لماذا تجاهلت واشنطن أعمال التعذيب التي تقوم بها الفصائل العراقية الشيعية؟

الثلاثاء 15 ديسمبر 2015 12:12 ص

كانت تلك واحدة من أكثر الأحداث الصادمة في واحدة من أكثر الفترات عنفا في تاريخ العراق، ففي أواخر 2005 أي بعد عامين من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بـ«صدام حسين»، داهم جنود أمريكيون مبنى تابعا للشرطة في بغداد ووجدوا 168 سجينا في حالة مروعة، بدا أن كثيرا منهم مصاب بسوء التغذية، والبعض تعرض للضرب.

وأماط اكتشاف هذا السجن السري اللثام عن عالم من الخطف والاغتيالات، وقال مسؤولو أمن عراقيون وأمنيون في ذلك الوقت إن خلف هذه العمليات منظمة غير رسمية تابعة لوزارة الداخلية تسمى دائرة التحقيقات الخاصة.

سجن سري

وكان يدير تلك الدائرة قادة من منظمة بدر المؤيدة لإيران، وهي حركة سياسية تلعب اليوم دورا كبيرا في حرب بغداد ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وضغطت واشنطن على الحكومة العراقية كي تحقق في موضوع هذا السجن، ولكن نتائج تحقيقات بغداد لم يتم الإفصاح عنها قط، وسخر بعض أعضاء هذه اللجنة من تلك التحقيقات بوصفها مكرسة لتبرئة ساحة المسؤولين.

وقال دبلوماسيون ومسؤولون عسكريون أمريكيون حاليون وسابقون إن الجيش الأمريكي أجرى تحقيقه الخاص في هذا الأمر، ولكن عوضا عن نشر النتائج قرر الضغط على المسؤولين العراقيين مخافة الإضرار بالتركيبة السياسية العراقية الهشة.

ولم ينشر أي من التقريرين، ولكن وكالة «رويترز» اطلعت عليهما وعلى وثائق أمريكية أخرى تخص العقد المنصرم، وبحسب الوكالة، «تظهر الوثائق كيف أن واشنطن التي تسعى لهزيمة المتشددين السنة وفرض الاستقرار في العراق تجاوزت بشكل مستمر عن مخالفات ترتكبها الفصائل الشيعية برعاية الحكومة العراقية، وعملت إدارة الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما مع منظمة بدر وزعيمها القوي هادي العامري الذي يستمر كثير من السنة في اتهامه بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان».

وحققت سياسة الملاءمة التي تتبعها واشنطن بعضا من أهدافها قصيرة المدى، ولكن السماح للفصائل الشيعية بالتعامل بوحشية مع أعدائها السنة أدى إلى إذكاء انقسام سني شيعي يمزق العراق إربا.

ويشير التحقيق الأمريكي الذي أجري قبل عشرة أعوام بشأن السجن السري إلى ضلوع مسؤولين وجماعات سياسية في موجة أعمال قتل طائفية ساعدت في إشعال حرب أهلية.

ويثير التقرير مخاوف من أن سكوت الحكومة الأمريكية عما يجري اليوم من انتهاكات مزعومة ترتكب باسم محاربة «الدولة الإسلامية» مشابه لما حصل قبل عشرة أعوام.

وزراء وقضاة بين المتهمين

وبين المتهمين بإدارة سجن سري أو المساعدة في التغطية على وجوده، رئيس القضاء العراقي «مدحت محمود» ووزير النقل «بيان جبر» وقائد كبير في منظمة بدر يشار إليه بأنه المهندس «أحمد».

وقال التقرير الأمريكي: «قام موظفو مديرية التحقيقات الخاصة على نحو غير قانوني باعتقال وتعذيب وقتل مواطنين عراقيين، وامتنع مسؤولو الحكومة العراقية عن اتخاذ أي خطوة لمنع الجرائم».

ويقول التقرير إن المحققين الأمريكيين واجهوا «عدم تعاون من الحكومة وترددا من جانب الشهود للتقدم والإدلاء بشهادتهم بالإضافة إلى ما يستنتج عن ضلوع للمسؤولين العراقيين»

وامتنع القاضي «محمود» عن التعليق على هذا الأمر، وقال زميل سابق مقرب له «إن محمود كان يعلم بوجود السجن السري ولكنه لم يكن يعلم ما يجري بداخله، مضيفا: لا يمكن مساءلته عن سلوك كل قاض».

