هل يتجه أردوغان للحوار مع الأسد وسط الانشغال الروسي في أوكرانيا؟

الثلاثاء 12 أبريل 2022 09:45 ص

أدت الحرب الأوكرانية لإذابة الجليد بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وشركائه في الغرب وأوقفت التآكل في شعبيته بالرغم من استمرار الاضطرابات الاقتصادية. ويأمل "أردوغان" في تحقيق مكاسب أيضا في سوريا معتمدًا على انشغال روسيا في أوكرانيا.

ووسط تراجع النشاط الروسي في سوريا، اتخذت تركيا خطوات تصعيدية في مناطق الشمال الشرقي التي يسيطر عليها الأكراد، وانتقلت لتعزيز قواعدها في إدلب التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة. والأهم من ذلك أن هناك مزاعم حول إرسال "أردوغان" رسالة إلى رئيس النظام السوري "بشار الأسد" في محاولة لتطبيع العلاقات.

ووفقا لصحيفة "حرييت" التركية التي نشرت هذه الأنباء في 4 أبريل/نيسان، فإن مسؤولي الحكومة يلقون باللوم على روسيا وإيران لعرقلة "الفرص السابقة لإحراز التقدم مع سوريا" ويرون فرصة لتحقيق "بداية جديدة" مع دمشق، في ظل انشغال روسيا في أوكرانيا، على أمل حل قضية اللاجئين السوريين و "مشكلة حزب العمال الكردستاني".

التطلعات التركية وصخرة الواقع

وبحسب ما ورد، يرى المسؤولون الأتراك زيارة "الأسد" إلى الإمارات كعلامة على أنه يبحث عن انفتاح ودعم جديد. ووفقا للتقرير: "فإن الحكومة تناقش بدء الحوار مع حكومة "الأسد" على أساس 3 نقاط رئيسية: الحفاظ على الهيكل الوحدوي لسوريا وتأمين سلامتها الإقليمية وضمان عودة اللاجئين بأمان.

وأبلغت أنقرة أولوياتها إلى دمشق قبل رحلة "الأسد" إلى أبوظبي، على أمل أن يساعد تصالحها مع الإمارات على فتح صفحة جديدة مع سوريا، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى عودة نصف اللاجئين السوريين في تركيا على الأقل، وفقا لصحيفة "حرييت".

ومع ذلك يتجاهل هذا التقييم أولويات دمشق والمكاسب الكردية على الأرض منذ عام 2011 وبعض العوامل الأساسية وراء الأزمة السورية، ويبدو ساذجًا إلى حد ما في تحليل مواقف روسيا وإيران.

وتعتمد حسابات أنقرة على الافتراض بأن دعم موسكو لدمشق سيضعف الآن، وأن إيران ستلين في سوريا بمجرد أن تصل إلى اتفاق نووي مع الغرب وأن دمشق ستضطر لقبول عرض أنقرة مع تراجع حلفائها الرئيسيين.

وتأمل أنقرة أن يؤدي التوحد حول هدف تفكيك الحكم الذاتي الذي يقوده الأكراد في شمال شرق سوريا إلى التبشير ببداية جديدة مع دمشق.

كيف ترى دمشق اقتراح أنقرة؟

نقلت صحيفة "الوطن" اليومية عن مصادر في وزارة الخارجية السورية تقليلهم لأهمية تقرير "حرييت" باعتباره "دعاية فاضحة" تهدف إلى تلميع صورة "أردوغان" قبل انتخابات العام المقبل.

ووفقا للمصادر، لا تزال دمشق حازمة في مطالبتها لـ"أردوغان" "باحترام القانون الدولي والاتفاقات الثنائية ومبدأ حسن الجوار"، وأضافوا: "لا تستطيع دمشق الدخول في أي حوار مع أردوغان ما لم يسحب قوات بلاده من سوريا وينهي دعمه للإرهابيين"، واعتبروا أن اتجاه انقرة لاستغلال الحرب الأوكرانية يشير إلى طبيعة  "غير أخلاقية" و "انتهازية".

