تونس: الاحتكار السياسي الحلال!

الجمعة 1 أبريل 2022 03:52 ص

تونس: الاحتكار السياسي الحلال!

يطابق قيس سعيّد، في أقواله وأفعاله، بين شخصه ومفهوم الدولة، على طريقة الملك الفرنسي لويس 14 صاحب مقولة «الدولة أنا وأنا الدولة»!

المفارقة إعلان الرئيس «حربا» على المحتكرين، و«محاربة مظاهر الاحتكار»، دون أن يفطن، لتناقضه الكبير وهو يحلّل الاحتكار السياسي لنفسه!

تحوّل أعضاء البرلمان، بقرار جديد للرئيس من نواب انتخبهم الشعب، إلى مطلوبين للمثول أمام «فرقة مكافحة الإرهاب» ومتهمين بـ«محاولة الانقلاب والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

ما كان قيس سعيّد ليستطيع السير في طريق الحكم المطلق لولا دعم الجيش والأمن، وتواطؤ بعض النخبة السياسية خاصة «الاتحاد العام التونسي للشغل»، الذي بات العمود السياسيّ الرئيسي للانقلاب على مؤسسات الدولة.

* * *

نجح مجلس النواب التونسي، بعد محاولات تقنية لوقف انعقاده عبر منصّات التواصل الرقمية، أول أمس الأربعاء، باتخاذ قرار بإلغاء «الإجراءات الاستثنائية» التي أعلنها الرئيس في 25 تموز/يوليو الماضي، وهو ما ردّ عليه سعيّد بإعلان حل البرلمان وملاحقة عشرات من أعضائه المشاركين في الجلسة.

بسبب إعلان رأيهم، كمشرعين منتخبين، بضرورة وقف «الاستثناء»، والمطالبة بحوار سياسي، تحوّل أعضاء البرلمان، بقرار جديد للرئيس، من نواب انتخبهم الشعب، إلى أشخاص مطلوبين للمثول أمام «فرقة مكافحة الإرهاب» ومتهمين بـ«محاولة الانقلاب والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

يجيء قرار حلّ البرلمان لينهي، عمليا، استقلال مؤسسات الدولة التونسية، بدءا من الحكومة، التي استبدلت بأشخاص شغلهم الاستماع، مثل التلاميذ، لمحاضرات الرئيس، وتنفيذ مطالبه، وانتقالا إلى القضاء، الذي حُلّ مجلسه الأعلى وتم استبداله بمجلس «مؤقت» مطيع، ووصولا إلى الإعلام الذي تم تدجينه وتوظيفه، أيضا، لإيصال «صوت» الرئيس.

يطابق سعيّد، في أقواله وأفعاله، بين شخصه ومفهوم الدولة، على طريقة الملك الفرنسي لويس 14 صاحب مقولة «الدولة أنا وأنا الدولة»، وهو أمر شديد الغرابة في تأويله لهذه العلاقة، التي تلغي كل مؤسسات الدولة الأخرى لصالح مؤسسة الرئاسة، وفي تلاعبه بالدستور (الذي كان يدرسه بالجامعة)، عبر تعليقه بـ«مرسوم رئاسي» في 22 أيلول/سبتمبر الماضي (مع «استثناء» التوطئة والبابين الأول والثاني)، ثم استخدام فصل معلّق فيه لتبرير حل البرلمان، وقد تفوّق سعيّد في ذلك، على الدول التي تحكمها دكتاتوريات، والتي تعلم أن تجريم مجلس نواب كامل، وتحويل نواب الشعب إلى «إرهابيين»، هو أمر لا يقبله العقل والمنطق.

من المفارقات الكاشفة في هذه الوضعيّة التونسية، كان إعلان الرئيس، قبل فترة قصيرة «حربا» على المحتكرين، وبحثه مع «رئيسة الوزراء» نجلا بودن، «محاربة مظاهر الاحتكار»، من دون أن يفطن، ربما، لهذا التناقض الكبير بين شخص يحلّل الاحتكار السياسي لنفسه، مهددا بالدبابات والصواريخ لإحكام هذا الاحتكار، ثم يطارد من يحاولون الاحتذاء بمثاله لكنهم لا يحتكرون «سلعة» السياسة بل سلعا أخرى!

تزيد قرارات سعيّد هذه الأزمة السياسية في تونس، لكنّ الحقيقة تقتضي القول إنه ما كان ليستطيع السير في هذا الطريق نحو الحكم المطلق لولا دعم الجيش والأمن له، وتواطؤ جزء من النخبة السياسية التونسية، وخصوصا «الاتحاد العام التونسي للشغل»، الذي يشكّل الآن العمود السياسيّ الرئيسي الذي يرتكز عليه هذا الانقلاب على مؤسسات الدولة.

يضاف إلى ذلك طبعا، الجهة التي تنادي بعودة النظام السياسي السابق، ممثلة بـ«الحزب الدستوري الحر»، والتي لا يهمّها، من كل هذه الأزمة السياسية (رغم الضرر الذي يصيبها من حلّ البرلمان) سوى التشفّي بـ«حركة النهضة»، باعتبارها خصمها الأيديولوجي، ولا بأس في سبيل ذلك، أن تذهب الديمقراطية والحكم المدني ومؤسسات الدولة الحديثة، إلى الجحيم!

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، الاحتكار السياسي، الدستور، حركة النهضة، الاتحاد العام التونسي للشغل، حل البرلمان، مجلس النواب التونسي، الجيش، الأمن،

واشنطن قلقة إزاء قرار الرئيس التونسي حل البرلمان وملاحقة نوابه

مشرعون أمريكيون يدينون قرار الرئيس التونسي بحل البرلمان