المصالحة بين تركيا والنظام السوري ما تزال بعيدة.. لماذا؟

الأحد 15 مايو 2022 10:43 ص

بعد أكثر من عقد من العداء، تكثر الشائعات بأن تركيا ربما تسعى إلى مصالحة مع نظام "بشار الأسد" في سوريا.

وفي أواخر أبريل/نيسان الماضي،أعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" عن عقد محادثات أمنية بين أنقرة ودمشق، وهو ما فسره البعض على أنه خطوة أولى باتجاه تقارب أوسع.

في غضون ذلك، لم يفعل الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي كان القوة الدافعة وراء تحرك أنقرة لقطع العلاقات مع "الأسد" ودعم خصومه خلال الحرب الأهلية السورية، الكثير لدحض هذه المزاعم.

وبالنسبة للبعض، فإن التحرك نحو إصلاح العلاقات مع دمشق أمر منطقي بالنسبة لـ "أردوغان". وعلى الصعيد المحلي، فإن عودة أعداد كبيرة من اللاجئين أمر ضروري في سياق الابتزاز الذي تمارسه المعارضة التركية قبل انتخابات يونيو/حزيران 2023 حيث يتصاعد الرفض داخل المجتمع التركي لفكرة استمرار احتضان اللاجئين السوريين.

وعلى الصعيد الدولي، قام "أردوغان" مؤخرا بتحسين العلاقات مع عدد من الدول وحصل على استثمارات حيوية من الإمارات التي مارست ضغوطا منذ فترة طويلة على حكومات الشرق الأوسط لإعادة التعامل مع "الأسد". وقد تبدو استعادة العلاقات مع سوريا الخطوة المنطقية التالية في المحور الإقليمي لـ"أردوغان".

ومع ذلك، يبدو أن مثل هذا التقارب غير مرجح. وفي الواقع، لا يناسب تطبيع العلاقات لا "أردوغان" ولا "الأسد" في الوقت الحاضر.

ومن المنطقي أن تروج بعض الأصوات داخل النخبة الحاكمة في تركيا لإمكانية التفاوض مع "الأسد" كوسيلة لتجاوز الورقة التي يستخدمها خصوم "أردوغان"، بل الإشارة بشكل ضمني إلى أن إعادة انتخابه ستؤدي إلى التطبيع مع سوريا وبالتالي عودة بعض اللاجئين طوعيا وذلك لجلب أصوات الناخبين المتذبذبين.

وفي كل الأحوال من غير المرجح أن يقدم "أردوغان" على مثل هذا التقارب قبل الانتخابات. وبدلا من ذلك، سيتم إجراء محادثات على مستوى منخفض للحفاظ على تحسين العلاقات كخيار يمكن أن يتخلى عنه "أردوغان" إذا أراد بعد ضمان بقائه في السلطة.

دور واشنطن

ولا يعد السلام مع "الأسد" أولوية استراتيجية لـ "أردوغان". وقد ترحب الإمارات بالتطبيع التركي السوري، لكنها لم تجعله شرطا للوفاق الأخير بين أبوظبي وأنقرة.

وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة تعارض بشدة التقارب مع دمشق. وبالرغم من الخلافات الأخيرة مع واشنطن، لا تزال أنقرة تحاول إقناع الولايات المتحدة بإنهاء تحالفها مع الأكراد في شرق سوريا، مما يتيح للجيش التركي حرية التصرف ضد الجماعات التي تعتبرها تركيا إرهابية، ومن شأن أي اتفاق بين تركيا وسوريا أن يزيد من احتمال وقوف واشنطن إلى جانب حليفها الكردي.

وأخيرا، من المرجح أن يمتنع "أردوغان" عن إجراء تغييرات كبيرة على سياسته تجاه سوريا حتى يتضح مدى تأثير حرب أوكرانيا على حليف "الأسد" الرئيسي (روسيا).

وإذا تعرضت موسكو لأضرار جسيمة بسبب الصراع، أو إذا تمت الإطاحة بـ "فلاديمير بوتين"، فمن المرجح أن يضعف الموقف الروسي في سوريا، ما يسمح لـ "أردوغان" بمزيد من الحرية لإملاء شروط السلام على "الأسد" وقتها.