وتكرر دمشق الحديث عن الاتفاقات الثنائية، وعادة ما يشير ذلك إلى اتفاق أضنة لعام 1998 بشأن التعاون ضد "حزب العمال الكردستاني" واتفاقية عام 2011 بشأن مكافحة الإرهاب، وبروتوكول عام 1987 بشأن تقاسم مياه الفرات وعدة مذكرات لعام 2009 بشأن عدد من القضايا.

ويعتقد الصحفي المقيم في دمشق "سركيس كاسارجيان" إن الحكومة السورية لديها حافز ضئيل للبحث عن المصالحة في الوقت الحالي. وأضاف: "قد تؤدي الوساطة الإماراتية إلى التقارب مع تركيا، شريطة الحصول على استثمارات إماراتية في سوريا. ولكن لا يمكن أن يكون هناك تطبيع فقط من أجل التطبيع. ليس هناك ما يمكن أن تكسبه دمشق من هذه الخطوة في الوقت الحالي".

وأردف قائلًا : "دمشق تدرك جيدا أن قضية اللاجئين مشكلة كبيرة لأردوغان. ووفقا لبعض التقييمات هنا، قد يخسر أردوغان الانتخابات إذا فشل في حل هذه المشكلة". وقال رئيس دائرة الهجرة التركية في أواخر مارس/آذار إن حوالي نصف مليون لاجئ عادوا إلى مناطق آمنة في سوريا، فيما لا يزال 3.7 ملايين سوري في تركيا.

ويعتقد "كاسارجيان" أن دمشق لن تتراجع أبدا عن مطالبها لتركيا بسحب قواتها من سوريا ووقف دعمها للجيش الوطني السوري والجماعات المتمردة الأخرى.

وأضاف: "دمشق لن توافق على التطبيع دون مقابل. وهذان الشرطان هما الأكثر أهمية. هل أنقرة جاهزة لتلبيتهما؟ لا أعتقد ذلك". وأشار الصحفي إلى عدم وجود إشارة إلى أن التطبيع مع تركيا كان على أجندة الأسد في زيارته للإمارات، حيث ركزت الزيارة على التعاون الاقتصادي والعلاقات مع إيران وجهود سوريا للعودة إلى جامعة الدول العربية.

وبالنظر إلى تجربة الأتراك في العراق، يبدو أن الوجود العسكري التركي في سوريا سيطول. ففي إطار مطاردة مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق منذ التسعينيات، توغلت تركيا عبر الحدود ووسعت باستمرار قواعدها ومجالات سيطرتها في المنطقة.

اعتبارات "الأسد"

في عام 2019، اقترحت روسيا إحياء اتفاق أضنة كوسيلة لإعادة الحوار بين أنقرة ودمشق. ومع ذلك، فإن ما تفهمه أنقرة من إحياء الاتفاق هو القضاء على "وحدات حماية الشعب" و"قوات سوريا الديمقراطية" المرتبطة بـ"حزب العمال الكردستاني"، في حين أن دمشق تعتقد أن الاتفاق يجب أن ينطبق على جميع قوات المعارضة المسلحة في سوريا.

ووفقا لصحيفة "الشرق الأوسط"، تتزايد المخاوف في دمشق من تراجع الدعم الروسي - ليس فقط من الناحية العسكرية والسياسية وإنما أيضًا النفط والحبوب - إذا طالت الحرب في أوكرانيا والعزلة الدولية لموسكو.

لذلك، ترى الصحيفة أن رحلة "الأسد" إلى الإمارات تعكس سعيه لتأمين قنوات دعم بديلة، وأن التحالف العربي الإسرائيلي الناشئ ضد إيران يعد تحولًا كبيرًا آخر يجب أن تأخذه دمشق في الاعتبار، وأن قبول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية سيكون له دور فعال في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

لكن التفكير في إمكانية ابتعاد دمشق عن طهران محض أمنيات؛ فمن المرجح أن يملأ الإيرانيون بسرعة أي فراغ يتركه الروس. وقد نشروا بالفعل تعزيزات في حوالي 120 موقع وقاعدة عسكرية في حمص وحماة والرقة ودير الزور وحلب، وفقا لتقارير وسائل الإعلام.

