تداعيات حرب أوكرانيا على الشرق الأوسط.. تبدلات جيوسياسية ومخاوف من اضطرابات اجتماعية

الأربعاء 4 مايو 2022 03:04 م

تُعتبر أوكرانيا، إلى جانب روسيا، منتجا عالميا مهما لزيت عباد الشمس والحبوب؛ حيث توفر ثلث احتياجات العالم من القمح والشعير.

ويعطل الغزو الروسي بشدة الخدمات اللوجستية لنقل المواد الغذائية داخل أوكرانيا وعبر حدودها؛ بسبب تعليق الشحن من الموانئ التجارية في أوكرانيا.

علاوة على ذلك، تأتي الحرب في وقت حرج للتقويم الزراعي العالمي؛ حيث تتزامن مع بداية موسم الزراعة لعام 2022، ولذلك من المحتمل أن تؤثر سلبيا بشدة على محصول عام 2022، الذي يبدأ حصده أواخر يونيو/حزيران.

وهذا أمر مقلق بشكل خاص لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي غالبا ما تعتمد بشدة على الصادرات من كل من روسيا وأوكرانيا.

منطقة الشرق الأوسط

تؤمن مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، ما يقرب من 85% من قمحها من روسيا وأوكرانيا.

وفي أوائل أبريل/نيسان الماضي، أفادت تقديرات بأن البلاد لديها احتياطيات استراتيجية من القمح تكفي لمدة 2.6 شهر.

وبالمثل، يُتوقع أن تدوم احتياطيات القمح في لبنان لشهر واحد فقط؛ لأن البلاد فقدت احتياطياتها الوطنية في انفجار بيروت عام 2020.

ومع انخفاض صادرات أوكرانيا من القمح بشكل حاد، من المتوقع أن يتأثر اقتصاد لبنان وأمنه الغذائي سلبا، خاصة أن هذا البلد يستورد حوالي 60% من احتياجاته من القمح.

أخيرا، تعتمد تونس على أوكرانيا في ما يقرب من 50% من إمداداتها من القمح، ولديها ما يقدر بـ4 أشهر من الاحتياطيات، اعتبارا من مارس/آذار 2022.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير المباشرة لنقص الحبوب؟

تاريخيا، تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في حدوث اضطرابات اجتماعية بالمنطقة، مثل "انتفاضة الخبز" في مصر عام 1977وفي تونس عام 1983.

وحدثت تلك الانتفاضة الشعبية في مصر، آنذاك، بعد ضغط من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على القاهرة لإنهاء دعم المواد الغذائية الأساسية على الدقيق والأرز وزيت الطهي.

بينما حدثت الانتفاضة في تونس بعد ارتفاع في أسعار الغذاء ناجم عن برنامج تقشف فرضه صندوق النقد.

علاوة على ذلك، أشار البعض إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية كعامل مساهم في ثورات 2010-2011 التي اجتاحت العالم العربي.

ولا يمكن استبعاد احتمال تجدد الاضطرابات الاجتماعية؛ حيث يواجه المواطنون العاديون عبء زيادة أسعار الحبوب.

وفي هذا الصدد، حذر الباحث في مركز "مالكولم إتش كير كارنيجي" للشرق الأوسط "علي حمزة المؤدب"، من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلى جانب الآثار الاقتصادية لوباء "كورونا"، "سيؤجج الاضطرابات والنزوح، ولا سيما في البلدان، التي تعاني بالفعل من التضخم وتدهور القوة الشرائية".

وبالنسبة لتونس، من المرجح أن تشكل ارتفاعات أسعار المواد الغذائية اختبارا شديدا لرئاسة "قيس سعيد".

وحول ذلك، قال صندوق النقد الدولي إن الحرب الروسية في أوكرانيا تعمق الأزمة الاقتصادية في تونس، وتشكل "تحديات مهمة" لهذا البلد الواقع في شمال أفريقيا، وهو يتعافى من الوباء.

علاوة على ذلك، وكما يشير "المؤدب"، "وصلت الهجرة غير الشرعية من تونس إلى رقم قياسي عام 2021 عندما بلغ 16 ألفا من المهاجرين غير الشرعيين الشواطئ الإيطالية".

ومن المرجح أن تزداد هذه الأعداد من المهاجرين غير الشرعيين عام 2022؛ حيث يبدأ نقص الخبز والأسعار في التضاؤل.

