هجوم الطاسة في مصر.. من الفاعل ومن المستفيد؟

الأحد 8 مايو 2022 08:49 ص

يثير الهجوم على كمين الطاسة، شرقي قناة السويس، بمحافظة شمال سيناء المصرية، السبت الماضي، تساؤلات عدة، مدعومة بعلامات من الريبة حول التوقيت والأهداف، وهوية الفاعل والمستفيد.

ويصل عدد ضحايا الهجوم إلى 17 قتيلا، في أكبر حصيلة بين العسكريين المصريين منذ سنوات، وفق تقارير حقوقية، بينما حدد بيان المتحدث باسم الجيش المصري، عدد القتلى بضابط واحد و10 جنود، وإصابة 5 أفراد آخرين.

ولم تعلن إلى الآن، أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، كما لم يعرف ملابسات الواقعة، وتطورات عملية الاشتباك مع العناصر المهاجمة، التي أفاد الجيش المصري بمطاردتها ومحاصرتها فى إحدى المناطق المنعزلة فى سيناء، شمال شرقي البلاد.

توقيت حساس

يأتي الهجوم وهو الأكبر من نوعه منذ سنوات، بعد أيام من دعوة وجهها الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"؛ لإجرار حوار وطني سياسي، تبعه عفو رئاسي عن العشرات من المعتقلين، في تهم ذات صبغة سياسية.

ومع توالي التهليل الرسمي للدعوة الرئاسية، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإعادة استدعاء أحزاب سياسية ووجوه معارضة كانت مهمشة، للمشهد من جديد، ربما يعد الهجوم محاولة من جهة ما لعرقلة هذا التقدم، ووقف أي انفراجة ولو مؤقتة في المشهد المصري.

ويتزامن الهجوم مع تفاقم المأزق الاقتصادي الذي يواجهه نظام "السيسي"، متأثرا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء حول العالم، ومماطلة صندوق النقد الدولي في منحه قرضا جديدا بقيمة 10 مليارات دولار، قبل تحرير سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار.

الملفت كذلك، أن الهجوم جاء بعد أيام من انتهاء  مسلسل "الاختيار 3"، الذي حاول ترسيخ الرواية الرسمية والاستخباراتية للانقلاب العسكري على الرئيس الراحل "محمد مرسي" في 3 يوليو/تموز 2013، بتكلفة باهظة أثارت سخط المصريين، وفق مجلة "إيكونوميست" البريطانية.

وأضافت المجلة: "لم يكن هناك أي مجال للشك عمن يجب دعمه عند مشاهدة المسلسل، فالسيسي رجل متواضع وتقي، وبار بأمه التي يتوقف للحديث معها وهو في طريقه للإعلان عن الانقلاب.. وأما مرسي وأتباعه، فقد ظهروا بطريقة ماكرة، ورافقت ظهورهم موسيقى تنذر بالشر"، ليأتي بعدها الهجوم الدموي ليذكر المصريين بما عانوه من موجة إرهاب خلال السنوات الماضية.

وكان "السيسي" قد انتهز فرصة عيد الفطر المبارك، الأسبوع الماضي، ليدافع عن المسلسل، ويكرم أبطاله، ويذكر الشارع المصري، بأنه تلقى تهديدات بالقتل من نائب مرشد الإخوان "خيرت الشاطر"، المعتقل منذ العام 2013، في ما اعتبر إشارة لاستبعاد "الإخوان" من أي حوار سياسي أو مصالحة وطنية.

أخطاء ميدانية

تعد حصيلة الهجوم، هي الأكبر منذ 6 سنوات، عندما استهدف هجوم بسيارات ملغومة وقذائف كمين "الصفا" العسكري بمدينة العريش، في مارس/آذار 2016، ما أسفر عن مقتل 18 من قوات الأمن بينهم ضابطان، بحسب إحصاء رسمي.

كما تعد هذه الحصلية من بين الأكبر منذ أبريل/نيسان 2018، حين هاجم مسلحون أحد معسكرات الجيش في وسط شبه جزيرة سيناء، ما أسفر عن مقتل 8 من أفراد القوات المسلحة وإصابة 15 آخرين.

ووفق وسائل إعلام محلية، فإن الضابط الذي قتل في الهجوم، هو ضابط "احتياط" برتبة ملازم أول، ويدعى "سليمان على سليمان بيومي"، إضافة إلى مجندين حديثي التخرج، ما يعني أن القوة المستهدفة ليست نظامية، وأن عناصرها يؤدون خدمة التجنيد الإجباري، وفق القانون المصري.