الأكراد على رأس الأجندة التركية

من جانبها، استهدفت تركيا مواقع كردية في بلدتي عين عيسى وتل تامر على طول الطريق السريع الحيوي "M4" وكذلك في منبج وريف حلب. وأصيب زعيم "المجلس العسكري السوري" في هجوم تركي بطائرة مسيرة في أوائل أبريل/نيسان. ونشرت تركيا تعزيزات أيضا في مواقعها وقواعدها علي الأراضي السورية. وفي 3 أبريل/نيسان، عبرت قافلة عسكرية من 90 مركبة إلى إدلب متجهة إلى المواقع التركية في المسطومة وقاعدة تفتناز الجوية.

وبالرغم من استبعاد حدوث هجوم على نطاق واسع، فإن تركيا تخطط لزيادة الضغط على الأكراد. وفي الخريف الماضي، اختبرت أنقرة الأجواء لتشن هجومًا جديدًا شرق الفرات، لكن لم تعطها روسيا ولا الولايات المتحدة الضوء الأخضر.

وبما أن دور تركيا كعضو في الناتو أصبح مهمًا بالنسبة لواشنطن في الأزمة الأوكرانية، تتوقع أنقرة أن تتجاهل إدارة "بايدن" النشاط العسكري التركي في سوريا. ومما يشير إلى ذلك الرسالة التي وجهتها الإدارة الأمريكية إلى الكونجرس لدعم طلب تركيا لشراء طائرات "إف-16" وإطلاق "آلية استراتيجية" للحوار خلال زيارة وكيلة وزارة الخارجية "فيكتوريا نولاند" إلى أنقرة هذا الشهر.

ومع ذلك، تتصادم هذا التوقعات التركية مع نية واشنطن زيادة مشاركتها العسكرية والسياسية والمالية في شمال شرق سوريا في محاولة لتعقيد الأمور على روسيا. وقد طلب "بايدن" بالفعل أموالًا جديدة لدعم "قوات سوريا الديمقراطية" في ميزانية 2023.

كما أدت الحرب في أوكرانيا لتنشيط المعارضة السورية أيضا. ويرى أعضاء "التحالف الوطني السوري" المقربون من قطر الحرب الأوكرانية كفرصة لإعادة إحياء "الثورة" -وهو موقف يتناغم مع هدف واشنطن المتمثل في إبقاء روسيا تحت الضغط- لكن تركيا مصممة على إبقاء قوات المعارضة في إطار أجندتها، فقد سعت أنقرة إلى الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب دون التصارع مع روسيا، مع توجيه القتال إلى المناطق الكردية. وتشعر قوات المعارضة بالانزعاج من هذه الاستراتيجية إلا إنها مضطرة للصمت في ظل اعتمادها على المساعدة التركية.

أما دمشق، فليس لديها أي نية للسماح للمعارضة باستغلال الأزمة الأوكرانية، لذلك قام الجيش السوري بتكثيف العمليات في إدلب، كما ذكرت روسيا كافة الأطراف بوجودها عبر غارات جوية على الجبهات الشرقية والشمالية الغربية.

باختصار، فإن حسابات أنقرة حول المصالحة مع دمشق تعتمد على ظروف معينة مثل أن تصبح روسيا غير قادرة على الاهتمام بسوريا، أو أن تفقد إيران نفوذها على دمشق، أو أن تتخلى الولايات المتحدة عن الأكراد، وهذه أشياء قد لا تزيد عن كونها محض امنيات. وبالنسبة لدمشق، فإن انسحاب تركيا من سوريا هو طلب رئيسي لبدء لحوار، ويبدو أن التقييمات السورية تأخذ في اعتبارها أيضًا احتمال خسارة "أردوغان" لانتخابات 2023.

المصدر | فهيم تستكين - المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب أوكرانيا أزمة أوكرانيا العلاقات التركية السورية العلاقات الإماراتية السورية العلاقات التركية الإماراتية انتخابات تركيا 2023 اللاجئين حزب العمال الكردستاني

هل تستطيع الجامعة العربية جذب سوريا بعيدا عن إيران؟

المصالحة بين تركيا والنظام السوري ما تزال بعيدة.. لماذا؟