لحظة لن تدوم.. فورين بوليسي: التقارب في الشرق الأوسط إعادة تموضع

السبت 7 مايو 2022 01:57 م

"هو ليس تقاربا خالصا بل لحظة تتحدث فيها السياسات والاستثمارات، إنما هو قرار بإعادة التموضع، ما يعني في حقيقته أنه تنافس ولكن بشكل وطريق آخر.. هي لحظة لن تدوم طويلاً".

هكذا خلص تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قال إن لحظات الود والوئام في الشرق الأوسط، بين الدول التي توترت علاقاتها لسنوات ماضية "لن تدوم".

وأوضحت المجلة في تقرير لمحللها "ستيفن كوك"، أن المنطقة تشهد تقاربات لافتة وغير مسبوقة، بين دول كانت تنتهج العداء، ضد بعضها في السنوات الماضية، لافتة إلى أن هذا التقارب بين الفرقاء، يتم عبر الرهان على الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، بدلاً من حروب الوكالة وجيوش المرتزقة.

ففي الأسبوع الماضي، زار الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، السعودية، والتقى ملكها "سلمان بن عبدالعزيز"، وولي عهده الأمير "محمد بن سلمان".

وفي أواخر أبريل/نيسان الماضي، عقد مسؤولون أمنيون كبار من السعودية وإيران، جولة خامسة من محادثات التطبيع، التي نظمت برعاية الحكومتين العراقية والعمانية.

وفي مارس/آذار، زار رئيس إسرائيل "إسحاق هيرتسوج"، تركيا، وكانت تلك أول زيارة يقوم بها مسؤول إسرائيلي كبير إلى البلد منذ 14 عاماً.

في نفس الشهر، حل رئيس النظام السوري "بشار الأسد"، ضيفاً على "إكسبو 2020" في دبي، حيث التقى بالزعماء الإماراتيين.

كما زار "أردوغان"، الإمارات في فبراير/شباط، بعد أن كان ولي عهد أبوظبي قد سافر إلى تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وخلال الشتاء تبادل الإماراتيون والإيرانيون وفوداً تجارية واستثمارية.

ولما كانت أنقرة هي التي تقف من وراء جل هذا الحراك الإقليمي، فإن الأمر يبدو منطقياً، فقد تعاني الليرة التركية أزمة مستمرة منذ أكثر من عام، ومع نسبة تضخم تصل إلى ما يقرب من الـ70%.

وهذا ما جعل "أردوغان" يتخلى عن السردية المعادية التي تتحدث عن كون الإماراتيين، من بين مجموعة من الصفات القبيحة، قراصنة وجهلة وفاشلين.

وقد أمر "أردوغان"، بنقل محاكمة (كانت تجرى غيابياً) للعناصر المتهمين بارتكاب جريمة قتل "جمال خاشقجي"، إلى السعودية، فقضى بذلك على أي فرصة لمعاقبتهم على ما ارتكبوه.

تلك هي النسخة الجيوسياسية من الذهاب إلى هناك تسولاً رجاء الحصول على بعض الاستثمارات من صناديق الثروة السيادية الضخمة لدول الخليج، وإبرام الصفقات التجارية، وتبادل العملات وربما بيع الطائرات المسيرة.

ولكن من باب الإنصاف، فإن تقارب الحكومة التركية مع إسرائيل لا يتعلق بالمال، ولا حتى بإسرائيل،  كما قد يعتقد كثير من الناس.

بل يرى المسؤولون في تركيا أن التفاهم مع الحكومة الإسرائيلية، قد يخفف عنهم وطأة الضغط الذي تمارسه عليهم الولايات المتحدة.

وهناك سبب وجيه من وراء ذلك بالطبع، فثمة منطق ثلاثي الأطراف تقوم عليه علاقات مصر بالولايات المتحدة حيث تلعب إسرائيل دوراً.

وبناء على ذلك، فيبدو أن الأتراك يعتقدون بأن المنظمات اليهودية والكيانات المناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة، سوف تدافع عنهم، فيما لو رحب "أردوغان" بنظيره الإسرائيلي، وتبادل معه المكالمات الهاتفية.