وأخيرا، في لبنان، تشير التقديرات إلى أن نصف السكان يعيشون الآن في فقر، وأن تضخم الغذاء يمثل مشكلة متكررة.

وقد أصدرت جمعية المطاحن في لبنان بيانا أعلنت فيه أن الحرب في أوكرانيا تسببت في إلغاء جميع صفقات بيع القمح؛ ما أدى إلى ارتفاع سعر طن القمح إلى ما بين 45 و 50 دولارا.

ولمواجهة هذا التحدي، يقترب لبنان من التوصل إلى اتفاق مع البنك الدولي تمنح فيه الوكالة الدولية البلد المنكوب بالأزمة قرضًا بقيمة 150 مليون دولار للأمن الغذائي ولتثبيت أسعار الخبز للأشهر الستة المقبلة.

وعلى النحو ذاته، تبحث البلدان في جميع أنحاء المنطقة عن طرق لتقليل تأثير ارتفاع الأسعار وتأمين مصادر أخرى للحبوب.

فقد قالت وزارة الزراعة في تونس، على سبيل المثال، إن البلاد قد تحولت إلى موردين من الأرجنتين وأوروجواي وبلغاريا ورومانيا للحصول على القمح، وإلى فرنسا لاستيراد الأعلاف والشعير.

وفي مصر، تسعى وزارة التموين إلى تحقيق فائض في ميزانية دعم المواد الغذائية من خلال تنويع مصادر الواردات من القمح خلال عام 2021.

لذلك، قامت بشراء القمح من لاتفيا لأول مرة، وبدأت في قبول الواردات من دول أخرى مثل فرنسا وكندا والهند والولايات المتحدة.

ووفقا لبيانات وزارة الزراعة المصرية، تهدف مصر إلى تحقيق ما بين 60 و62% من الاكتفاء الذاتي من القمح خلال هذا الموسم.

وللوصول إلى هذا الهدف، قامت الدولة بزراعة حوالي 3.6 ملايين فدان من القمح، من المتوقع أن تنتج ما بين 9.5 و10 ملايين طن.

وأكد وزير التموين "علي السيد علي المصيلحي"  حرص الحكومة على تنويع مصادر وارداتها من القمح خارج الدول الـ14، التي تعاقدت معها حاليا، لافتا إلى أنها وافقت في أبريل/نيسان على الهند كواحدة من موردي هذه المادة من الحبوب للبلاد.

فيما أعربت فرنسا، قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، عن استعدادها لتوفير أي كمية من القمح تحتاجها مصر.

العلاقات الخليجية الجديدة

وبينما اضطرت العديد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إعادة التفكير جذريا في استراتيجيات استيراد الحبوب في الأشهر المقبلة، فإن الحرب في أوكرانيا تعيد أيضا تشكيل العلاقات الجيوسياسية؛ حيث يتطلع الغرب إلى تعزيز إمدادات الهيدروكربون.

وبعد وقت قصير من الغزو الروسي، تطلع الرئيس "جو بايدن" إلى السعودية والإمارات للمساعدة في استقرار أسعار النفط المرتفعة.

وورد أن كل من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد" رفضا الرد على مكالمات الرئيس "بايدن".

وتم تفسير ذلك على أنه انعكاس للمخاوف المتعلقة بموقف الولايات المتحدة من المتمردين الحوثيين في اليمن واحتمال إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

ونتيجة لذلك -كما قال الخبير في الشؤون السعودية في مركز "ويلسون" "ديفيد أوتاوي"- "قرر بن سلمان أن تحالفه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهم في المسائل النفطية على الأقل من إنقاذ بايدن" .

وفي تقرير لمجلس العلاقات الخارجية سيُنشر قريبا، اقترح "ستيفن كوك" و"مارتن إنديك" صفقة كبرى ستعمل بموجبها الولايات المتحدة على تحسين العلاقات مع "بن سلمان"، عبر تقديم تعهدات أكثر وضوحا لحماية السعودية مقابل سلسلة من الإجراءات.

وفي غضون ذلك، تتطلع الدول الأوروبية إلى قطر كبديل لإمدادات الغاز الروسية المفقودة؛ حيث تخطط الدوحة لتوسيع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40% سنويا بحلول عام 2026 من خلال مشروع حقل الشمال الشرقي، وفي السنوات الأخيرة، عززت العلاقات مع عدد من المستوردين الأوروبيين.