وقال مسؤول رفيع في بدر، إن المزاعم الخاصة بالسجن هي حملة تشهير يقوم بها الإرهابيون، ودعا وسائل الإعلام العالمية للتركيز على «الدولة الإسلامية» التي نفذت تفجيرات انتحارية وأعدمت سجناء.

ويشيد مسؤولون أمريكيون بالدور الذي تلعبه منظمات شيعية مثل منظمة بدر في محاربة «الدولة الإسلامية»، فقد ساعد فصيل مثل الحشد الشعبي بغداد في الدفاع عن البلاد في مواجهة الجماعات السنية المتشددة حينما فر الجيش العراقي والشرطة من مواجهة متشددي «الدولة الإسلامية بشكل كبير في عام 2014.

ومنذ ذلك الحين واصلت الفصائل الشيعية مهاجمة «الدولة الإسلامية» التي أعلنت قيام خلافة في مساحات واسعة من العراق وسوريا، وقام التنظيم بإعدام كل من يجاهر بمعارضته، ونفذ متشددوه أعمال خطف وسبي وبيع للنساء والأطفال، ويستخدمون الاغتصاب سلاحا.

وقال السفير الأمريكي «ستيوارت جونز» للتلفزيون العراقي الرسمي في إبريل/نيسان الماضي: «الحشد الشعبي جزء من القوات العراقية المقاتلة التي تلحق الهزيمة بداعش اليوم».

ولكن السنة في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة الدولة الإسلامية يقولون إن الفصائل الشيعية مدانة بارتكاب انتهاكات هي الأخرى بما في ذلك النهب والخطف والقتل.

اعترافات ضباط عراقيين

وقال عدد من ضباط الأمن وعضو في مجلس محلي وقادة قبليون إن 718 سنيا في محافظة صلاح الدين خطفهم مقاتلون من فصائل شيعية منذ إبريل/ نيسان 2015، ولم يتم الإفراج إلا عن 289 منهم وذلك بعد دفع فدية في معظم الحالات.

ويقول بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين إن على واشنطن الكف عن التهوين من شأن الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل الشيعية.

ويعتقد «روبرت فورد» وهو دبلوماسي أمريكي سابق عمل مسؤولا سياسيا في السفارة الأمريكية بين عامي 2004 و2006 أن قرار الحكومة الأمريكية عدم معاقبة القائمين على السجن السري أرسى سابقة مضرة، وأضاف: «جرى نقل بعض الناس إلى أماكن أخرى.. هذا ليس عقابا. المفروض ردعهم لكيلا يفعلوا ذلك مجددا».

وقال «فورد» إنه قبل عشرة أعوام كانت الفصائل جماعات مسلحة لها أجندات سياسية أو كانت أجنحة مسلحة لفصائل سياسية، «والآن وصفهم مكتب رئيس الوزراء بأنهم مؤسسة رسمية.. ويحصلون على موارد بصورة مباشرة من الدولة ولديهم درجة من الشرعية السياسية».

ونفى «معين الكاظمي» المسؤول في منظمة بدر المزاعم بوقوع أعمال خطف ونهب وقتل، وقال «نحن لا نخرق مبادئ حقوق الانسان وعلينا أن لاننسى الطرق اللاإنسانية التي مارسها أعداء الشعب العراقي».

واعترفت الحكومة العراقية بوجود مشكلة تتمثل في الخطف في أنحاء العراق وحتى في بغداد، وفي بعض الأحيان يشمل ذلك رجال أمن.

وقال «سعد الحديثي» المتحدث باسم رئيس الوزراء «حيدر العبادي» إن الحكومة العراقية تعمل جاهدة لمحاربة ذلك، وحمل «العصابات» المسؤولية عن الهجمات ولكن قال إن الدولة ليست لديها «أدلة ملموسة على من يقف وراء ذلك».

ولم ترد السفارة الأمريكية في العراق ولا مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية الجديد لمحاربة الإرهاب بريت مكجورك على طلبات للتعقيب.

  كلمات مفتاحية

التعذب العراق الولايات المتحدة الفصائل العراقية الحشد الشعبي منظمة بدر

لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تحقق بشأن انتهاكات في العراق

المعتقلون السنة يلجأون لـ«التشيع» هربا من القتل والتعذيب في سجون العراق

حقوقي: اعتقال طائفي وتعذيب مروع وقتل خارج القانون داخل سجون العراق

نتيجة للأحداث الأخيرة .. تعذيب طائفي لسجناء سعوديين في العراق