وفي المقابل، إذا نجا "بوتين" وخرج من الحرب بثقة أكبر، فسيحد من خيارات تركيا في سوريا. وفي حين يرى البعض أن هناك فرصة أمام أنقرة للتوصل إلى اتفاق مع "الأسد" أثناء الانشغال الروسي، إلا أن ذلك سيكون محفوفا بالمخاطر، فلن ينسى "بوتين" بسرعة مثل هذه الخيانة.

وتثير حرب أوكرانيا مخاوف لدى النظام السوري حول مقدار الدعم الاقتصادي والعسكري الذي يمكن أن تستمر موسكو في تقديمه لدمشق، ومع ذلك يبدو "الأسد" غير مهتم بالمحادثات مع "أردوغان"

ولم يكن "الأسد"على استعداد لتقديم تنازلات أو التفاوض مع خصومه الأجانب أو المحليين حتى عندما كان على وشك خسارة السلطة خلال الحرب الأهلية، ولن يكون مستعدا لتقديم تنازلات لتركيا الآن. وحتى لو كان الديكتاتور السوري مهتما بصفقة ما، فإنه سينتظر حتى تصبح نتائج حرب أوكرانيا أكثر وضوحا بدلا من التفاوض الآن من موقع ضعف.

ويرغب الرئيس التركي في الحفاظ على سيطرة بلاده على 3 مناطق عازلة في شمال سوريا كما يريد ضمان بقاء إدلب بعيدة عن "الأسد" لضمان عدم توجه أي من المدنيين البالغ عددهم 3 ملايين إلى تركيا ليضافوا إلى أمواج اللاجئين.

عقلية النظام

لا يمكن تصور قبول "الأسد"  بالطلبات التركية حيث تعهد باستعادة السيطرة على "كل شبر" من سوريا. وقد صمد النظام البعثي لمدة 55 عاما في مطالباته باستعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل، رافضا عروض السلام ومصرا على استعادة كل حبة تراب من الأراضي التي فقدها.

ومثل هذا العناد الذي يتم تقديمه على أنه مقاومة وطنية سيشكل عقلية النظام تجاه الشمال الذي تهيمن عليه تركيا.

كما أن "الأسد" على دراية بالوضع الداخلي التركي، ولا أحد من خصوم "أردوغان" في الانتخابات ملتزم بموقفه من الحرب السورية، ما يجعلهم شركاء أكثر جاذبية للتفاوض إذا فازوا في عام 2023.

وقد يؤدي انتصار المعارضة في الانتخابات إلى انسحاب تركيا من جانب واحد من المناطق العازلة وإدلب، أو على الأقل الاستعداد لتقديم عروضا أفضل لـ"الأسد". ومن المرجح أن يكونوا أقل صمودا في الشمال من "أردوغان"، لذا فإن الأمر يستحق أن يتأخر "الأسد" عن المشاركة الجادة في أي مفاوضات إلى ما بعد الانتخابات.

ويشير كل هذا إلى أن المصالحة بين تركيا وسوريا لا تزال بعيدة المنال، بالنظر إلى أنه لا "أردوغان" ولا "الأسد" مهتمين حقا بالتوصل إلى اتفاق. ولا يعني هذا أن المحادثات على مستوى منخفض لن تحدث، ولكن من غير المحتمل حدوث انفراجة جوهرية. والعامل الوحيد الذي قد يغير هذا الأمر هو خسارة "أردوغان" انتخابات عام 2023. 

المصدر | كريستوفر فيليبس - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية السورية أردوغان الأسد الحرب الروسية الأوكرانية إدلب اللاجئون السوريون الانتخابات التركية المصالحة التركية السورية

تحركات سرية لقادة المخابرات في تركيا وسوريا تمهيدا للتطبيع المستقبلي 

هل يتجه أردوغان للحوار مع الأسد وسط الانشغال الروسي في أوكرانيا؟

تعزيزات عسكرية روسية شرقي سوريا تحسبا لهجوم تركي