لو وضعنا جانباً النظرة الساذجة حول نفوذ هذه المجموعات، فإنه لا يوجد ما يثبت أن المجموعات التي تمثل مصالح يهود أمريكا أو تدعم إسرائيل ترغب بالفعل في مساعدة "أردوغان"، سواء من أجل التحرر من العقوبات الأمريكية التي فرضت على أنقرة بسبب شرائها لمنظومة الصواريخ الدفاعية الروسية من طراز (إس-400) أو من أجل وقف التحقيق الذي تجريه وزارة العدل الأمريكية في مزاعم بأن "مصرف خلق"، الذي تديره الحكومة التركية، يمارس نشاطات غايتها التهرب من العقوبات المفروضة على البلد.

وفيما يتعلق بتخفيف التصعيد مع إيران، فإنه يقال إن الإماراتيين أعربوا عن الاهتمام بالبحث عن فرص استثمارية هناك، وخاصة في مشروع الطاقة المتجددة.

ولم يبلغ السعوديون والإيرانيون ذلك القدر من التفاهم بعد، وأفضل ما يمكن أن يقال عن تلك اللقاءات أنها "مستمرة في الانعقاد".

ومع ذلك، وبالرغم من الابتسامات والحديث عن التعاون، فإنه يصعب ألا يصدق المرء أن شيئاً آخر يجري في الخفاء.

فبعد عقد من التنابز بالإرهاب، واتهام كل منهم للآخر بأنه مصدر انعدام الاستقرار في المنطقة والقيام بتسليح خصوم بعضهم البعض، فإن الإعلانات الجارية الآن عن بدء عهد جديد من العلاقات الأخوية لها ما وراءها.

وبعد أن ثبت لهم انعدام القدرة لديهم على فرض إرادتهم على أعداهم بالقوة، ها هم زعماء المنطقة الآن يحاولون سبيلاً مختلفاً.

والإماراتيون مثالعلىذ لك، هؤلاء لم يقعوا فجأة في حب "أردوغان"، كما أن الملامح "المتعجرفة والمتجهمة" لوجه "بن سلمان" كما بدت في إحدى الصور الملتقطة له أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس التركي تفيد بأن السعوديين، مثلهم في ذلك مثل الإماراتيين، يدركون جيداً الحالة "البائسة" التي يوجد فيها "أردوغان" بسبب الإخفاق الاقتصادي، وتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي.

وهذا يوفر فرصة سانحة أمام هذه الدول الخليجية لكسب بعض النفوذ الذي تؤثر به على أنقرة من خلال ما تنعم به من قوة مالية، وهو الأمر الذي لم تكن هذه الدول قادرة على تطويره، على سبيل المثال، من خلال دعمها لـ"خليفة حفتر" في ليبيا، الذي سعى للانقلاب على حليف تركيا المتمثل في الحكومة الليبية المعترف بها دولياً في طرابلس.

من جانبهم، يتوخى الإسرائيليون الحذر في التعامل مع الأتراك، فهم لا يثقون بـ"أردوغان"، ولكن يبدو أنهم انخرطوا في اللعبة، وخاصة إذا ما تمكنوا من الحصول على شيء ما بفضل حاجة الزعيم التركي إلى تحسين وضعه داخل واشنطن.

فعلى سبيل المثال، قد يعتبر مكسباً لرئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت"، أن يحمل "أردوغان" على تقليص نشاط "إرهابيي حماس"، الذين ينشطون من داخل تركيا.

في نفس الوقت، لن يكون الإسرائيليون على استعداد للتخلي عن ارتباطاتهم الاقتصادية والأمنية القومية مع اليونان ومع جمهورية قبرص، الخصمين اللدودين لتركيا، في سبيل تحسين علاقاتهما مع أنقرة.

وهذا شبيه بموقف مصر من مساعي تركيا الحثيثة، ولكن "الفاشلة حتى الآن"، في كسب الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، إلى جانبها.

وفي ذلك للحظة، ترغب الحكومة التركية في إعادة ترتيب العلاقات مع كل من إسرائيل ومصر، فلم هذا التغير في المزاج؟، بكلمتين اثنتين: اليونان وقبرص.