وتحمل تلك الثغرة، دلالة تفيد بأن الخبرات القتالية لأفراد الكمائن في سيناء، محدودة جدا، وهو عامل خطير بالنظر إلى قدرات الخصم، حيث يدفع الجيش المصري بخريجين جدد يؤدون فترة التجنيد إلى مناطق ساخنة، دون دراية بطبيعة الموقع، أو خبرة قتالية، أو تدريب نوعي، مقابل قدرات تكتيكية وتجهيزات قتالية عالية المستوى تملكها التنظيمات المسلحة في سيناء، وأبرزها "ولاية سيناء" الفرع المحلي لـ"تنظيم الدولة" في مصر.

كذلك، وبشكل متكرر، تتعرض كمائن الجيش والشرطة في سيناء، لهجمات، متزامنة مع العطلات الرسمية، وأجازات الأعياد، في استغلال واضح لحالة الخمول الأمني، والاسترخاء في هذة التوقيتات، بالإضافة إلى أن تلك الكمائن والارتكازات الأمنية غالبا ما تكون "ثابتة" وليست "متحركة" ما يسهل من عملية الرصد والمراقبة، وتحديد عدد الأفراد، ورتبهم، ونوعية التسليح المتوافرة لهم، ومواعيد تغيير "النوبتجية".

علامات استفهام

يثير هجوم الطاسة علامات استفهام عديدة، حول الكلفة الضخمة لمواجهة الإرهاب، التي أعلن "السيسي" عنها خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، وقدرها بـ84 مليار جنيه، قائلا إن القوات المسلحة تنفق مليار جنيه شهريا لهذا الغرض، دون أن ينجح في مهمته.

وينفذ الجيش المصري منذ فبراير/شباط 2018، "العملية  الشاملة سيناء"، دون أن ينجح إلى الآن في بسط سيطرته على كافة ربوع محافظة شمال سيناء، خاصة رفح والعريش والشيخ زويد وبئر العبد، البؤر الأكثر توترا على الخارطة المصرية.

وكان "السيسي" قد قرر منتصف العام 2015، تشكيل قيادة أمنية موحدة لإدارة العمليات في منطقة شرق قناة السويس ومكافحة الإرهاب، وهي القيادة التي وقع الهجوم الأخير في نطاق اختصاصها.

الملفت والمقلق، أن بيان المتحدث العسكري، تحدث عن نجاح القوات المصرية في إحباط "هجوم إرهابي" (الطاسة)، دون أن يكبد المهاجمين أية خسائر في صفوفهم، أو يتمكن من القبض على أحد منفذي الهجوم، لكشف من يقف وراءه.

ويتساءل معارضون عن جدوى صفقات السلاح الضخمة التي أبرمها "السيسي" خلال 8 سنوات من حكم البلاد، وحصوله على أنظمة مراقبة إلكترونية، وطائرات استطلاع متقدمة، وطائرات مسيرة، فضلا عن إعلانه تصنيع الطائرة "نووت" المعلن عنها في معرض الصناعات العسكرية والدفاعية "إيديكس 2021"، ويمكنها تنفيذ مهام الاستطلاع التكتيكي، وتحديد وتمييز وتتبع الأهداف.

تبدو المخاوف من استغلال الهجوم، بعد إطلاق كتائب إلكترونية، وناشطين محسوبين على أجهزة أمنية، وسم بعنوان "تفويض 2022"، يدعون فيه "السيسي" إلى استمرار حربه لاجتثات ما سموه بـ"كل جذور التطرف وكل أصحاب الأفكار الهدامة والتيارات الدينية المتطرفة"، في إشارة للتفويض الذي طلبه عندما كان وزيرا للدفاع، العام 2013 لمواجهة "الإرهاب المتحمل".

وليس من المستبعد، توظيف الهجوم، لإحداث حالة من الالتفاف الشعبي والإقليمي والدولي حول نظام "السيسي"، وقمع أي حراك شعبي محتمل على خلفية التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى إخماد النبرة المتعالية داخليا وخارجيا في انتقاد الرئيس المصري، والمطالبة بعدم ترشحه مجددا في رئاسيات 2024.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر سيناء هجوم الطاسة السيسي ولاية سيناء الجيش المصري مسلسل الاختيار منطقة شرق قناة السويس

الهجوم الثاني خلال أسبوع.. مقتل وإصابة 9 عسكريين مصريين في رفح