغسطس/آب 2013، جاء من أنصار "السيسي" وداعمي الانقلاب، الذين وقعوا تحت وطأة الغلاء والفقر.