فقد متنت كل من إسرائيل ومصر واليونان وقبرص علاقاتها ببعضها البعض، كرد فعل على تموضع تركيا "العدواني بدون لزوم"، في شرقي المتوسط.

ونظراً لخسارتها في كل الحديث الجاري حول خفض التصعيد وإعادة التموضع، فإنه يبدو واضحاً أن تركيا تحاول انتزاع بلدين يمكن أن يكونا صديقين لها بعيداً عن التحالف مع أثينا ونيقوسيا.

وبالفعل، فإنه في خضم انشغال الجميع بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يلحظ الكثيرون تزايد الاختراقات التركية للمجال الجوي اليوناني فوق بحر إيجة.

ويبدو أن تركيا تريد أن تخفض التصعيد في مكان لتزيده في أماكن أخرى.

ثم هناك الحوار الإيراني مع الإمارات والسعودية.

وعندما يجلس الإماراتيون والسعوديون للحديث مع الإيرانيين، فإن أوجه ضعفهم وانكشافهم أمام طهران، من حيث صواريخها والمجموعات التي تعمل بالوكالة عنها، باتت جلية جداً.

ولذلك فإن لديهم من الأسباب الوجيهة ما يدفعهم إلى خفض التوترات معها، وخاصة أنهم يعتقدون بأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر للأمن والاستقرار في المنطقة.

كل هذا التخفيض في التصعيد، إنما الغاية منه أن تكسب السعودية والإمارات الوقت للتفكير في أفضل السبل لمواجهة التهديد الإيراني، سواء من خلال الاقتراب أكثر من إسرائيل، أو العمل مع الحكومتين الصينية والروسية، أو تطوير التكنولوجيا النووية.

فمشاطرة إيران المنطقة ليس شيئاً مرغوباً من قبل جيرانها في الشطر الغربي من الخليج – ربما باستثناء قطر.

كل هذا النشاط الدبلوماسي، دفع زوايا معينة في الولايات المتحدة، نحو التفاؤل بأن حالة من "تخفيف التصعيد" وكذلك "إعادة الاصطفاف" تسود المنطقة.

وهي نقطة نظام بالنسبة لأنصار إعادة تموضع الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، حيث يسري المنطق على النحو الآتي: إذا كانت العناصر الفاعلة في المنطقة تتصرف بشكل مسؤول وتسوي خلافاتها، فإن بإمكان الولايات المتحدة أن تتخفف من عبء تواجدها المباشر والعودة ثانية فقط فيما لو نشبت أزمة ما.

ويبدو ذلك رائعاً في ظاهره، ولكنه لا يقنع كاتب التقرير، الذي يضيف: "لا أقصد الحجج المؤيدة لإعادة التموضع والتوازن، فهذه فعلاً منطقية (ولئن كان في الأغلب فقط في المقالات الصحفية – وذلك أن الولايات المتحدة عندما حاولت ذلك في سبعينيات القرن الماضي، لم ينجح الأمر، ونجم عن ذلك التزام أمريكي طويل المدى بالحفاظ على أمن الخليج)".

ويتابع "كوك": "أما ما لا يقنعني فهو الرأي القائل بأن هذا النشاط الأخير من الدبلوماسية يدشن عهداً جديداً من السلام والحب والتفاهم في الشرق الأوسط، بل إن الانفتاحات المتعددة التي تجرى حالياً في المنطقة ما هي ببساطة سوى طريقة أخرى يتمكن من خلالها القادة من خوض نفس التنافس والنزاعات المستمرة منذ العقد الماضي".

ويزيد: "حتى بالنسبة للبعض ممن تساورهم شكوك عميقة، مثلي شخصياً، فإنها لأخبار سارة أن يجد المرء القوى الإقليمية يتحدث بعضها إلى بعض".

ويختتم حديثه بالقول: "حسب سيناريو الحكمة المعهودة، فإن المال هو الذي يقف من وراء المناخ الإقليمي الجديد حيث يتم الرهان على الاستثمارات والتعاون الاقتصادي بدلاً من حروب الوكالة وجيوش المرتزقة".

المصدر | فورين بوليسي/ستيفن كوك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط سلام استثمارات تقارب أمريكا

كاتب أمريكي بعد التقارب العربي الإسرائيلي: الشرق الأوسط يتغير