وسعت ألمانيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى إنهاء اعتمادها على الغاز الروسي الرخيص؛ حيث وقعت اتفاقية طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر، كما سعت إلى امتلاك محطات عائمة للغاز لحل مشكلة افتقارها إلى مرافق شاطئية.

ومع ذلك، على المدى القصير، فإن تفضيل قطر للعقود طويلة الأجل ووقت الشحن لناقلات الغاز الطبيعي المسال يجعل من الصعب على البلاد توجيه إمدادات الغاز نحو أوروبا.

وقد حذر وزير الطاقة القطري "سعد شريدة الكعبي"، أواخر مارس/آذار، من أن استبدال قطر بإمدادات الغاز الروسي "غير ممكن عمليا" في الوقت الحالي.

وترى دول الخليج أن الحياد يوفر الطريق الأكثر أمانا للمضي قدما، ويحافظ على العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية المفتوحة مع كل من الغرب والشرق.

ومع ذلك، تشير الباحثة الإيطالية المتخصصة في شؤون الخليج بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو" إلى أنه عندما يتعلق الأمر بأزمة أوكرانيا، "لن يكون الحياد خيارا سهلا" لشركاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين.

على سبيل المثال، تصف "بيانكو" امتناع الإمارات عن التصويت على قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادرة في 25 فبراير/شباط، والتي تدين غزو روسيا لأوكرانيا كمثال على "التحوط الشديد" في البلاد، والذي قد يثبت أنه غير مستدام على المدى الطويل.

ومع ذلك، وكما يشير الخبير الاقتصادي ومحلل المخاطر السياسية "جاستن ألكسندر"، فإن الروابط الاقتصادية والسياسية التي تربط دول مثل قطر بروسيا قد توفر جسرا دبلوماسيا بين موسكو والغرب عندما تتوقف القنوات الأخرى عن العمل.

خاتمة

يؤدي غزو أوكرانيا إلى تعميق وتفاقم نقاط الضعف الموجودة بالفعل في سياسات استيراد الحبوب لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتاريخيا، أدت الزيادات في أسعار الخبز إلى حدوث اضطرابات اجتماعية في جميع أنحاء المنطقة، ومن المرجح أن تؤدي إلى حدوث ذلك مرة أخرى؛ لأن أسعار الحبوب تضرب جيوب الكثيرين.

ولتقليل تأثير صدمات أسعار الحبوب العالمية ونقصها، يجب على بلدان الشرق الأوسط أن تتطلع إلى تنمية السيادة الغذائية على المستويين الوطني والإقليمي.

ويجب أن يقترن ذلك بمزيد من المرونة فيما يتعلق بأنواع المحاصيل والخدمات اللوجستية لاستيراد وتصدير الحبوب، فضلا عن دعم المزارعين المحليين صغار ومتوسطي الحجم.

في المقابل، قد يبدو أن غزو أوكرانيا قد عزز قبضة الدول في الخليج، ويؤكد استمرار الاعتماد العالمي على النفط والغاز.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يستبعد هذا حاجة الدول في كل من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الاستثمار في أشكال نظيفة وموثوقة من الطاقة والاستعداد لمستقبل ما بعد الكربون.

المصدر | اشرف شيباني/ مركز ويلسون -  ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة الأوكرانية مصر القمح تونس الاحتجاجات سعر الخبز بن سلمان بوتين

صادرات القمح الروسية تزداد بعد أن تباطأت بسبب غزو أوكرانيا

لبنان.. تحذيرات من أزمة خبز بسبب عدم تسديد ثمن القمح

قرارات رسمية بالعراق وتونس لتأمين القمح والمواد الغذائية

حرب أوكرانيا.. مخزون القمح المصري يتراجع إلى النصف

لحظة لن تدوم.. فورين بوليسي: التقارب في الشرق الأوسط إعادة تموضع

لأول مرة منذ بدء المعارك.. زيلينسكي يزور شرقي أوكرانيا

الشرق الأوسط يتحول إلى مسرح لصراع النفوذ بين روسيا وأمريكا

كيف أعاقت حرب أوكرانيا إصلاحات الشرق الأوسط؟.. معهد بحثي يجيب